ملاحظات
حول الأزمة اللبنانية القائمة
د.
داود خيرالله*
القوى
الداخلية التي ترسم المشهد
السياسي في لبنان حاليا
ثلاث: ما يسمّى بتجمع الرابع
عشر من آذار وهو مؤلف من تيّار
المستقبل ووليد جنبلاط وجماعة
قرنة شهوان التي يبدو أن جرى
اختزالها بسمير جعجع كممثل لقسم
من المسيحيين الذين يمكن
اجتذابهم من العماد عون.
بالمقابل هناك ما يعرف بالثائي
الشيعي ممثلا بحزب الله وحركة
أمل وهو يمثل الأكثرية الساحقة
من الشيعة. ثم هناك التيّار
الوطني الحرّ الذي يتزعمه
العماد ميشال عون وهو يمثل
الأكثرية الساحقة من المسيحيين
كما أظهرت الانتخابات النيابية
الأخيرة.
يؤسفني
أن أستعمل لغة التموقع الطائفي
في وصف الواقع السياسي اللبناني
إلا أنه من غير الممكن إعطاء
صورة صحيحة عن مكوّنات هذا
المجتمع ومحرّكاته السياسية
دون اللجوء إلى اللغة الطائفية.
فما
هي مواقف ومطالب اللاعبين
الأساسيين على المسرح
اللبناني؟
ما
يعرف بتجمع الرابع عشر من آذار
تجمّع حول حالة عداء تجاه سوريا
يكنّها الأطراف الثلاثة
المكونة لهذا التجمّع كل
لأسبابه الخاصة.
ففي
الجانب السني هناك حالة استقطاب
حصلت بعد مقتل الرئيس الحريري
تمكن فيها إعلام مهيمن ومال
وفير من تجذير النقمة ضد الحكم
السوري من خلال اتهام سوريا
باغتياله. وقد
كان بالإمكان في غياب قيادات
سنّية وازنة من تغييب العروبة
من الخطاب السياسي لتيار
المستقبل الذي يكاد يكون الممثل
الوحيد للسنة في الوقت الحاضر
على الأقل في السلطة التشريعية.
ولهذا التطور أهميّة خاصة
لأن السنّة في لبنان يشعرون
تقليديا بأنهم مركز الثقل في
التعبير عن الوجدان القومي
العربي. ويبدو
أن التركيز الإعلامي على الخلاف
الذي اعترى علاقة الرئيس
الحريري بالسلطات السورية خلال
الفترة التي سبقت اغتياله خاصة
فيما يتعلّق بالتجديد للرئيس
لحود قد سهّل في بلوغ هذه
النتيجة.
في
الجانب الدرزي يقف وليد جنبلاط
ممثلا لطائفته بدون منازع.
وجنبلاط بذاته حالة
تدعو للتأمل العميق في
كيفية وأسباب الانتقال من كونه
أقرب الحلفاء للوجود السوري في
لبنان خلال الحرب الأهلية وبعد
انتهائها, وقبل اتفاق الطائف
وبعده, إلى أكثر الزعامات
اللبنانية عداء للحكم السوري.
انتقل من كونه أعلى الأصوات
المدافعة عن استمرار الوجود
السوري في لبنان إلى أكثرها
اعتراضا على هذا الوجود. أكثر
النظريات شيوعا عن أسباب هذا
الانتقال هي محاولة اغتيال
مروان حمادة المقرّب من جنبلاط
والتي ألصقت كذلك بسوريا بحجّة
ما شاع من أن حمادة كان قد اتخذ
مواقف عدائية من سوريا وأنه لعب
دورا في استصدار قرار مجلس
الأمن رقم
1559.
في
جانب قرنة شهوان وسمير جعجع يجب
التنويه بداية بأن الوجدان
الشعبي المسيحي بعامة كان
مناهضا للوجود السوري في لبنان
وكانت الغالبية تشعر باحباط من
جراّء هذا الوجود وتتربص الفرص
لتقصير أجله. ولعلّي لا أبالغ
إذا قلت أن القوات اللبنانية,
التي يرأسها جعجع ومؤيّديها, لم
ترتح يوما إلى أي رابط بين لبنان
ومحيطه العربي,
وهي تقيس الاستقلال الفعلي
للبنان بقدر ابتعاده عن محيطه
العربي. وبالرغم من أن أكثرية في
الصفوف المسيحية, وخاصة بين
الزعامات السياسية والروحية
كانت ترى في الحريري عاملا هاما
في تقلص نفوذها في السلطة
وعائقا في طريق استرجاع بعض
الامتيازات التي زالت اثر اتفاق
الطائف, فقد
وجدت هذه القوى في اغتيال
الحريري فرصة سانحة لإعلان
التفجّع على مقتله كدافع
للتخلّص من الذي اختير مسؤولا
عن اغتياله وكذلك عن اغتيال
السيادة والحرّية والديمقراطية
في لبنان. فكان
تجمّع الرابع عشر من آذار وكانت
التظاهرة المليونية الشهيرة.
انحصرت
بداية مطالب قوى الرابع عشر من
آذار بخروج السوريين من لبنان
وتفكيك الجهاز الأمني اللبناني
الذي اعتبر أنه صنيعة وحليف
الهيمنة السورية وكذلك الحرص
على معرفة الحقيقة من خلال
اكتشاف القاتل عن طريق تحقيق
دولي ومعاقبته. خرج السوريون.
وادخل قادة الأجهزة الأمنية
السجن ولا يزالون هناك على ذمة
التحقيق بتهمة التواطؤ في جريمة
اغتيال الرئيس الحريري ولكن دون
أن يصدر بحق أي منهم قرارا بالظن
أو الاتهام.
أما
بالنسبة للأصوات التي ارتفعت
تطالب بالتحقيق الدولي والرغبة
في معرفة الحقيقة فيبدو أنها
خفتت بعض الشيء بعد استنفاذ
كافة وسائل الضغط الدولية
وتجاوز مبادئ العدالة وأصول
المحاكمات الجزائية دون بلوغ
الهدف المنشود حتّى الآن وهو
إثبات التهمة على المتهم الذي
جرى اختياره إعلاميا وسياسيا¸
فتحول اهتمام زعامات الرابع عشر
من آذار إلى نزع سلاح المقاومة
وتنحية الرئيس لحود المؤيد لها
بحجة أنه من بقايا الهيمنة
السورية, بالرغم من أن قوى
الرابع عشر من آذار أصبحت
تسيطر على السلطات
التشريعية والتنفيذية
والقضائية وفي الواقع على كافة
مرافق الدولة.
فالتمسك
بسلاح المقاومة الذي كان في
أساس التحالف الانتخابي بين حزب
الله من جهة وجنبلاط وتيار
المستقبل من جهة ثانية أصبح
موضوع خلاف أساسي بين حلفاء
الانتخابات النيابية اذ اصبح
نزع سلاح المقاومة التي تحولت,
في لغة السيد جنبلاط الذي
تضاعف نفوذه في المجلس النيابي
بفضل أصوات أنصار حزب الله,
تحوّلت إلى ميليشيا يجب نزع
سلاحها وأن ينطبق عليها قرار
مجلس الأمن رقم 1559 . وأصبحت
مزارع شبعا في خطابه غير
لبنانية.
على
نقيض تجمع الرابع عشر من آذار
يقف حزب الله وحركة أمل وأحزاب
قومية ويسارية.
فهؤلاء يعتبرون أن الإبقاء
على سلاح المقاومة ضرورة لتحرير
الأرض اللبنانية التي لا تزال
تحت الاحتلال وكذلك تحرير
الأسرى في السجون الإسرائيلية
ووسيلة ردع أثبتت فعاليتها ضد
الاعتداءات الاسرائيلية
المتكررة, وذلك في غياب دولة
باستطاعتها حماية أرضها
والمقيمين عليها,
وفي غياب شرعية دولية يعمل
أسيادها على تشجيع الاعتداءات
الإسرائيلية وحمايتها باستعمال
امتيازاتهم في مجلس الأمن
الدولي. ثم
أن حزب الله وحلفائه يركزون في
موقفهم على البعد العربي في
مناصرة الشعب الفلسطيني
المقاوم والنظام السوري الذي
يرون فيه حليفا طبيعيا في وجه
المطامع الصهيونية. في حين يصر
قادة حزب اللهّ أن سلاح
المقاومة لن يستخدم سوى في
الدفاع عن لبنان ومصالح شعبه
ولن يوجه إلى الداخل اللبناني
كما يروّج البعض. في الواقع أن
سلاح حزب الله لم يلطّخ بدم
الأبرياء من اللبنانيين خلافا
لما كان عليه الأمر بالنسبة
لغلاة مدّعي الحرص على السيادة
والوحدة الوطنية من قادة تجمع
الرابع عشر من آذار.
أما
التيار الوطني الحرّ الذي
يتزعمه العماد عون, فقد أثبتت
الانتخابات النيابية الأخيرة
بأنه يحظى بتأييد الأكثرية
الساحقة من أصوات المسيحيين
علما بأن قائده يدعو إلى علمنة
النظام بشكل كامل. وبالرغم من أن
العماد عون كان من أول ضحايا
الدخول السوري إلى لبنان واضطّر
إلى ترك سدّة الحكم والذهاب إلى
فرنسا تحت وطأة قصف المدافع
السورية, فقد
اتخذ موقفا يدلّ على استقلالية
في الرأي وحرص على المصلحة
الوطنية ورغبة في بناء دولة
حديثة. فموقفه
من سوريا هو كما قال "تنتهي
حالة العداء بيني وبين السوريين
بخروجهم من لبنان. أما وقد خرجوا
فلا موجب لاستمرار حالة العداء.
أما مسئوليتهم عن اغتيال الرئيس
الحريري فأمر يجب تركه للتحقيق
الدولي." وله موقف من ضرورة
مكافحة الفساد ومحاسبة
المسؤولين عن الجرائم
والمخالفات التي أدّت إلى إفلاس
الدولة لا يلائم العديد من
القيادات التقليدية. وبالرغم من
إعلان حرصه على أن تستأثر
مؤسسات الدولة بحمل السلاح
واستعمال القوة وأن يكون واجب
الدفاع عن الوطن وشعبه محصور
بمؤسسات الدولة, إلا أنه يعتبر
أن مصير سلاح المقاومة يجب أن
يقرر نتيجة حوار داخلي يتناول
تقييم الحاجة للابقاء على
السلاح وكيفية الدفاع عن الوطن
وشعبه بصورة فعّالة.
وقد
تم توقيع مذكرة تفاهم بين
التيار الوطني الحر وحزب الله
عكست تفاهما بين الطرفين على
معظم المواضيع التي تساعد على
الخروج من الأزمة واعادة بناء
الدولة.
ربما
يقتضي التنويه هنا بأن الطاقات
السياسية التي لها بعض الوزن
على الساحة الداخلية والتي لم
آت على ذكرها مثل الأحزاب
القومية واليسارية وكذلك بعض
الزعامات التقليدية مثل سليمان
فرنجية وعمر كرامي وسليم الحص
غير الممثلة حاليا في المجلس
النيابي هي في موقفها السياسي
أكثر اقترابا من تفاهم حزب الله/
عون منها إلى تجمع الرابع عشر من
آذار.
هذا
هو المشهد السياسي الداخلي
حاليا وهؤلاء هم اللاعبون
الأساسيون في مشروع الخلاف
الوطني القائم والذي استدعى
نداء الحوار فيما بينهم.
أودّ
الآن الدخول في محاولة تقييم
الأزمة الحالية , أسبابها
وجوانب المسؤولية في استمرارها
وتفاقمها.
قلت
في الماضي من على منبر "مركز
الحوار" هنا في واشنطن وأكرر
أن الوجود السوري في لبنان كان
أمرا غير طبيعي وقد ولّد نقمة
لدى كافة أطياف الشعب اللبناني
وذلك بسبب أخطاء وتجاوزات من
قبل ممثلي سوريا وبعض حلفائها
في الداخل اللبناني وخاصة لجهة
تفاقم الفساد وامتهان كرامة
المواطن في حالات عدّة. ولكن تجب
الملاحظة أن الهيمنة السورية في
لبنان استمرّت منذ قيام عهد
الطائف في 1990 وحتى أواخر 2004 دون
أية مقاومة تذكر سوى في بعض
أوساط الصف المسيحي لا بل أن
غلاة المطالبين بإنهاء الهيمنة
السورية حاليا كانوا أبرز
المؤيدين لهذه الهيمنة وأهم
الأدوات لارتكاب تلك الأخطاء
والتجاوزات وأكثر المستفيدين
منها.
وكانت
الولايات المتحدة بلسان
رسمييها تقول بأن الوجود السوري
في لبنان هو عامل استقرار. فما
الذي تبدّل بالنسبة لهذا
الوجود؟ من الصعب جدّا تعيين
أخطاء ارتكبتها سورية في لبنان
في الشهور الأخيرة لوجودها، ولم
ترتكبها طيلة السنوات التي
سبقت.
أودّ
هنا لفت الانتباه إلى العامل
الخارجي في خلق الأزمة
اللبنانية وتفاقمها.
بدأت
الأصوات الناقدة للوجود السوري
في الخارج ثم الداخل تتعالى بعد
غزو العراق والموقف السوري غير
المتعاون معه. وبدأ الحديث عن
إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
فخالج نفوس بعض السياسيين
رهان على التعاون مع القوى
والارادات الزاحفة. وكان قرار
مجلس الأمن الدولي رقم 1559 وهدفه
الأساسي في اعتقادي نزع سلاح
المقاومة لما له من تأثير مادي
ومعنوي معرقل للطموحات
والمخططات الصهيونية في
المنطقة. قناعتي أنه لو تعاونت
سوريا في مشروع نزع سلاح
المقاومة لكانت هناك مطالبة
أميركية إسرائيلية لإبقائها في
لبنان ولما كان هناك قرارات
للشرعية الدولية يتشوّق دعاة
السيادة والحرية والاستقلال
تنفيذها.
أعتقد
كذلك أن ما ورد في قرار مجلس
الأمن لجهة انتخاب رئيس
الجمهورية , والذي هو تدخل في
الشؤون الداخلية لدولة عضو في
المنظمة الدولية مخالف للبند
السابع من من المادة الثانية من
شرعة الأمم المتحدة, الهدف
الأساسي منه هو تجريد المقاومة
من حليف داخلي يرى في المقاومة
عنصرا مكملا للسيادة الوطنية
وبالتالي يضفي شرعية على وجودها
ومناعة في وجه القائلين بوجوب
نزع سلاحها. الهدف هو استبدال
رأس الدولة بمن يماشي القائلين
بأن المقاومة المسلّحة هي
انتقاص من سيادة الدولة وخطر
على السلم الأهلي ورفض للانصياع
للشرعية الدولية.
هذا
في رأيي هو الهدف الأساس لصانعي
قرار مجلس الأمن.
فمن بإمكانه التصور أن أن
القرار رقم 1559 جاء استجابة
لرغبة الشعب اللبناني وطموحات
بعض زعمائه بما لهم من باع في
لّي زند الشرعية الدولية, الأمر
الذي لم يكن متوفرا طيلة اثنتي
وعشرين سنة من الاحتلال
الإسرائيلي للبنان , من بإمكانه
كل ذلك باستطاعته أن يعتبر أن ما
يجري في لبنان وخاصة ما تعكسه
مطالب الزعامات التي هي في موقع
السيطرة على الأكثرية النيابية
هي مسائل داخلية يبررها الشوق
للسيادة والحرية والاستقلال
وما شاكل من شعارات شاع تكرارها
مؤخرا. لكن عليه أولا أن يثبت
واقعية هذا التصور.
أما
إذا أدركنا أن قرار مجلس الأمن
رقم 1559 ما كان وما كان له أن يكون
سوى انعكاسا لإرادة الولايات
المتحدة التي نادرا ما تناقضت
إرادتها ومواقفها مع الإرادة
الإسرائيلية والتي هي في رأس
الدول المسيطرة على قرارات
الشرعية الدولية
تبنيا وتنفيذا , علينا إذاً
التدقيق في مواقف بعض الزعامات
اللبنانية و دورها في مشروع
الخلاف القائم لنتبين الأصيل من
الدخيل و الوطني من المستورد
بالنسبة لكافة المواضيع
والمطالب الخلافية.
قلت
أن الهدف الأساسي للقرار 1559 هو
نزع سلاح المقاومة.
وأعتقد أن كل ما تبعه من
أحداث بما في ذلك اغتيال الرئيس
الحريري وسواه هو من العوامل
المرتبطة بهذا القرار أو
المساعدة على تحقيق هدفه. إن نزع
سلاح المقاومة يشكل هدفا
ستراتيجيا هاما بالنسبة لكل من
إسرائيل والولايات المتحدة لن
يجري التخلّي عنه بسهولة
بالنسبة للأطراف الخارجية
المؤثرة في الأزمة اللبنانية.
بالمقابل يشكّل سلاح المقاومة
وكيفية تنظيمها حاجة وطنية في
الدفاع عن لبنان وشعبه في حدود
ما هو متوفر
لديه من إمكانيات للدفاع عن
نفسه بواسطة جيشه النظامي. يمكن
كذلك اعتبار المقاومة
اللبنانية جزءا من خط دفاع عربي
أول في وجه المطامع الصهيونية.
لذلك
تمكن المتحاورون في لبنان من
الاتفاق بصورة مبدئية على كافة
نقاط الخلاف بما في ذلك محكمة
دولية بشأن اغتيال الرئيس
الحريري, وحلّ مسألة الحدود مع
سورية وكذلك التبادل
الديبلوماسي معها وبقي الموضوع
الأهم وهو نزع سلاح المقاومة
وتنحية الرئيس لحّود المرتبطة
بنزع هذا السلاح كما سوف أبين.
نزع
سلاح المقاومة يكون على وجهين
معنوي ومادي. الوجه المادي
يقتضي نزع البندقية من يد
المقاتل. أما الوجه المعنوي فهو
الأدعى والأهمّ.
البندقية في يد الجندي الذي
يدافع عن ارض الوطن
ومصالح شعبه مدعاة فخر
واعتزاز ولا يلقى نزعها من يده
قبولا شعبيا لما تتمتع به من
حصانة معنوية. لكن انتزاعها من
يد المجرم أو الإرهابي الذي
يهدد حياة الشعب وأمن الوطن هو
مطلب كل مواطن لا بل كل إنسان.
لذلك وصفت الولايات المتحدة
وإسرائيل المقاومة اللبنانية
وتحديدا حزب الله بالجماعة
الإرهابية التي يجب أن تعامل
معاملة الإرهابيين بكل ما سنّت
لهم الشرعية الدولية من قرارات
الادانة والعقاب.
لكن ذلك لا يجدي في نزع
الشرعية عن المقاومة في الإطار
اللبناني ولا بدّ من خلق مناخ
داخلي يوحي بأن المقاومة
المسلحة هي خطر على سيادة
الدولة, وتهديد للسلم الأهلي
وعقبة في وجه الالتزام بقرارات
الشرعية الدولية.
يعلّمنا
التاريخ الحديث في العالم
العربي بعامة وفي لبنان على وجه
الخصوص بأن التصدّع الداخلي هو
أضمن الوسائل لفرض الإرادة
والمصلحة الخارجية على الإرادة
والمصلحة الداخلية.
من هنا نبدأ في فهم التماهي
بين الرغبات الخارجية والأصوات
الداخلية التي تصوّر المقاومة
بأنها انتقاص من سيادة الدولة,
في حين أن هذه الدولة لم تذق
طعم السيادة في العلاقة مع
إسرائيل قبل
قيام المقاومة المسلحة.
وهذه الأصوات
تعلن المقاومة تهديدا للسلم
الأهلي بالرغم من أن سلاحها لم
يوجّه يوما إلى الداخل اللبناني
خلافا لتاريخ أكبر منتقديها,
وأن سلوكها حتى الساعة هو أكبر
ضمان لتعطيل أدوات التفجير
المنتشرة في كافة أنحاء ومرافق
الجمهورية اللبنانية.
أمّا بالنسبة لموقف
المقاومة من الشرعية الدولية
فيجب التذكير بأن الشرعية
الدولية التي انعكست في قرار
مجلس الأمن رقم 425 المتعلّق
بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان
لم تر لها نصيرا مدّة اثنتين
وعشرين سنة سوى المقاومة
اللبنانية التي كان لها الفضل
الوحيد في تطبيق قرارها.
وفي
سياق تجريد المقاومة المسلّحة
من الشرعية والحصانة المعنوية
التي تتمتع بها يمكن فهم الحملة
القائمة لتنحية رئيس الجمهورية.
فكيف يمكن تجريد المقاومة
من الشرعية ورأس السلطة
التنفيذية وأهم رمز للسيادة
الوطنية يعتبر أن هذه المقاومة
هي عنصر مكمّل للسيادة الوطنية
في ظل ما هو متوفر للبنان من
امكانيات للدفاع عن نفسه. هذا هو
الذنب الوحيد الذي يمكن إلصاقه
بنجاح بالرئيس أميل لحود بعد
الخروج السوري من لبنان وتفكك
الجهاز الأمني المتعاون معه
وانتقال معظم المرافق الأمنية
في الدولة إلى مسؤولين هم من
اختيار قوى تجمّع الرابع عشر من
آذار.
ما
الذي يمكن توقعه في الجولة
الثانية وربما الأخيرة للحوار
الذي تأجّل للأسبوع القادم؟
النتائج الإيجابية التي
تحققت حتى الآن تعكس إلى حدّ
بعيد ما جاء في مذكرة التفاهم
بين السيد حسن نصرالله قائد حزب
الله والعماد عون قائد التيّار
الوطني الحرّ.
وهي تعكس كذلك حدّا أدنى من
الواقعية والعقلانية يمكن أن
يكون قد ساعد على بلوغها
الضغوطات التي وضعتها بعض الدول
العربية التي ترى في عدم
الاستقرار في سوريا ولبنان خطرا
على أمنها واستقرارها وعلى بعض
قيادات الرابع عشر من آذار.
فإذا
تغلّب العقل والمصلحة الوطنية
في اللقاء القادم للجنة الحوار
فيمكن أن نتوقّع اتفاقا يبقي
على سلاح المقاومة ولكن ضمن
استراتيجية دفاعية وطنية
لاتنتقص من فعالية القوة
الردعية للمقاومة، وأما أن
ينفرط عقد الحوار ويدخل لبنان
أزمة يعلم الله متى وكيف تنتهي.
أمّا بالنسبة لتنحية رئيس
الجمهورية قبل نهاية المدّة
التي أعيد انتخابه لها فأنني
أستبعد حصول ذلك من خلال
المعطيات المتوفرة على الساحة
الداخلية في لبنان.
*(أستاذ
محاضر في القانون الدولي بجامعة
جورجتاون في واشنطن)
كلمة
ألقيت في ندوة "مركز الحوار
العربي" بواشنطن - في 17-3-2006
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|