الملف
النووي الإيراني
وتفاعلات
الأزمة
بطلموس
هند*
إن المتتبع
للتطورات والأحداث في الأشهر
القليلة الماضية يكشف أن
الإدارة الأمريكية و إسرائيل
ليس بالمصدر الوحيد للضغط على
طهران ، بل توجد إلى جانب ذلك
الوكالة الدولية للطاقة الذرية
و دول الترويكاالأوربية (
بريطانيا و ألمانيا و فرنسا)
التي كانت تلعب دائما دور
الوسيط الذي يوفق بين وجهتي
النظر الإيرانية و الأمريكية في
ما يتعلق بالملف النووي
الإيراني(1) حيث كانت تتميز
السياسة الأوربية تجاه طهران
بالثبات و الاستقرار ،باستثناء
موقفها من بعض القضايا ، كقضية
حقوق الإنسان التي تشكل مثار شد
و جذب بين إيران و الدول الغربية
.
و تعود الأزمة
الإيرانية –الأمريكية ،منذ
أحداث الحادي عشر من سبتمبر
التي تعرضت لها الولايات
المتحدة الأمريكية ،حيث عقب هذه
الصدمة توعدت هذه الأخيرة بالرد
على الدول الممولة للإرهاب في
ما أسمتهم بدول "محور الشر"
حسب الرؤية الأمريكية، و في هذا
الإطار تصبح إيران عضوا محوريا
في محور الشر إلى جانب العراق و
كوريا الشمالية،وبناءا على هذا
التصور الأمريكي ستصبح إيران
مرشحة لأن تكون مستهدفة بعد
العراق وذلك لسعيها الحثيث
لامتلاك السلاح النووي ويعتبر
هذا السعي تهديدا لأمن واستقرار
المنطقة والعالم(2).
في حين يرى
الإستراتيجيون الإيرانيون أن
الأهداف الحقيقية وراء
البرنامج النووي الإيراني يكمن
في الدروس التي استفادت منها،
كقيام العراق بقصف الأسلحة
الكيماوية الإيرانية في
الثمانينات، مما يفهم من ذلك أن
هذا البرنامج يهدف إلى الدفاع
عن إيران ضد أي تهديد خارجي سواء
من العراق أو أي خطر محتمل من
باكستان التي تمتلك قنبلة نووية
و أيضا إسرائيل التي استطاعت أن
تقصف المفاعل النووي العراقي
سنة 1982، و اليوم تستمر
بتهديد إيران بقصف منشآتها
النووية في حالة عدم تحرك
المجتمع الدولي. كما أن الحضور
العسكري الأمريكي على الحدود
الغربية لإيران أوجد حالة جديدة
من التوازن الإقليمي ، فكل هذه
العوامل المتداخلة ولدت لدى
المسؤولين الإيرانيين قناعة
بتكوين رصيد استراتيجي يشكل قوة
ردع ضد أي ضربة محتملة موجهة إلى
منشآتها النووية من قبل النظام
الأمريكي أو الإسرائيلي خصوصا
بعد التهديدات الأخيرة التي
صرحت بها وزيرة الخارجية
الأمريكية كوندوليزا رايس حيث
قالت "إن إيران تخطت الخط
الأحمر بأنشطتها النووية في
الفترة الأخيرة و يتعين على
العالم اتخاذ إجراء سريع بإحالة
طهران إلى مجلس الأمن " .
فبعد فشل المساعي
الدبلوماسية الأمريكية ودول
الترويكا الأوربية(3) لحمل إيران
على التصديق على البروتوكولين
الإضافيين للوكالة الدولية
للطاقة الذرية و الذي يجعل من
الصعب على الدول الأعضاء في
معاهدة حظر الانتشار النووي
إخفاء أنشطتها عن مفتشي
الوكالة، لجأت هذه الدول إلى
الخيار القانوني و المتمثل في
الأمم المتحدة ، حيث تجسد ذلك
بتحويل الملف النووي إلى مجلس
الأمن ،مما سيسمح باستصدار
قرارات دولية كرادع لإيران عن
الاستمرار في تنفيذ برنامجها
النووي ،وكذلك الحصول على تخويل
دولي بموجب الفصل السابع من
ميثاق الأمم المتحدة الذي يقضي
بتوجيه عمل عسكري لإيران تحت
موجب انتهاكها للقرارات
الدولية المتمثلة في عدم انتشار
أسلحة الدمار الشامل .
و هنا يرد التساؤل
حول المدى الذي يمكن أن تذهب
إليه ردود الفعل الأمريكية و
الأوربية لوقف الأنشطة النووية
الإيرانية ؟ فهل سيكون الخيار
العسكري هو الحاسم في هذه
الأزمة ؟
من الواضح أن
احتمالات الأزمة و اللجوء إلى
القوة العسكرية الأمريكية يبقى
ضعيفا لدى صناع القرار و
المراقبين، ونرجع أسباب العجز
الأمريكي في هذه الأزمة إلى
الاعتبارات التالية:
**تملك إيران قدرة
ردع عسكرية مما يضمن لها بعض
النفوذ في مواجهة الولايات
المتحدة و أوربا وإسرائيل وما
يشكلانه من تهديد الأمن والكيان
الإيرانيين معا. ولقد استطاعت
القيادات السياسية والعسكرية
في طهران أن تقف موقفا قويا ، و
برهنوا على أنهم يقفون على أرض
صلبة لما يملكونه من رصيد عسكري
و استراتيجي يوفر لهم دعما قويا
لموقفهم التفاوضي مع الوكالة
الدولية،
أو حتى مع الولايات المتحدة
أو أوربا وفق خطط مدروسة و أكثر
ابراجماتية(4).
**التورط الأمريكي
في الحرب على العراق و
أفغانستان يضعف احتمال سيناريو
تبني أمريكا خيار القوة
العسكرية، حيث لا تسمح الأحداث
المتسارعة في العراق اليوم
لأمريكا بالتحرك عسكريا باتجاه
إيران، لكن الانسحاب العسكري
الجزئي من العراق الذي تستعد له
واشنطن ، سيمنح المخططين
العسكريين في البنتاغون ثقة
أكبر بنجاح ضربة ضد إيران(5)
** ضرب المنشآت
النووية الإيرانية صعبة للغاية
و ذلك بسبب توزعها في مناطق
عديدة و في أماكن مدنية(6).
**كما أن الوكالة
الدولية للطاقة الذرية لم تعلن
لحد الآن أنها عثرت أو حتى لديها
أدلة على تطوير إيران لأسلحة
نووية و هي مسألة تضعف احتمال
اللجوء إلى القوة العسكرية ،
وتعتبر إيران نفسها أنها لم تقم
بانتهاك القانون الدولي طالما
أن معاهدة الحد من انتشار
الأسلحة النووية التي وقعت
عليها تعطيها الحق الكامل في
تخصيب اليورانيوم إذا ما كان
هذا التخصيب من أجل توليد
الطاقة .
**تحظى إيران
بعلاقات وثيقة اقتصادية و
عسكرية مع روسيا والصين، وهي
ورقة رابحة لإيران، حيث يمكن
لهؤلاء العضوان في مجلس الأمن
أن تكون مواقفهما أكثر تأثير
تجاه الأزمة على الأقل من منطلق
وقف أي قرار أمريكي بريطاني
فرنسي ضد إيران حيث تساءل عادل
درويش في جريدة الشرق الأوسط في
مقال له تحت عنوان هل يسمح عاقل
واحد لأحمد نجاد بامتلاك سلاح
نووي؟ كيف تقنع الصين التي وقعت
عقودا للتجارة بمليارات
الدولارات مع إيران ، بدعم قرار
يعرقل النمو الاقتصادي
الإيراني الذي يعرضها للخسارة
في هذه العقود؟(7)،كما أن روسيا
تعتبر أكبر ممول لإيران في مجال
التسلح، مما يفسر أن احتمال
اللجوء إلى العقوبات الدولية ضد
إيران آيلة إلى الفشل، وهذا ما
تدركه أوروبا وواشنطن.
وبناءا
على ما سبق، تهدف تصريحات و
بيانات التنديد و الاستنكار
التي تتبعها الدول الغربية تجاه
إيران، إلى تجريد إيران من
حقوقها المشروعة في امتلاك
القوة النووية تحت ما يسمى بضبط
التسلح النووي على المستوى
الدولي. و إجبارها على قبول
إملاءات الوكالة الدولية
للطاقة الذرية مع استمرار الصمت
بشأن ترسانة إسرائيل لتظل هي
القوة الإقليمية الوحيدة في
المنطقة . و على العموم ستبقى
التطورات في الملف النووي
الإيراني مفتوحة خلال الفترة
المقبلة دون حل لهذه المعضلة
العويصة و هو ما يعني أن الملف
سيخضع للتفاعلات الدولية
الراهنة.
---------------------
1
– سامح راشد، إيران في مواجهة
الضغوط الخارجية، مجلة السياسة
الدولية، العدد 155 يناير 2004 ص 152
2-
أمل حمادة، إيران و الشرق
الأوسط الجديد ، مجلة السياسة
الدولية، العدد 152،أبريل 2004 ص 132
3-
jacques
Amalric, le scénario d’un Iran nucléaire , WWW.libération.fr,
jeudi 22décembre2005
4-
صلاح قلاب، إنها الحقيقة المرة
.. لقد أصبحت إيران دولة نووية،
جريدة الشرق الأوسط، العدد 9915 ،
20/1/2006
5-
هدى الحسيني، إيران تتوقى
الضربة الأمريكية بتفجير لبنان
أو البحرين، جريدة الشرق
الأوسط، العدد 9908، 13/1/2006
6-
محمد جمال عرفة، شلل أمريكي
أمام المفاعلات النووية
الإيرانية
www.islamonline.net
,2006/1/17
7-
عادل درويش، هل يسمح عاقل واحد
لأحمد نجاد بامتلاك سلاح نووي؟
جريدة الشرق الأوسط، العدد 9917 ،
22 /1/2006
ــــــــــــــــ
*هند بطلموس:
باحثة من المغرب، جامعة محمد
الخامس بالرباط
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|