فَذْلَكاتٌ
لُغَويةٌ سياسيّة (4)
(من
وَحْي الواقع البعيد عن منهج
الله عز وجل)
(
لو قلّبنا النظر في لغتنا
العربية، لوجدناها قد وَسِعَت
كلّ
المفاهيم والمصطلحات، لكن
بالنسبة للسياسة،
فاللغة
تغوص في عُمْقِ أعماقها .. أي في
الصميم ) .
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
فَذْلَكَةُ
الثاء *:
(ثَقِفَ)
وأخواتها !..
ثَبَتَ،
ثَلَمَ، ثَكِلَ، ثَابَ،
ثَارَ، ثَأرَ، ثَغَبَ،
ثَرَدَ، ثَرَا، ثَخُنَ
(ثَقِفَ)
الرجلَ في الحرب، أي : أَدْرَكَهُ!..
وقد ورد في محكم التنـزيل قوله
عز وجل: (وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ
وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ
أَخْرَجُوكُمْ) (البقرة : من
الآية 191).. أي: حيث وجدتم
أعداءكم، الذين يحاربونكم
ويعتدون عليكم وعلى أوطانكم
وشعوبكم ومقدّساتكم.. وحيث
أدركتموهم خلال حربكم معهم في
ساحة المعركة.. فاقتلوهم، لأنهم
بالمقابل يرومون قتلكم
والتنكيل بكم.. لكن في عصرنا
الحاليّ -عصر النظام العالميّ
الجديد- لا معنى لكلمة (ثَقِفَ)،
لأنها انقرضت!.. فإذا كانت حربنا
مع عدوّنا قد توقّفت (أو
أُوقِفَت) وانتهت.. فما حاجتنا
إلى كلمة (ثَقِفَ)؟!..
بما
أننا نعيش عهداً ذهبياً من
السلام والأمان والاطمئنان
والرخاء، بدأ منذ أكثر من نصف
قرن، واشتدّ منذ مؤتمر مدريد،
ووصل إلى ذروته منذ بدء
الاجتياح الأميركيّ للبلاد
الإسلامية كالعراق وأفغانستان،
والاجتياح الصهيوني اليهودي
للضفة الغربية الفلسطينية
وقطاع غزة.. بما أننا نعيش هذا
العهد السلاميّ الذهبيّ.. فإنه
من الواجب علينا أن نُدخِلَهُم –أي أعداءنا- من حيث
أخرجونا!.. وأن نمتثل إلى أمر:
وقَـبِّلوهم، بدلاً من:
واقتلوهم!.. لأنّ حالة السلام
والأمان مع عدوِّنا قد (ثَبَتَتْ)،
أي: استقرّت!.. والدليل هو ما
نشهده يومياً من اجتياحاتٍ
عدوانيةٍ ومجازر وتنكيل، يقوم
بها عدوّنا الحبيب، الذي ينثر
علينا أكاليل السلام والأمن
والديمقراطية والسلام!.. وعلى كل
مواطنٍ عربيٍ ومسلمٍ، أن يعتمد
طريقة: (ثَلَمَ) في تعامله مع
عدوّه، الذي سلب أرضَه، وشرَّدَ
قومه، وسرقَ مالَه، وذبح
أطفالَه، وقتّل شعبَه بشيوخه
ونسائه!.. و(ثَلَمَ) السيفَ، أي:
جَعَلَهُ غير قاطع، وما
حاجتنا إلى السيوف القاطعة
البتّارة الحادّة؟!.. فالسيوف في
زماننا هذا، لا تُستَخدَم إلا
لتقشير (البطاطا) و(الباذنجان)،
أو لتقطيع (البصل) و(البندورة)،
لأنها لا تصلح -بعد ثَلْمِها-
لأكثر من ذلك!..
إذن: على كل
مَن (ثَكِلَ) وَلَدَهُ، أي : فَقَدَه،
أو (ثَكِلَ) قريبَه أو
عائلتَه، أي: فقدهم كلهم على
يد عدوِّنا الحبيب.. أن يثوبَ
إلى رُشده، و(ثابَ) معناها: رجع
أو تاب!.. أما إذا (ثارَ)،
أي: هاجَ وانتشر غضبه،
وراودته نفسه في أن يعمل بأسلوب:
(ثَأرَ)، أي: قتلَ قاتِلَ
قومه.. فإنّ أبطال السلام
والتحرير والصمود والممانعة
الأشاوس، سيلجؤون إلى فعل: (ثَغَبَ)،
أي: ذَبَحَ، إذ يُقال:
ثَغَبَ الشاةَ، أي: ذبحها!.. مع
ملاحظة أنّ الشعوب المسلمة كلها
-في نظر أبطال السلام والصمود
والممانعة والتحرير- ليست إلا
قُطعاناً من الشياه، والمشكلة
الوحيدة التي تعترض أولئك
الأبطال الأشاوس لإنجاز عمليات
الذبح، هي عدم وجود آلاتٍ
حادّة، لأنها كلها خضعت لفعل: (ثَلَمَ)،
تعبيراً عن النيّة الصادقة في
السلام مع عدوّنا الطيّب
المحتلّ!.. ما يدفع أبطالنا
المذكورين للّجوء إلى فعل: (ثَرَدَ)،
أي: ذبحَ بآلةٍ غير حادّة، إذ
تُقتَلُ الذبيحة من غير أن
تُقطَعَ أَوْدَاجُها!.. ومن
الجدير بالذكر، أنه لا خوف على
الذبائح من الألم والمعاناة
-على ذمّة البيت الأبيض
والبنتاغون-، لأنّ أبطالنا
الممانعين، متمرّسون في هذه
الطريقة من الذبح الراقي، وقد
حازوا في ذلك على أرقى الشهادات
الأميركية والغربية لتصفية
المعارضين، بأسلوبٍ حضاريٍ
مُبْتَكَرٍ رشيق!..
أما (ثَرَا)،
فتعني: نما أو كَثُرَ، إذ
يُقال مثلاً: (ثَرَا مالُ
الطغمة الحاكمة المتسلّطة على
رقاب الشعب.. بشكلٍ مذهل، فازداد
عدد الفقراء في الوطن ألْفَ
ضِعف)!.. ويُقال أيضاً: (ثَرَا
القومُ فأصبحوا مِلْيارَيْن،
لكنهم غُثاء كغُثاء السَيْل)!..
أي: كَثُروا بشكلٍ هائلٍ، لكن
من غير وزنٍ أو تأثيرٍ أو قوّةٍ
حقيقية!.. لماذا؟!.. لأنهم
استكانوا لسياط جلاّديهم، إلى
أن (ثَخُنَتْ)، أي: غَلُظَت
وصَلُبَت، وأصبح القوم
يتحمّلون تلك السياط الثخينة
الصلبة التي لا تتحمّلها
الثيران الضخمة!.. و(الثَوْر)
هو: الذَكَرُ الضخم من البقر..
وقد أُطلِقَت حديثاً على
الإرهابيّ المجرم: (آرئيل
شارون)، فعندما يُقال: هاجَ
الثَوْرُ.. فإنّ ذلك يعني: هاجَ
شارون!.. وشارون ليس ثَوْراً،
ولا بقرةً، ولا حتى نَعْجة..
لكنّ وسائل الإعلام السلامية
العربية المهزومة المضبوعة،
فجّرَت (ثورةً) ضاريةً حين
استلم شارون مقاليد الحكم في
الكيان الصهيونيّ.. فجعلت منه
(ثَوْراً) هائجاً لا يمكن
ترويضه، إلا بالتنازل عن ورقة
التوت الأخيرة، التي تستر
عَوْرَةَ السلام المزعوم!..
وبذلك،
فإنّ وسائل الإعلام العربية
والإسلامية أصبحت (مَنْعوجَةً)،
بعد أن كانت (مَضبوعةً) منذ
أوائل التسعينيات من القرن
المنصرم، أما في أوائل الألفية
الثالثة، فقد أصبحت (مَشرونةً)
نسبةً إلى المجرم الإرهابيّ
الجبان: آرئيل شارون!..
وهكذا،
ينتهي فعل: (ثَقِفَ) في
دورته، الذي يعني: أدركَ
عدوَّه.. إلى فعل: هَرَبَ من
عدوّه فأدركه -أي عدوُّهُ-!..
وهَرَبَ: فعل له أهمية خاصة
ومذاقات خاص، سنتحدّث عنها في
فذلكة (الهاء) إن شاء الله.
---------------------------
*
الفَذْلَكَةُ - كما ورد في
المعجم الوسيط - تعني : [
مُجْمَلُ ما فُصِّلَ
وخُلاصَتُهُ ]، وهي [ لفظة
محدَثة ] .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|