احذروا
أن يحرق "نيرون" مدينَتَكم
...
أيها
اللبنانيون!
الطاهر
إبراهيم*
في
الشأن اللبناني، قد نختلف مع
كثير من الفرقاء اللبنانيين وقد
نتفق. ولكن ما لا يجب أن نختلف
فيه، هو أن رؤاهم لحل مشاكلهم
ينبغي أن لا تنسيهم أنهم من
سيتلظى بالنيران إذا ما شب حريق
الاختلاف وتسعّر. وأن غيرهم ،في
أحسن الأحوال، لن يشارك –هذا
إذا لم يصب الزيت على النار- إلا
في عواطف لا تغني من مصيبة، ولا
تسمن من فقر.
ما
دعاني لكتابة هذه السطور، هو
كثرة اللغط الذي أثير على خلفية
ما قيل وما صرح به على هامش
انعقاد مؤتمر القمة العربية في
الخرطوم، وما صدر عن هذا الفريق
أو ذاك، والحدة التي اتسمت بها
الأقوال. وقد نختلف مع هذا
الفريق أو ذاك وقد نتفق، ولكننا
نعتقد أنه كان على الجميع أن لا
ينجروا إلى مواقع مكشوفة إذا
أرادوا الخير للبنان.
بعض
الفرقاء اللبنانيين ينظر خارج
لبنان أكثر مما ينظر داخله. وكأن
تجربة السبعينيات والثمانينيات
يوم كان لبنان ملعب كرة قدم كان
يلعب فيه الأغراب العرب
والأجانب، وأن الغريب الأجنبي
أو العربي لم يكن يعمل إلا
لحسابات ضيقة تصب في مصلحته،
وليس لسواد عيون اللبنانيين.
للأسف،
فإن هناك من يؤجج العداوة بين
اللبنانيين، ولا يهمه إلا
الوصول إلى ما يريد، ولو كان على
حساب أمن واستقرار لبنان. وربما
قد يأتي اليوم الذي يرمي عود
الثقاب لتحترق بيروت، ويجلس غير
بعيد "على التلة" يمتع نظره
في منظر اللهب، كما فعل "نيرون"
عندما أحرق "روما" ليمتع
عينيه بمنظرها وهي تحترق.
فنحن
نتفق مع رئيس الوزراء اللبناني
"فؤاد السنيورة" أن "ماكينة"
الحكم التي يقودها تتعثر أكثر
مما تسير، من كثرة العصي التي
يضعها في عجلاتها فرقاء
متشاكسون داخل التركيبة
اللبنانية الذين لا همّ لهم إلا
"مناقرة" بعضهم وكأنهم
ديوك على "مزبلة" واحدة.
ونتفق
معه أنه كأنما يمشي على حبل
مشدود فوق شفير هاوية. وهو في
النتيجة وحده الذي سيتحمل الفشل
وسيقال أخفق السنيورة. مع أن "قبضايات"
الحارات في لبنان يجرّون ماكينة
الحكم، كلٌ في الاتجاه الذي
يريد، فكيف تسير ماكينة وهي على
هذه الحال؟.
ونختلف
مع السنيورة حول الزوبعة في
فنجان التي استُجِرّ لها، ولو
أنه على حق فيما ذهب إليه. فلا
يكفي أن تكون على حق فحسب. إذ
لابد من اختيار الوقت المناسب
لكي تقول ما تريد وأن يكون ذلك
بحكمة. ولحسن حظه فإن منتقديه
المزايدين أوقعوا أنفسهم في
الأخطاء وهم في نشوة النصر
الكاذب، ما مسح خطيئة التوقيت
التي وقع فيها السنيورة.
ونختلف
مع بري وهو يستعرض "أستاذيته"
في لقاء لمجلس النواب، موجها
كلامه للسنيورة متهما إياه أنه
كان أقل حرصا على "المقاومة"
من العرب الآخرين.ونسي أوتناسى
أن دماء المقاومين الفلسطينيين
التي سفحتها بنادقُ ميليشيا "أمل"،
في مخيمات اللاجئين
الفلسطينيين في ثمانينيات
القرن العشرين، ما تزال تلطخ
جدران أكواخ تلك المخيمات.
ونحن
لا نحابي الشيخ "حسن نصر الله"
ولا نغمطه حقه، إذا قلنا أنه
أكثر الفرقاء اللبنانيين إثارة
للجدل وأكثرهم تأثيرا فيما يثار
من نقاش على الساحة اللبنانية
فيما يستجد من أمور هامة
وكثيرة، خصوصا منذ أن انسحب
الجيش السوري من لبنان وأصبح في
وجه العاصفة ،أكثر من أي يوم
مضى، تجاه الضغط الأمريكي حول
سلاح "حزب الله".
نتفق
معه أن واشنطن تستهدف رأس كل من
يقول لا في مواجهة أجندتها. وحزب
الله أكبر تلك الرؤوس المستهدفة.
ونختلف معه إذا اعتقد أن كل قضية
يخالف فيها "نصر الله"
أمريكا هي بالضرورة لمصلحة
لبنان أو جيران لبنان. فمخالفة
أمريكا مطلوبة لذاتها. ولكن ما
لم تكن المخالفة
تصب في مصلحة لبنان كله فقد تجر
وبالا، والعدول عنها إلى غيرها
يجلب منفعة للجميع لن ترضى بها،
وسيغضب واشنطن، إذا كان إغضابها
مقصودا أيضا.
وعلى
سبيل المثال، فقد جنح "نصر
الله" للتهديد في كلمته أمام
مؤتمر "دعم المقاومة"
بقوله: "إن من يريد نزع سلاح
حزب الله سنقطع يده ورأسه وننزع
روحه".وكان قد قال قبلها "إن
التفاهم حول سلاح المقاومة
يكون حول الطاولة". ونحن
نعتقد أن هذه الغضبة "المضرية"،
التي افتعلها الشيخ "نصر الله"،
إنما أراد أن يقول "نحن هنا".
وإذا
كان "نصر الله" لم يقل
لنا،في خطابه إياه، يد من ورأس
من سيقطع وروح من سينزع؟ فالكل
يعرف أن هذا التهديد جاء بعد أن
طالب "فؤاد السنيورة" في
الخرطوم أن تعدل الفقرة التي
وردت في بيان "القمة العربية"،
لتشمل كلَ الشعب اللبناني ضمن
المقاومة المطلوب حمايتها، لا
فئة بعينها. وهذا التهديد بهذا
التوجيه مرفوض أولا وثانيا
وثالثا.
فهو
مرفوض لأنه خروج عن أدب الحوار
بين أشقاء الوطن والدين، أولا.
وهو مرفوض لأنه يعرف أنه لا
يستطيع ذلك ولو أراد. فالتوازن
الطائفي في لبنان هشٌ لدرجة أنه
إذا ما اختل شعرة فإنه يقصم ظهر
البعير. وهو مرفوض لأن "نصر
الله" يريد من وراء ذلك أن "يحتكر"
المقاومة والسلاح في حزب الله.
وهو مرفوض لأن أهل السنة في
لبنان هم أول من يدعم المقاومة،
ولا مصلحة لهم في ضربها،ولأنه
يعلم أن كل الطوائف اللبنانية
تملك السلاح، وأن الطائفة
الوحيدة التي لا تملك سلاحا هي
أهل السنة في لبنان.
واستطرادا،
فإن "نصر الله" يعلم أن
هناك اتفاقا في لبنان غير
مكتوب، رعته واشنطن، على حرمان
أهل "السنة" من أن يكون لهم
ميليشيات وسلاح، ليسهل تطويعهم.
وقد وضع هذا الاتفاق موضع
التنفيذ خلال فترة تفويضٍ من
واشنطن للنظام السوري في لبنان،
في عقدي الثمانينيات
والتسعينيات من القرن العشرين.
وللإنصاف فإن "نصر الله" ما
كان ليقبل أن يتم استثناء "السنة"
من أن يكون لهم سلاح، لولا أنه
كان لا يريد إغضاب حليفه "السوري"،
ولكنها المصلحة التي ،من أجلها،
قد يدوس فيها الإنسان على القيم
والمبادئ.
ونختلف
مع الشيخ "حسن نصر الله"
إذا ظن أن تحالفه مع العماد "ميشيل
عون" سيحميه من حصول الأكثرية
النيابية على أكثرية الثلثين في
البرلمان، تمهيدا لنزع سلاح حزب
الله ، تطبيقا لأجندة واشنطن في
المنطقة. فهناك أكثر من سبب
يجعلنا نؤكد أن هذه الخطوة كانت
قفزة في الفراغ. لأن "عون"
أول من سيتخلى عن "نصرالله"
والأسباب كثيرة، لعل أقربها
للتحقيق أنه يسعى لكي يضمن
ترشيح هذه الأكثرية له ليحل
مكان الرئيس لحود.
وإذا
كنا قد أفردنا حيزا أكبر للحديث
عن مواقف الشيخ "حسن نصر الله"،
فلاعتقادنا أنه أكثر اللاعبين
تأثيرا في الساحة اللبنانية هذا
أولا، ولأنه غيّر قواعد اللعبة
التي كان يضبط مواقفه عليها
ثانيا. ليس هذا فحسب، بل إن
مواقفه الحالية قد تشجع "نيرون"
على المضي قدما لرسم صورة "بيروت"
وهي تحترق. ولن تكون بيروت أغلى
من "حماة" التي دمرت في
شباط 1982، وأحرقت مآذنها.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|