الإخوان
المسلمون والديموقراطية
خـالـد
الأحمــد*
تعـريـف : النظام
الديموقراطي هو النظام السياسي
الذي تفرزه صناديق الاقتراع
الحـر النزيـه ،
وليس انتخاب ال (99ر 99 % ) ، حيث
تتنافـس الأحزاب السياسية بعد
طرح برامجها ، ومن ثم يتـم
الانتخاب النـزيـه ، تحت مراقبة
اقليمية ودولية ، ثم يشكل الحزب
الذي فاز بأغلبية أصوات
الناخبين الحكومة ، أو يأتلف مع
غيره إذا لم تكن المقاعد التي
حصل عليها كافية لتشكيل الحكومة
وحده . وعندما يفوز هذا الحزب
بنسبة مرتفعة ( بشكل نـزيـه ) ،
تصل أو تتجاوز الثلثين ، يحق لـه
تعديل الدسـتور .
وعكســه النظام
الديكتاتوري
( الجبري ) الذي يستلم الحكم
على إثر انقلاب عسكري في جنح
الظلام ، ثم يحكم الشعب بالحديد
والنار ، والمدفع والدبابة
وراجمات الصواريخ ، كما فعل حزب
البعث العربي الاشتراكي في
سوريا . وفي النظام الديكتاتوري
يؤلـه الفـرد ، ويصبح الزعيم
الأوحد ، ويصبح دور المفكرين
والسياسيين شـرح مبتكرات
الزعيم الأوحد وكلماته ،
وهمهماته للشعب القاصر عن بلوغ
مستوى فهم الزعيم الفـذ العبقري
الذي جاد بـه الزمان ، كما كان
حافظ الأسـد ، فقد كان نموذجاً
فـذاً للزعيم الديكتاتور .
والتعددية
السياسية تلازم النظام
الديموقراطي ، حيث يسمح بقيام
أحزاب بدون شروط ، المهم أن
تحترم دستور البلاد ، ولاتتعامل
مع العدو ، كما يعترف البعثيون
أنهم يتعاملون مع المخابرات
المركزية الأمريكية ، ويتم
التداول على السلطة من قبل
الأحزاب السياسية بواسطة
الانتخابات ، كما يجري في
الولايات المتحدة الأمريكية ،
ودول أوربا الغربية ، ويوماً
بعد يوم يزيد عدد البلدان
الملتزمـة بالتعدديـة السياسية.
وهـم سببه الجهـل
:
يكثر في هذه
الأونـة القول أن الإخوان
المسلمين السوريين يواربون
ويدعون أنهم يقبلون
بالديموقراطية ، وقد نالني من
هذا الاتهام بالإسم من قبل
الأستاذ (......) في موقع كلنا
شركاء ، حيث يقول أنني أدعـي بأن
الإخوان يريدون الديموقراطية ،
وأنني موارب ولا أقول الحقيقة .
ويدعي هو وغيره كثير أن الإخوان
سوف ينقلبون على الديموقراطية
بعد استلامهم للحكم .
كما ينظر بعض
الناس إلى الحركة الإسلامية على
أنها لاتـقبل التعددية
السياسية ، ويدعو خصوم الإسلام
إلى محاربة الحركة الإسلامية
والحيلولة دون وصولها إلى الحكم
؛ لأنها سـوف تفرض نظاماً
آحادياً (
شمولياً ) أو ( عقائدياً ) يمنع
قيام أحزاب سياسية ، ويمنع
المعارضة ، ويكم الأفواه ،
ويصادر حرية الكلمة . لذلك قال
بعضهم : الإخوان كالبعثيين لو
حكموا البلاد لن يكونوا أكثر
ديموقراطية من البعثيين ، بل
سيكونون أكثر فردية وشمولية
وعقائدية . حتى قال بعضهم :
الإخوان والبعثيون وجهان لعملة
واحدة .
وهذا جهل بواقع
العمل السياسي في سوريا ،
الحالي ، والماضي ، فللإخوان
المسلمين تجربة سياسية في سوريا
معروفة وهي ملك التاريخ ، وسوف
أذكر بعض جوانبها .
وقد سـاعد أصحاب
هذا الفهم الذين يتهمون الإخوان
بالديكتاتورية
بعضُ الدعاة ـ عن طيب قلب ـ
أو جهل بالعمل السياسي الإسلامي
، عندما
أفتـوا أنه لا أحزاب في الدولة
المسلمة ، وأن التحزب لم يذكر في
كتاب الله إلا في معرض الذم ،
وأن المسلمين جماعة واحدة ،
يقودهم إمام (حاكم ) واحد ،
وطاعته واجبة عليهم بنص القرآن
الكريم .
وأجيب هؤلاء بأن
الإخوان المسلمين في سوريا :
1 ـ لايريدون
التفرد بالحكم ، ولايعملون من
أجلـه : بل يريدون أولاً أن يسمح
لهم بحرية الكلمة والتعبير عن
أنفسهم ، كما في مقالتي [ ماذا
يريد الإخوان المسلمون في سوريا
] وقد نشرت في عدة مواقع منها
سوريا الحرة ، ومرآة سوريا ،
ومركز الشرق العربي ، وأدباء
الشام وغيرها .
2 ـ المشاركة وليس
الاستئثار بالسلطة والتفرد بها
:
عندما
تقوم انتخابات حـرة ونزيهـة في
سوريا ويشارك فيها الإخوان
المسلمون ، فإنهم لايطمحون إلى
أكثر من المشاركة في الحكم ، كما
فعلوا في الخمسينات ، حيث
شاركوا أكثر من مرة ، وفي عهد
الانفصال ، وكما يشارك الآن
الإخوان المسلمون في الجزائر
واليمن والأردن وغيرها .. بل أن
المشاركة وليس المغالبة أو
الاستئثار بالحكم هي
الاستراتيجية الحالية لدى
مفكري الإخوان المسلمين ، بدءا
ً من التنظيم الدولي الذي أصدر
المشروع السياسي في التسعينات ،
ومن أهم بنود هذا المشروع
المشاركة السياسية ، وقد وضح
فضيلة الأخ الراحل محفوظ
النحناح يرحمه الله هذه
الاستراتيجية لي في المدينة
المنورة عندما التقيته فيها قبل
وفاته بسنوات قليلة ، فقلت له :
لقد تعجب إخوانك في المشرق من
ترشحك للرئاسة في الجزائر ،
ماذا ستفعل لو نجحت !!؟ كيف تحكم
الجزائر في هذه الظروف الصعبة !!؟
فقال يرحمه الله :
أحكمها بالمشاركة وليس
بالاستئثار بالسلطة ، فنحن
الإخوان المسلمين طرحنا مبدأ
المشاركة ، ونشارك الآن في
الحكم ، ولو نجحت واستلمت
الرئاسة لأسهمت معي جميع القوى
والأحزاب الوطنية في الحكم ،
لنقوم كلنا بمهمة النهوض بالبلد
.
وهو نفس المبدأ
الذي بنى عليه الإخوان المسلمون
السوريون التحالف الوطني للشعب
السوري عام (1982)م ، ليكون هذا
التحالف كله مسؤولاً عن حكم
سـوريا ، وليس الإخوان المسلمون
وحدهم .
والمشكلة أن
مفهوم المشاركة السياسية غريب
على الشعب السوري ، الذي لم يـر
طول حياته ( ثلاثة وأربعون عاماً
) سوى حكماً شمولياً
ديكتاتورياً ، وزعيماً يهتف له
عملاؤه وأزلامه ومرتزقة
الأجهزة الأمنية
( بشار بعد الله نعبده ) .
الإخوان
والتعدديـة السياسية في سـوريا
:
ومن
خلال تاريخ الحركة الإسلامية في
سوريا يتضح أنها وافقت على
التعددية السياسية في عام ( 1943)
ونجح نائب عن إخوان حماة وهو
الشيخ محمود الشقفة يرحمه الله
، ثم دخل الإخوان السوريون مجلس
عام 1947وانتخب المراقب العام
الدكتور مصطفى السباعي يرحمه
الله ، وفي عام 1949م اختارت دمشق
السباعي ، وصار نائبًا لرئيس
المجلس ، وعضواً بارزاً في لجنة
الدستور ، وفي هذا المجلس وضع
الدستور السوري وكان للسباعي
خاصة وللإخوان عامة دور كبير
فيه ، وقاد
السباعي يومها الجبهة
الإسلامية الاشتراكية ، كما
شاركوا في مرحلة ماقبل الوحدة
مع مصر عام (1956م) ، حيث شارك
الإخوان بعدد من النواب في مجلس
النواب ، منهم مصطفى السباعي
يرحمه الله ـ المراقب العام
الأول ـ ومنهم الدكتور نبيل
الطويل ، والأستاذ محمد المبارك
، وغيرهم ، وكان في مجلس النواب
عدد من النواب الشيوعيين يرأسهم
خالد بكداش ، كما شاركت الحركة
الإسلامية بأكثر من وزير منهم
محمد المبارك (وزيرًا للعـدل) ،
والدكتور الطويل (وزيراً للصحة )
. والأسـتاذ
عمرعودة الخطيب ( وزيراً
للتموين ) ،كما شاركت الحركة
الإسلامية في عهد الانفصال (1961م)
بعدد من النواب في المجلس
النيابي ، وكان
لهم كتلة كبيرة منهم الأستاذ
عصام العطار ، والشيخ محمد علي
مشعل ، والأستاذ طيب الخوجة من
حمص ، والشيخان عبد الفتاح أبو
غدة ومصطفى الزرقا عن حلب ،
وزهير الشاويش عن دمشق ، وغيرهم
. وصار في هذا المجلس ثلاثة
أقطاب للقرار السياسي هم
الأستاذ عصام العطار زعيم
الكتلةالإسلامية ، وخالد العظم
رئيس مجلس الوراء ، وأكرم
الحوراني زعيم الكتلة
الاشتراكية .
الســباعي يوافق
على فقرة في الدستور خلاف رأيـه
:
ولما وضع الدستور
السوري ، وكان السباعي رحمه
الله من كبار المؤسسين لهذا
الدستور ، أصـر أعضاء البرلمان
من غير الإسلاميين على رفض
فقـرة ( سوريا دولة مسـلمة ) ، أو
( دين الدولة الإسـلام ) وهذا
مطلب للشـيخ السـباعي ، وهذا هو
الواقع لأن المسلمين في سوريا
يصلون إلى أكثر من (90 % ) من
السكان ، فلماذا لاتكون سوريا
دولة مسلمة !!؟ ولماذا لايكون
دين الدولة الإسلام !!؟ وهل يعاب
على الإسلاميين لو سـعوا من
خلال البرلمان ، إلى الوصول إلى
هذا الهدف !!؟
ولما أصـر البرلمانيون
يومذاك على رفض هذه الفقـرة ،
واكتفوا بفقرة تقول : ( دين رئيس
الجمهورية الإسلام ) ، خضع
السباعي يرحمه الله لقرار
غالبية المجلس ، وواجـه
انتقـادات من بعض العلماء ،
ولكنه كان مثلاً رائعاً ـ يرحمه
الله ـ للعمل السياسي
الديموقراطي ، وهو القبول برأي
الأكثرية .
أبو أنـس
البيـانـوني يحفظه الله :
وقبل أيام قليلة
أصر محي الدين اللاذقاني في
قناة الديموقراطية
على طرح سؤال وجهه لفضيلة
الأخ أبي أنس البيانوني المراقب
العام لجماعة الإخوان المسلمين
في سوريا يحفظه
الله : وهو هل توافقون على أن
تحكم سوريا امرأة !!؟ وهو يعرف أن
هناك نصاً لرسول الله r يقول : [ لن يفلح قوم
ولوا أمرهم امرأة ] ، ومعظم
العلماء وليس كلهم يمنع المرأة
من استلام منصب رئيس الجمهورية
، وكانت إجابة فضيلة الأخ أبي
أنس موفقة تماماً ، وهو أننا
نقبل بما يقبل بـه الشعب السوري
، في انتخابات حـرة ونزيهـة .
وهذا أصول العمل السياسي
الديموقراطي وهو قبول رأي
الأكثرية ، ولو خالف رأي
الأقلية ، فعلى الأقلية أن تخضع
لرأي الأكثرية ، ونحن نشـد على
جواب أبي أنـس يحفظه الله ،
ونؤيده تماماً ، ونقول : نحن مع
الشعب ، أقصد مع أكثرية الشعب
عندما تختار بحرية ونزاهة ،
وليس كما تعودنا ( 99ر 99 % ) ، نريد
أكثرية تزيد على الخمسين فقط ،
كما في الشعوب الراقية سياسياً .
التحالف الوطني
للشعب السوري :
وفي عام 1982م أسهم
الإخوان المسلمون السوريون في
إقامة التحالف الوطني للشعب
السوري ، ويتكون هذا التحالف من
عدة حركات سياسية منها الإخوان
المسلمون ، والبعثيون القوميون
المنشقون عن النظام السوري ،
والاشتراكيون ، والناصريون ،
وإحدى فصائل الحزب الشيوعي ،
وبعض المستقلين ، ومازال هذا
التحالف قائماً ، ونتوقع له دور
بارز في سورية المستقبل .
كما أصدر الإخوان
المسلمون السوريون حالياً
المشروع السياسي لسورية
المستقبل ، يحددون فيه معالم
العمل السياسي ومنه التعددية
السياسية وحرية الأحزاب . وقد
جاء فيه : ( التعددية سـمة من
سـمات المجتمعات البشرية
، والاختلاف الفكري
والسياسـي ظاهرة غنى في المجتمع
يجب التعامل معـها لإثـراء
وتمتـين الوحدة الوطنيـة ). كما
جاء تحت عنوان السياسات
الدسـتورية : ( التعددية
السياسية وحرية تأليف الأحزاب )
.
كما أصدر الإخوان
المسلمون [ ميثاق الشرف الوطني ]
في أيار (2001) ، ودعوا فيه إلى
التعددية بكل أنواعها ، الدينية
والثقافية والعرقية ، وأعلنوا
قبول الآخر ، بجميع هذه الألوان
.
كما
دعا الإخوان المسلمون في سوريا
إلى مؤتمر المعارضة السورية في
شهر آب 2002 في لندن ، حيث حضرت عدة
فصائل من المعارضة خارج سوريا ،
من الإسلاميين والماركسيين ،
والبعثيين القوميين ،
والمستقلين ، كما حضر ممثلون عن
الحركات الكردية ، وشخصيات
علوية ومسيحية ، وهكذا مثل
المؤتمر معظم ألوان الطيف
السوري .
وبعد دراسة ميثاق
الشرف الذي أعدته جماعة الإخوان
المسلمون ، والمداولة
والمناقشات ، وتعديل بعض
الفقرات ، تمت الموافقة على هذا
المشروع ، والتوقيع عليه من قبل
المؤتمرين ، ليصبح الميثاق
الوطني ، كما تشكلت لجنة
الميثاق الوطني من سبعة أشخاص
أحدهم علي صدر الدين البيانوني
المراقب العام للإخوان
المسلمين في سوريا .
ثم طرح الإخوان
المسلمون المشروع السياسي
لسوريا المستقبل ومما جاء فيه :
في عام [2001] طرح
الإخوان المسلمون في سوريا (
ميثاق الشـرف الوطني ) الذي تحول
بعد مؤتمر المعارضة في لندن (2002)
إلى الميثاق الوطني ، وفيه
عبارات صريحة وواضحة يؤكد فيها
الإخوان المسلمون في سوريا على
التعددية السياسية ومنها :
( والدولة الحديثة
دولة ( تداولية ) ، ومن هنا جاء
الاشتقاق اللغوي لكلمة دولة ،
وتكون صناديق الاقتراع الحـر
والنـزيه ؛ أساساً لتداول
السلطة بين أبناء الوطن أجمعين
، والدولة الحديثة دولة تعددية
، تتبين فيها الرؤى ، وتتعدد
الاجتهادا ت وتختلف المواقف ،
وتقوم فيها قوى المعارضة
السياسية ، ومؤسسات المجتمع
المدني ، بدور المراقب والمسدد
، حتى لاتنجرف الدولة إلى دائرة
الاستبداد أومستنقع الفساد) .
كما أعلن الإخوان
المسلمون السوريون في المشروع
السياسي لسورية المستقبل ، الذي
حددوا فيه معالم العمل السياسي
ومنه التعددية السياسية وحرية
الأحزاب . وقد جاء فيه : (
التعددية سـمة من سـمات
المجتمعات البشرية ، والاختلاف
الفكري والسياسـي ظاهرة غنى في
المجتمع يجب التعامل معها
لإثـراء وتمتـين الوحدة
الوطنيـة ).
وبعد أن سـرد
المشروع التعددية الدينية
والمذهبية والعرقية في سوريا
يقول : ( وعلى أساس هذه الرؤية
التاريخية لأبعاد التعددية (
الدينية والفكرية والفقهية ) ...
نؤكد أن التعددية السياسية هي
حقيقة واقعة في كل تجمع بشري ،
كما أنها سـمة أساسية لأي دولة
حديثة ، تسعى إلى بناء وجود
تنافسي لتحقيق مشروع حضاري عام .
) ثم يعدد المشروع إيجابيات
التعددية ومنها : ( 1 ـ طرح العديد
من البرامج لتحقيق المشروعات
الوطنية الكبرى . 2 ـ التخلص من
سلبيات الرؤية الأحادية . 3 ـ تضع
التعددية العمل العام تحت مجهر
الرقابة الشعبية . 4 ـ التعددية
السياسية هي المقابل الموضوعي
للاستبداد . 5 ـ بناء مؤسسات
المجتمع المدني ....الخ ) .
*
كاتب سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|