المعارضة
السورية: مَن يعارض مَن !؟
ولحساب
مَن !؟
عبدالله
القحطاني
ما نعلمه أنّ مصطلح
المعارضة مصطلح خاصّ ، توصَف به
الجهات التي تعارض نظام الحكم
تحديداً، حتى لو تعدّدت الفئات
المعارِضة، وتنوّعت أساليبها
وأهدافها..!
أمّا
أن تتحول بعض الفئات الموصوفة
بالمعارِضة، إلى معارَضةِ فئات
أخرى ، فتشغل نفسها بها، وتسعى
إلى تحويل اتجاه الفئات التي
تعارضها ، عن وجهتها الأصلية
إلى وجهة أخرى، عن يمينها، أو
شمالها، أو خلفها.. لأسباب
معينة، وأهداف خاصّة، تحت أغطية
سميكة، أو رقيقة من ( أغطية
المصلحة العامّة!) ..أمّا هذا
فيحتاج إلى تأمّـل عميق ،
وتفكير جادّ ، فاحص، متأنّ ،
حذِر.. متشكّك !
ونقف
عند الشكّ قليلاً ،
لنبيّن أنه ينقسم هنا، إلى
ثلاثة أقسام:
•
شكّ بالنيّة.
•
شكّ بالعقليّة.
•
شكّ بهما معا.
وإذا
كان الشكّ في إطار العمل
السياسي ، طبيعياً ومشروعاً ـ
وهو لايعني الاتّهام بالضرورة ـ
فإنه يكون أكثر طبيعيةً
ومشروعيةً، حين يكون معاملةً
بالمِثل..
هل
نضرب أمثلة !؟ ربّما كان هذا
ضرورياً ومطلوباً..
وسنكـتفي بمثال واحد هنا ..
وفيه الكفاية، فيما نحسب..!
ونطرح الأمر بصيغة حزمة
من الأسئلة القصيرة .. فنـقول:
- هل
هذه الزوبعة التي أثيرت حول
جبهة الخلاص الوطني ـ عبرَ حزمة
من الأصوات المتداخلة
المتناغمة ـ زوبعةُ النقد
والتجريح والتشكيك.. هل هي:
•
خالصة لوجه الله ، والوطن،
والحقيقة، والعدالة، والطهر،
والإخلاص..!؟ وهذا سؤال حول
النيّة .. وبمعنى أدق : هو شكّ
بالنيّة ..
وذلك على سبيل المعاملة بالمثل !
•
نابعة من تفكير منطقيّ سليم
، متعمّـق في حساب الحالات
والمآلات، وحساب الخطأ
والصواب، وحساب الربح والخسارة
، في معركة المصير، ضدّ نظام
الفساد والاستبداد في سورية..!؟
وهذا سؤال حول العقلـيّة ( أي:
نمط التفكير، وأسلوبه، ومستواه)
! بل هو شكّ بالعقليّة .. وهذا
أيضاً على سبيل المعاملة بالمثل..!
•
شاملة للبندين السابقين
كليهما..!؟ وهذا سؤال حول النيّة
والعقليّة معاً .. بل شكّ بهما
معاً .. على سبيل المعاملة
بالمثل كذلك..!
فإن قال أحد الأصوات،
التي تتشكّل منها زوبعة الضجيج
الإعلامي ، الهائجة ضد جبهة
الخلاص الوطني : نحن ـ وبالطبع
يقصد نفسَه، فلا أحدَ من هذه
الأصوات يمثّل أحداً سوى نفسه،
وربّما زوجته وأولاده ـ لانقبل
هذا التشكيك بنيّاتنا أو
بعقليّاتنا، لأننا نمارس نقداً
موضوعياً بنّاء، لمصلحة الوطن
والشعب والأمّة .. وهذا من حقّنا
ديموقراطياً..!
إن
قال أحد هذا ، قلنا له ببساطة (
وبالطبع كاتب هذه السطور يمثّل
نفسه حصراً ) : ومَن أعطاكم هذا
الحقّ ، حقّ التشكيك بنـيّات
الآخرين وعقلـيّاتهم ـ
ديموقراطياً ..عبرَ نقدكم
الموضوعيّ البنّاء ! ـ وحَرم
الآخرين منه..!؟ وإذا كنتم
تـثقون بسلامة نيّاتكم ، فلمَ
تـفترضون أن الآخرين الذين
تنتقدونهم ، لا يحقّ لهم أن
يثقوا بسلامة نيّاتهم ..!؟
وإذا
كنتم مطمئنّين إلى سلامة
تفكيركم ، وقدرتكم على حساب
القرار السياسي ، بصورة صحيحة
تميزون فيها الخطأ من الصواب ،
والحقّ من الباطل ، والربح من
الخسارة.. في صراع المعارضة ضدّ
حكم العصابة الفاسدة في سورية..
إذا كنتم كذلك ، فلمَ تفترضون ،
بل تجزمون ، أن الآخرين الذين
تنتقدونهم ، ليسوا كذلك..!؟
وإذا
كان أقطاب جبهة الخلاص الوطني ،
يعلنون جهاراً نهاراً ،
وبالعربي الفصيح ، بلا غَمغمة
ولاجَمجمة.. أن المرجع الأول
والأساس لجبهتهم ، هو إعلان
دمشق بمبادئه كلّها، وأنهم
ملتزمون بهذه المبادئ التزاماً
تاماً، وأن جبهتهم هي امتداد
لهذا الإعلان ، تتمّمه ولا
تعارضه، تزيده ولاتنقصه،
تقوّيه ولا تضعفه.. وأن مبادئ
الإعلان ، تدعو أقطاب النظام
الفاسد إلى الانشقاق عنه،
والانضمام إلى جماعة الإعلان ..
إذا كان ذلك كلّه كذلك.. فكيف
تـفسّر الصيحات المنطلقة من بعض
عناصر الإعلان ، داعيةً بالويل
والثبور، على جبهة الخلاص
والعناصر المشاركين فيها..!؟
وكيف ينظر المراقب المحايد الى
نيّاتهم ..!؟ وكيف يفهم المدقّـق
الحصيف عقليّاتهم..!؟
( وغَنيّ عن البيان هنا، أنا
لانعني أولئك الرجال، الذين
عَرض كلّ منهم رأيه بطريقة
مهذبة، ثم لزم الصمت، بعد أن سمع
وجهة نظر أصحاب الشأن في جبهة
الخلاص الوطني ـ لزم الصمت إمّا
اقتناعاً بما سَمع، وإمّا
احتراماً لآراء الآخرين ـ .. بل
المعنيّ هنا، هو مَن أعرض عن
سماع الرأي
الآخر، مكتفياً برأيه
وحدَه، مصرّاً على الصراخ في
كلّ نادٍ ومحفل: عَـنْزة.. ولو
طارت..! أمّا الأصوات التي تنطلق
أحياناً من هنا وهناك ، مطالبةً
بفصل الإخوان المسلمين من إعلان
دمشق، أو موحيةً بذلك، ملمّحة
إلى أنه سيحصل .. أمّا هذه
الأصوات فلا نحسبها حريصة على
إعلان دمشق، ولا على مَن فيه..!
لأنها لو حرصت عليه، لحرصت على
تقويته، بالسعي إلى ضمّ أكبر
عدد من القوى السورية إليه،
لابالدنْدنَـة حول فصل هذا
الفريق أو ذاك ، لمجرد الاجتهاد
الذي لايناقض مبادئ الإعلان من
قريب أو بعيد..! فضلاً عن أن هذه
الأصوات ، تعلم أن إعلان دمشق
ليس مضافة خاصّة، ولاعقارا
خاصّاً لزيد أو عمرو، ولا
منزلاً يقيم فيه فريق على أنه
صاحبه، وفريق آخر بمثابة ضيف..
ويَحقّ لصاحب المنزل صرف الضيف
متى شاء ، وللأسباب التي ينفرد
وحده بتقديرها..! ولا ندري مَن
المستفيد تحديداً ، مِن الحديث
عن فصل الإخوان من مجموعة (الإعلان)
لتنشقّ هذه المجموعة، بين مناصر
للإخوان وخصم لهم، فيتحقّق
ماتسعى إليه العصابة الحاكمة في
دمشق، وتزداد المعارضة ضعفاً
على ضعف..ويجلس ثعالب المخابرات
السورية في مكاتبهم، يفركون
أيديهم فرحين، وهم يتمتمون
بتشفّ وحقد وسخرية : هه.. قال
معارضة قال..! لمْ يصمدوا أمامنا
جولة واحدة ..! لقد مزقناهم
شَذَرمَذَر.. وعبثنا بهم كما
تعبث الذئاب بقطيع من الخراف
الضالّة..!)
ثُـمّ
.. سؤال أخير: أليست هذه المدرسة
ـ مدرسة احتكار الفهم والإخلاص
ـ في التعامل مع الآخرين ،
الشركاء في المعارضة .. هي ذاتها
المدرسة القمعية الأسدية ، التي
تجرد الآخرين ـ ابتداءً ـ من
الإخلاص والفهم، وتحتكرهما
لنفسها .. كلّ تلميذ في هذه
المدرسة، يحتكرهما لنفسه
بدايةً ، ثم يتنازل الجميع عمّا
احتكروه ، للقائد الأوحد ،
الزعيم الملهم ، الذي لامعقّب
لحكمه، لأنه لايأتيه الباطل من
بين يديه، ولا من خلفه ..!؟ سبحان
الله !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|