لم
يحدث في شامستان
د/
هشام الشامي
لم
يحدث في شامستان أو ما باتت تسمى
أسدستان و البعض يحلو له أن
يدعوها قمعستان ،و أقترح أن
توحد التسمية باسم جامع مانع –و
هو " جمهوراثيّة أسد غابة
قمعستان الشمولية "-
على كل حال لم يحدث في تلك
البلاد ( التي الله حاميها ) ما
حدث في بينين .
و
السؤال الآن ماذا حدث في بينين ؟
بلاد
بينين أو التي تدعى أيضاً
داهومي ، كان يحكمها حاكم عسكري
شيوعي ماركسي أحمر ، وصل إلى
السلطة عبر انقلاب عسكري ، و حكم
البلاد حكماً فردياً شمولياً
مخابراتياً بالحديد و النار مدة
تسعة عشر سنة ، و قضى على
الحريات باسم محاربة الإقطاع و
الثورة العمالية و الفلاحية ،
و ألغى الأحزاب باسم
الاشتراكية و محاربة
الرأسمالية
و الرجعية و التخلف ، و قام
بالمجازر و ذبح أبناء شعبه من
جميع الطوائف و الاثنيات (من
البوذيين و المسيحيين و
المسلمين ..) و دفنهم في مقابر
جماعية من أجل
حماية الثورة و التطهير
الوطني ، و بنى السجون و
المعتقلات و عذب و نكل تعصباً
للحزب و لغسل دماغ المعارضين ، و
قرب إليه المنتفعين و
الانتهازيين و مرضى الجوع
المزمن ، و الفقر المدقع ، الذين
كانوا يباركون له أعماله و
تصرفاته ،وكانوا يجتهدون
لإرضائه ،و يشبعون غرائزه
المضطربة ، و يبررون جرائمه
الرهيبة ،و يحولون الباطل حقاً
و الحق باطلاً، و يصفقون و
يهللون لطلعته البهية، و
لخطاباته الخشبية، و لحركاته
البهلوانية، و قراراته
الارتجالية
، و يسبحون بحمده و يقدسون
اسمه .
ربما
يقاطعني البعض و يقول : هذا بعض
ما حدث في أسدستان ، و يطابقه في
وجوه كثيرة ، و الجواب : نعم لا
يستطيع أحد أن ينكر ذلك ، و لكن
دعوني أكمل و أبين لكم ماذا حدث
في بينين بعد ذلك ؟ حتى لا نقف في
وسط الكلام ، ليفهم منه عكس
المطلوب كمن قرأ الآية الكريمة (
فويل للمصلين ) و وقف .أو وقف بعد
قوله تعالى : لا تقربوا الصلاة.. )
.
فالذي
حدث هناك أن الحاكم العسكري
الجنرال الأحمر الماركسي
العجوز عندما رأى جدار برلين
ينهار ،فكر وقدر و اتعظ ،و وقف
وقفة رجل مع ذاته ، و خرج بصيغة
أنجته و بلاده من محن و كوارث لا
يعلم حجمها و عواقبها إلا مدبر
الكون ، فغيّر بوصلة حكمه من
الشمولية إلى الديموقراطية ، و
من العسكرية إلى المدنية ، و من
الشيوعية الحمراء إلى التعددية
، و من الحزب الواحد القائد إلى
حرية الأحزاب ، و من القائد
التاريخي الملهم الواحد الأوحد
الفرد المؤبد إلى الانتخابات
التعددية و صناديق الاقتراع ، و
من المحسوبية و حكم العائلة و
أولي القربى و الارتجالية إلى
وضع الرجل المناسب في المكان
المناسب حسب إمكانياته و جهده
لا حسب قربه أو بعده من الزعيم
القائد الخالد الرمز، و من
الأحكام الاستثنائية و سلطة
الأمن و إرهاب الدولة إلى حكم
القانون و قوة الدستور .
حيث
دعا إلى مؤتمر وطني شامل حقيقي
وليس إلى مؤتمر صوري وأخرج
المعتقلين من السجون و
المعتقلات ودعا
المعارضين المنفيين في بلاد
الغربة بعد أن أعطاهم ضمانات
حقيقية . هذا المؤتمر ضم خمسمائة
من القيادات العسكرية
والسياسية والدينية و الوطنية
وافتتحه الرئيس بخطاب وضح فيه
خطه الإصلاحي الجديد ،و استمر
عشرة أيام في اجتماع متواصل و
نقاشات حادة ، و في أجواء
ديموقراطية صحية ، واستمع
الرئيس فيه إلى السب واللعن
والشتم و الطعن في نقض و نقد
حكمه الشمولي البغيض ،و فتح
ملفات فساده السوداء دون أن
يعترض – و هو أدرى بما اقترفت
يداه- ثم خرج المجتمعون بوفاق
وطني وانتخبوا من بين الخمسمائة
المجتمعين رئيساً مؤقتا للبلاد
من زعماء المعارضة الخارجة من
السجن . و كان شرط الرئيس
العسكري السابق أن لا يذبح هو و
رفاقه العسكريون. و أن تبقى
القوة العسكرية
في يده لسنة انتقالية. ومضت
سنة 1990م على
بنين أو الداهومي في ظل
الإصلاح الجزئي حسب ما رسمه
المؤتمر ، ثم أجريت انتخابات
ديموقراطية حقيقية شملت الأمة
بأكملها. ونجح فيها زعيم معارضة
آخر و استلم الحكم خمس سنوات حسب
الدستور الجديد ، و بهذه
الطريقة الرشيدة، و بهذا
الإصلاح الحقيقي لا الدعائي ،و
بهذا الصدق مع نفسه و وطنه ، كسب
الديكتاتور السابق قلوب
مواطنيه و احترامهم ، بعد أن
حافظ على نفسه و رجاله و قبل ذلك
على وطنه ، ليعود بعد خمس سنوات
من تركه السلطة الديكتاتورية
رئيساً منتخباً متوجاً على قلوب
و رؤوس شعبه عبر صناديق
الاقتراع الديموقراطية ، و لم
يحصل له ما حصل مع تشاوسيسكو في
رومانيا و غيره من الطغاة عباد
الكراسي السلطوية، و مرضى جنون
العظمة البغيض.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|