من
المقاطعة إلى معركة الخندق
الدكتور
هيثم مناع*
قبل
قرابة أسبوعين اتصل بي مسئول
أوربي "رفيع المستوى"
ليدردش في أوضاع المشرق العربي.
وأثناء الحديث عرّج على السبب
الأول لاتصاله قائلا: هل يمكنك
أن تدع جانبا لدقائق مرجعية
حقوق الإنسان فنتحدث سياسة
واستراتيجيات؟ قلت له: لست
متأكدا من ذلك ولكن سأحاول.
فقال، لو كنت في موقع المسئولية
في بلد أوربي، كيف تتعاون مع
وصول حماس للسلطة؟ سألته: هل
وجهت هذا السؤال إلى أشخاص من
طرف الضفة الثاني، قال بالتأكيد
وهم يتصلون كل يوم لمعرفة ما
ستفعل كل دولة أوربية وحريصين
على مقاطعة واضحة للحكومة
الفلسطينية. فقلت له : هل لديكم
سياسيين قادرين على الانسجام مع
أنفسهم وقيمهم ومصالح بلدانهم
ولو كلفهم ذلك مواجهة مفتوحة مع
اللوبي الموالي لإسرائيل؟
فقال، موجود، ولكن بالطرق
الدبلوماسية المناسبة. قلت له،
يكفي الشعب الفلسطيني ذلك.. أنتم برأيي
أمام خيارين لا ثالث لهما، إما
أن تنضموا للموقف الأمريكي الذي
قاطع عرفات ويقاطع حكومة حماس،
وعندها تتحول اللجنة الرباعية
عمليا لما يمكن تسميته اللجنة
الثلاثية، أو أن تفتحوا قنوات
حوار مع حماس. أذكر حضرتكم بأن
حكومات أوربية فتحت خطوطا
متعددة على "أبو نضال"
مقابل إبعاد شبح العمليات
الإرهابية عن أوربة. حماس لم
تطلق رصاصة واحدة خارج فلسطين.
ثم لماذا قبلتم بخيار
الإسرائيليين لنتانياهو رئيسا
للوزراء رغم تحطيمه عمليتكم
المسماة أوسلو وترفضون الخيار
الحر للشعب الفلسطيني؟. كنتم
يومئذ تطالبون العرب بإعطاء
الوقت لهذا السياسي غير المحنك
بعد، اليوم ليس لديكم سوى صرخات
المقاطعة والتهديد..
قال
لي محدثي: لكننا دخلنا منطق
الحرب على الإرهاب وصنفنا حماس..
أجبته مقاطعا: كذلك هناك أكثر من
ثلثي مسلمي العالم يعتبرون جورج
بوش إرهابيا، فهل تودون أن تصنف
أوربة في الوعي الجماعي كذلك؟
ما هو عدد الأوربيين الذين
يعتبرون إسرائيل الخطر الأهم
على السلام العالمي، هل لديك
النسبة نفسها حول حركة حماس؟ قال
محدثي: بصراحة، لا أظن ذلك. قلت
له: لديكم فرصة هامة، روسيا عبدت
الطريق، ويمكننا كمثقفين عرب
حريصين على علاقات أوربية عربية
متميزة أن نطلب من "حماس"
أن تحفظ ماء وجهكم وتبادر لحوار
مع الأوربيين. يمكن للعديد من
المثقفين العرب أن يرتبوا
اتصالات سرية أو علنية، سياسية
أو مدنية. يمكنكم أن تتحججوا
بالبعد الإنساني لخلق أجواء
جديدة تجعل اللقاء مع وزير
الصحة الفلسطيني ضروريا في ظل
المقاطعة الدوائية والصحية
والغذائية الإسرائيلية.
بالإمكان فتح خيوط ثقة مع بنوك
أوربية تكون الجسر بين شعب يعيش
عملية تجويع منهجية وأشخاص
بسطاء يريدون التبرع للشعب
الفلسطيني. ولكن الحقيقة أقول
لك، ليس لدي أوهام كثيرة حول صحة
مواقفكم، لهذا نصحت طرفا من
حماس بالتوجه إلى جنوب إفريقيا
وأمريكا اللاتينية وإيران بل
والصين والتحضير لفترة تقشف
قاسية. قال صاحبنا: ألهذا الحد
ثقتك محدودة بأوربة؟ قلت له لا،
الشعوب الأوربية تحترم الحقوق
الفلسطينية المشروعة. ولعل أحد
منشطات معاداة السامية الشعور
بأن إسرائيل فوق القانون الدولي
وفوق القواعد الأخلاقية. دولة،
كما يقول شارون، تحاسب من تشاء
ولا يحق لأحد محاسبتها. يروق لي
التذكير دائما بأن كل النظريات
الحديثة قامت على فكرة استغلال
الإمبريالية للآخر. إسرائيل هي
الاستثناء الوحيد ككيان يستغل
الإمبرياليتين الأمريكية
والأوربية.
قبل
قفل الموضوع توجه لي بالسؤال:
عندي سؤال صغير، ما هي برأيك
نتائج وقوف أوربة بمحاذاة
الولايات المتحدة في الموقف من
حماس؟
قلت
له: المزيد من الكراهية للغرب،
المزيد من التعاطف مع القضية
الفلسطينية على أسس دينية
وقومية، المزيد من الحقد
والعنف، وأخيرا وليس آخرا،
معركة خندق جديدة معاصرة.
سألني:
وما هي معركة الخندق؟
قلت
له: عندما اجتمع كل الفرقاء ضد
النبي محمد وحاصروه، كان
انتصاره تغييرا لخريطة العالم
القديم.
ربما
يتوجع صاحبي اليوم على أوربة
التي رضخت لهذه الإدارة
الأمريكية التي طالبت
الفلسطينيين بانتخابات حرة
ونزيهة. والتي تؤكد عبر صمتها عن
الحصار الإسرائيلي للأراضي
الفلسطينية المحتلة، أن
الانتخابات في ظل الاحتلال
محدودة الأثر محدودة الفعل ولا
تعني سيادة لشعب أو لوطن.. وإن
أضافتها الآنسة رايس للكتاب
المقدس فهي لا تتعدى كونها
تقنية من تقنيات الديمقراطية
لها معناها ومبناها في ظل سيادة
البشر على مصيرهم. لهذا تعاملنا
بازدراء مع القراءة الأمريكية
للديمقراطية واعتبرناها عدوا
لدودا لكل الديمقراطيين. فعندما
يقرر المحتل الإسرائيلي ما يدخل
ويخرج للأراضي الفلسطينية من
غذاء ودواء، لا يمكن الحديث عن
دولة فلسطينية ممكنة العيش في
ظلال الدبابة الإسرائيلية.
---------------
*مفكر
عربي من سورية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|