يا
"قرضايات" العرب اتحدوا ...
قبل
أن تفاجئكم "حماسٌ" أخرى
الطاهر
إبراهيم*
لم يكن
الموقف الرسمي المصري المخجل
الذي جرى بحق "محمود الزهار"
وزير خارجية فلسطين، ليفاجئ
المواطن العربي من المحيط إلى
الخليج.ولم يكن ليغيب عن ذهن
المواطن المصري سياسة حكومته
وهو يراها ترسل رئيس مخابراتها
عمر سليمان يسعى كالمكوك بين
القاهرة وغزة لإقناع قادة "حماس"
والمنظمات الفلسطينية الأخرى
بإقفال فوهات بنادقها التي
توجهها باتجاه جنود العد
الإسرائيلي، حتى لا تزيد تل
أبيب ضغوطها على "محمود عباس"،
وكأنما بال قيادات مصر لا ينشغل
إلا على راحة بال "أبو مازن"،
ولتذهب سلامة الشعب الفلسطيني
كله إلى جحيم الدبابات
الإسرائيلية.
وفي
التفاصيل، فقد كان منتجع شرم
الشيخ يصبح كخلية النحل عند ما
يظهر فيه هذا المسئول
الإسرائيلي أو ذاك ممن تلطخت
أيديهم بدماء الأطفال
الفلسطينيين. ولا يكتفي بلقاء
نظيره المصري، بل لا بد من أن
يتبارك الرئيس حسني مبارك
بمصافحته، ويتنعم بطلعته
البهية، وإلا فإن قيامة الكيان
الصهيوني تقوم ولا تقعد على
النظام بأكمله. ومع ذلك، فإن
وزير الخارجية الفلسطيني "محمود
الزهار" يدخل مصر في أول
زيارة لها، ثم يغادرها ولا
يستقبله أي مسئول في الحكومة
المصرية.
وفي
التفاصيل أيضا، وكأنه لا يكفي
الحكومة الفلسطينية ما فعلته
بها واشنطن والعواصم الأوروبية
عندما أوقفت مساعداتها التي
تسميها إنسانية، منذ اليوم
الأول لأداء هذه الحكومة للقسم،
فإذا بنا نفاجأ بواحدة جديدة من
القنابل الموقوتة يعلن عنها "نبيل
أبو ردينة" مستشار "أبو
مازن" يوم الأحد 16 نيسان
الجاري، عند ما سألته قناة "الجزيرة"
القطرية، حول تسليم الرئاسة
الفلسطينية إلى الحكومة
الجديدة معبر "رفح"
،المعبر الوحيد للفلسطينيين
إلى العالم الخارجي، فأجاب
وبالحرف الواحد: "بعض الجهات
التي تسيطر على هذا المعبر هددت
بأنها سوف تترك المعبر إذا
استلمته حكومة حماس".
ومعروف
أن "أبو ردينة" ما كان
ليتلكأ بذكر اسم أي جهة أخرى ممن
يشرفون على هذا المعبر لو كان
أوروبيا أو أمريكيا، لأن هؤلاء
لا يخجلون من عدائهم لحكومة
حماس، وقد هددت تلك الدول جميع
البنوك ،حتى العربية منها،
بالعقوبة إذا ما سمحت فروعها
بتحويل المال إلى داخل فلسطين.
ما يعني أن مصر هي التي هددت
بترك المعبر إذا سيطرت عليه
حكومة حماس. وما يزال المواطن
العربي يذكر أزمة الطحين منذ
أقل من شهر عندما كان معبر رفح
مقفلا أمام تبرعات جهات مصرية
تبرعت بالطحين.
هذه
التفاصيل تتكشف يوميا أمام
المواطن العربي، فيتبين بعقله
المتفتح أن الذي كان يقف في وجه
دخول المواد الغذائية هو "الديدبان"
المصري الذي لا يتحرك ولا يسكن
إلا بأمر من واشنطن، وربما
بتهديدات يومية "من تل أبيب".
وفي ما
وراء التفاصيل، فإن "حماس"
لم تسرق السلطة في ظلمة الليل
الحالك، ولا سطت عليها كما سطا
الزعماء الثوريون على الحكم
بانقلاباتهم العسكرية التي
حظيت بغطاء كامل من واشنطن،
وإنما جاءت إلى الحكم حسب شروط
اللعبة كما فرضتها واشنطن
ووافقت عليها زعامة "أبو مازن"،
ومع ذلك فقد بدأ يقضم من حماس كل
يوم بعضا من صلاحياتها، حتى قال
"إسماعيل هنية" بأنه يرفض
أن يكون طرطورا.
وللتذكير
فقط، فإن ساسة إسرائيل كانوا
متأكدين أن "حماس" ستفوز
بالانتخابات التشريعية، ومع
ذلك فلم يعملوا على إفشال هذه
الانتخابات. وإنما أفسحت المجال
أمام "أبو مازن"،بدعم من
النظام المصري، للعمل على إفشال
أو إسقاط حكومة حماس المنتخبة
ديموقراطيا. وهي بذلك تدق
إسفينا عميقا بين
الفلسطينيين. ومن جهة أخرى شجعت
النظام المصري على أن يكون
الشرطي الذي يقوم بتأديب "المارقين"
من أمثال حماس.
وما لا
يدركه النظام المصري وهو يشجع
"عباس" على وضع العراقيل في
طريق حكومة "إسماعيل هنية"
ليفشلها، بأننا نعرف كيف تنهار
الحكومات، لكننا أبدا لا نعرف
ما سيكون عليه الوضع في المنطقة
كلها بما فيها مصر "حسني
مبارك" إذا انهارت حكومة حماس.
وهاهي الشواهد تتكلم عما يحصل
في قطر عربي ليس بعيدا عن فلسطين
اسمه العراق، حيث رأى الناس كيف
كان سقوط نظام "صدام حسين"،
ولكنهم حتى الآن لم يعرفوا كيف
سيكون الأمر عليه في العراق،
وربما في دول عربية أخرى غير
العراق.
هل
نستطيع أن نقول أن التاريخ يعيد
نفسه مرة أخرى؟ فعندما رفضت
إسرائيل أن تسمح للرئيس
الفلسطيني الراحل "ياسر
عرفات" بأن يغادر "رام الله"
لحضور مؤتمر القمة العربية
المنعقد في بيروت، أرسل يطلب من
رئاسة المؤتمر أن يُسمَح له
بإلقاء خطاب أمام المؤتمر عبر
الفضائيات. غير أن الرئيس
اللبناني "إميل لحود"
،الذي كان لا يحرك ساكنا من دون
موافقة دمشق، رفض الطلب، فقامت
قناة "الجزيرة" القطرية
ببث الخطاب عبر شاشتها. وإذا كان
"لحود" قد استقوى على رئيس
محاصر، فعوقب بالعزلة في قصر
"بعبدا" من قبل
اللبنانيين، فإن من يعمل على
عزل حكومة حماس، قد يأتيه يوم لا
يجد فيه حتى كوخا من طين يؤويه،
إذا حانت ساعة الحقيقة.
واستطرادا،
فإن شاه إيران "رضا بهلوي"،
كان في يوم من الأيام رجل أمريكا
المدلل أكثر من أيٍ من "قرضايات"
العرب الحاليين، ما جعلها تعيده
على أسنة الحراب إلى عرشه الذي
خلعه منه الدكتور "محمد مصدق".
وعندما لم يعد لواشنطن حاجة في
بقائه، أو ربما غدا بقاؤه في
الحكم يكلفها أكثر مما يفيدها،
طلبت منه أن يغادرها، وكأنه لم
يكن يعني لها شيئا في أي يوم مضى.
وضاقت عليه الأرض بما رحبت. ولم
تقبل أي دولة أن تستضيفه. ولم
يرض زعيم أن يستضيفه إلا"أنور
السادات" الذي لم يكن لديه
شيء يخسره بعد أن جفاه،هو
الآخر، حتى الزعماء العرب، فضمه
إليه لاجئا منبوذا من العالم
كله. وهاهم بعض زعماء العرب
ينسون ذلك، ويتصرفون مع ضيوفهم
العرب بما لا يليق، كأنهم في
مأمن أن يدركهم مصير كمصير شاه
إيران أو "شاه" رومانيا "نيكولاي
تشاوشيسكو" المقبورين.
لقد
كان حاتم الطائي ،مع كلبة له،
أكرم من كثير من الساسة العرب مع
ضيوفهم العرب. فهو يلوم ابنه عند
ما رآه يضرب الكلبة قائلا له: لا
تضربها لعلها تنبح الأضياف في
الليل فتدلنا عليهم. بعض عرب هذا
اليوم يستقبلون الرئيس "بوش"
وكلبه إلى جانبه، بينما هم
يستنكفون عن استقبال الوزير
الفلسطيني "محمود الزهار".
واستطرادا،
فإن العلاقات بين معظم دول
العالم تحكمها المصالح البينية.
فالحكومات التي تنبثق عن شعوبها
مثل دول أوروبا تبتعد عن مد يد
العون فيما يسيء إلى حقوق
الإنسان. ولذلك رأينا حكومات
أوروبية تنأى بنفسها عما قيل من
أن طائرات أمريكية كانت تحط في
مطاراتها، تنقل معتقلين تزعم
واشنطن أنهم إرهابيون. أما في
الوطن العربي فإنه يصعب على دول
كثيرة منه تبرئة نفسها من
الإساءة إلى مواطنيها أو مواطني
شقيقاتها، خصوصا إذا كان الأمر
يتعلق بتقديم خدمة لأمريكا، كما
هو الحال بالحصار الذي تضربه
واشنطن على حكومة حماس، وشرعت
بعض الحكومات العربية بالتقيد
به.
وفي
المقلب الآخر، فإن العلاقات بين
معظم الأنظمة العربية ليست على
ما يرام. فإذا تعلق الأمر بمصلحة
مشتركة كالتهديد الشعبي لهذا
النظام أو ذاك، فإن الحكومة
الجارة تسارع إلى تقديم
المساعدة، خوفا من أن "يصيبها
البل" كما أصاب جارتها.
ويتأكد الأمر أكثر إذا كان
النظامان مفروضين بقوة السلاح
فوق رقاب شعبيهما.
فإذا
أضفنا إلى ما سبق أن قيام أي
نظام عربي منبثق عن شعبه بطريق
ديموقراطي، يجعل تلك الأنظمة
العربية تعتبر هكذا نظام
كالوباء الذي يعدي، ولا بد من
محاصرته وتطويقه حتى لا ينتشر
وباءه إلى أنظمة عربية مجاورة.
ويتأكد الأمر أكثر إذا كان
زعماء الأنظمة قد فُرضوا على
شعوبهم من قِبَلِ واشنطن، كما
فُرِضَ الرئيس الأفغاني، "قرضاي"،
من قبل الأمريكيين الذين احتلوا
أفغانستان.
وعودا
على بدء، فإن التصرفات التي
تظهر من هذا الحاكم العربي أو
ذاك مما يسيء إلى شعبه، هو ردود
أفعال دفعه إليها إحساسه بأنه
مستهدف من شعبه، وأن عليه أن
يستقوي بجاره الآخر المكروه
مثله، لعل اتحادهما ضد شعبيهما
أن يجنبهما المصير المحتوم الذي
ينتظر الحاكم المكروه من شعبه،
أو يؤجل الرحيل قدر المستطاع،
وشعارهما في ذلك "ياقرضايات
العرب اتحدوا". ولو كانا
عاقلين لوفرا عليهما وعلى
شعبيهما الخصام النكد الذي
حوّلهما إلى أعداء، كل يتربص
بالآخر، فهل من معتبر؟
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|