بشّار
الأسد ..
أقوى
من أيّ مركز قوّة في الدولة.. لو
أراد الإصلاح
عبد
الله القحطاني
يَعتذر بعض
المحبّين للدكتور بشّار الأسد ،
والمؤمّلين فيه خيراً ، والذين
يحبّون أن يصّدقوا وعودَه
بالإصلاح .. يَعتذرون له بأنّه
يريد أن يصلح ، ومتحمّس للإصلاح
، بل هو المعارِض الأول لنظام
الحكم الذي يُمسك بمقدّرات
الدولة منذ عقود .. الخ .
ولكن .. إلى أيّ
حدّ يمكن قبول هذا الكلام ، أو
تصديقه !؟
إنّ الرئيس
بشّارالأسد ، هو أقوى من أيّ
مركز قوّة في الدولة ، لو أراد
الإصلاح حقّا. وذلك لأسباب عدّة
، بسيطة وواضحة ..
من أهمّها :
1ـ بشّار يملك
الصلاحيّات العليا كلّها في
الدولة :
ـ فهو رئيس
الجمهوريّة
ـ وهو القائد
الأعلى للجيش والقوات المسلّحة
ـ وهو الأمين
القطريّ لحزب البعث
ـ وهو رئيس الجبهة
الوطنيّة التقدميّة
وهذه الصلاحيّات
كلّها، تعطيه قوّة لا يملك
مثـلَها أحد في الدولة ، مهما
كان شأنه.
2ـ بحكم مواقِعه
المذكورة كلّها، تصبّ لديه سائر
المعلومات ، السريّة والخاصّة ،
والهامّة والخطيرة ، والوطنيّة
الداخليّة ، والإقليميّة
والدوليّة..والمتعلّقة برجال
حكمه ، وقادةِ أجهزته الأمنيّة
، وضُباط جيشه وميليشياته ،
الكبارِ منهم والصغار ..
سائرُ المعلومات تنصبّ عنده
، في قصره الجمهوريّ وهو مقيم في
هذا القصر لا يبرحه ..
أجهزته
المتنوّعة ..العسكريّة منها
والمدنيّة ، تقدّم له المعلومات
مباشرة ، عن كل ما يجري في
البلاد ، وفي المقدّمة ، عن كلّ
ما يجري داخل أجهزة الأمن نفسها
، وداخل القطاعات العسكريّة ..
كما تقدّم له
هذه الأجهزة ، المعلومات
الشخصيّة المتعلّقة بعناصر
حكمه وضبّاط أمنه وجيشه:العلاقاتِ
فيما بينَهم ..علاقاتِهم مع
النساء..رشاواهم – سرقاتِهم –
انحرافاتِهم ..حتى نيّاتِهم
التي تَظهر أحياناً في ثرثرات
الكلام ، في ساعات السكْر أو
ساعات النزق والضيق..!
وكلّ جهاز يقدّم
عن الأجهزة الأخرى ما فيه (النصيب
!)، ليظهِر نفسَه بمظهر الوفيّ
المخلِص لسيادة الرئيس ، ويظهِر
الآخرين بمَظهر المقصّرين أو
المهمِلين أو الأغبياء ..أو
الذين قد يُشكّ في تآمرِهم
وحَرفِ ولاءاتِهم باتجاهات
أخرى ..!
إنّها معركة
أجهزة فيما بينها .. تتصارع
بأساليب خفيّة ، ليَبرز كلّ
منها على أكتاف الآخرين . وهي
معركة حقيقيّة ، قائمة ومستمرّة
وشرسة ..! وإنّه سباق على قلب
السيّد الرئيس وعقله ، وبالتالي
على قَراره ، الذي يثبّت هذا
ويرّقيه ليقظتِه وإخلاصِه ،
ويَعزل ذاك أو يهمِله ، لغفلتِه
، أو ضعفِ أدائِه ،أو نقصِ ولائه
..!
أمّا التعاون
بين هذه الأجهزة ، وتبادلُ
المعلومات فيما بينها ، فهو في
الحدود الدنيا الضروريّة ..!
فالمعلومة لدى رجل الأمن ثروة ،
بل هي – بحكم مهنتِه – تعَدّ
ثروتَه الأولى والأساسيّة .. فلا
يفرّط بها ، ولا يقدّمها إلاّ
إلى الجهة المخوّلة بأن تقول له
: أحسنتَ ، سأعطيك عَلاوة ماليّة
أو سأرفع رتبتك ، أو سأعيّنك
مسؤولاً عن الجهاز
الفلاني بدلاً من فلان
الضعيف ..أو ..أو..
ولو أنّ رئيس
جهاز ، طلَب معلومةً من رئيسِ
جهاز أمنٍ آخر ، لزجَره هذا
قائلاً:
" بصفتِك ماذا
تَطلب منّي هذه المعلومة يا..؟
هل أنت رئيسي ..!؟ ".
وبناءً على
ماتقدّم ، تنصبّ المعلومات كلها
في سلّة الرئيس ، فيمسِك بأوراق
القوّة ، التي تؤهّله للإمساك
بأيّ ضابط مسؤول لديه، وإلقائه
في السجن بتهمة الرشوةِ ،أو
السرقة ،أو ضعف الولاء ، أو
العلاقاتِ الساقطة مع النساء ..وكلّ
ذلك بالأدلّة الحسيّة ،
السمعيّة والبصريّة ، التي
قدّمها كلّ جهاز عن عناصر
الأجهزة الأخرى ..!
ومن لم يرغب
الرئيس أن يعاقبه، يضَع ملفّه
في متناول يده، ليبتزه في أيّة
ساعة يشاء ..
لذا لا يجرؤ
كبير أو صغير ، على التفكير بأيّ
عصيان أو تمرّد ، مهما كان لديه
من قوّةٍ أمنيّة أو عسكريّة ..!
وللدقّة ، هذا
ليس حالَ الوضع في سوريّة
وحدَها ، بل هو حال سائر الدول
المحكومةِ بأجهزة الأمن التي
تدور في فلَك رجل واحد ..
ولقد كان الرئيس
الراحل حافظ الأسد ، يجيد
استخدام أوراق الضغط التي بين
يديه ، للضغط بها على رجال حكمه
وجيشه وأمنه ..! ولقد اقتـلَع
الكثيرين من مناصبهم ، وألقَى
بهم في السجون أو القبور ، دون
أن يبكي عليهم أحد ..
والسلاح ذاته
موجود بين يدَي الرئيس بشار ،
فتركيبة الأجهزة التي ورّثها
إياه والده ، ما تزال موجودة ..!
3ـ التأييد
الشعبيّ الذي يمكن أن يلقاه
بشار ، إذا أراد الإصلاح
الحقيقيّ ، قد لا يخطر في باله
ألبتة..! فالمقهورون المسحوقون
من أبناء الشعب السوري ،يتمنّون
أن يرَوا رجلاً مصلِحاً داخل
السلطة الحاكمة ، يقدِم على
خطوات جريئة ،لإنقاذهم من
الشراذم الفاسدة ، التي تمتصّ
دماءهم صباحَ مساء ، وتَجلد
ظهورهم في السجون ، باسم رئيس
الجمهوريّة ! ولو أنّ أحد هؤلاء
الجلاّدين اقترب من بيت مواطن ،
ليقتحمه باسمه الشخصيّ أو باسم
أبيه وأمّه ، أو باسم عشيرته . .لأوسعَه
المواطن ضرباً ، ولربّما قضى
عليه .. لكنه يستغلّ سلطة الدولة
ورئيس الدولة ،لممارسة ما يشاء
من موبقات ، تجاه أبناء الشعب
الذين لا يملكون من أمرهم
شيئاً، والذين يَظنّ كثير
منهم ، أنّ الرئيس لا علمَ
له فيما يجري عليهم من ظلم ..
وإلاّ لتحرّك وقمَع الظلم
والظالمين ، لأنّه رئيس للبلاد
كلّها ، وللشعب كلّه ، لا لحزب
واحد ، ولا لطائفة واحدة ، ولا
لمجموعة من العسكر والوزراء
وضباط الأمن .. ـ أوهكذا يظنّون!
ـ
هكذا ..ما يزال
كثيرون من أبناء الشعب السوري ،
يحسنون الظنّ بالرئيس بشار ،
ويتمنّون أن يتحرّك لإصلاح
حقيقي ، ليبذلوا دماءهم
وأموالهم لأجل نصرته وتأييده ،
ضدّ أيّة فئة تخالفه أو تتمرّد
عليه ..! وهذا بعد خمس سنوات من
استلام بشّار
للسلطة ، ومن خطاب القسم
الذي نثَر فيه الوعود البرّاقة
على رؤوس الناس ، وجعلَهم
يعيشون في أحلام ورديّة شهوراً
طوالاً!
وختاماً :
لا عذرَ للرئيس
بشار ، إن نسيَ أو تَناسى وعوده
بالإصلاح ، بحجّةِ ممانَعةِ
الحرس القديم أو الجديد ، أو
جهاز الأمن السياسي ، أو جهاز
الأمن العسكري ..
لا عذرَ له
ألبَتَّة .. إلاّ أن يكون هو نفسه
في منتهى العجز والضعف , وأنَّه
مجرّد صورة يحرّكها الآخرون , أو
قناع يتقنّع به الآخرون ،عبيد
مصالحهم الشَّخصيَّة وكراسيهم
وامتيازاتهم ..
وما نحسبه كذلك (
حتَّى الآن في أقلِّ تقدير !)
أو أنَّه مرتاح
للوضع الذي هو فيه , سعيد
بمواقعِه " المجَّانيَّة "
التي جاءته بلا تعَب ولا نصَب ,
وحريص على البقاء فيها بلا تعب
ولا نصَب كذلك , ما دام ثمَّة
آخرون مِن حوله, يؤدّون عنه ،
وباسمِه ،المهمَّات كلّها
بدءاً برئاسة الدولة , وانتهاءً
بأصغر مهمَّة من مهماته
الرَّسميّة ! بينما يظلّ الناس
الذين عرفوا شيئاً من تاريخ
الحكّام , يتَمَثَّلون بقول
الشاعر , عن الخليفة العبَّاسي
الضعيف الذي
كان وزراؤه وحجّابه
يحرّكونه كما يريدون ، وهو
مستسلم لهم ، لايملك من أمره
شيئا:
خليفة في قفصٍ
بينَ وَصيفٍ وبُغا
يقول ما قالا له
كما
تقول
الببَغا
وما نحسب الرجل
كذلك أيضاً .. (حتى الآن في أقلّ
تقدير! )
لكن .. ما الذي
عليه أن يفعله , حتى لا يكون (
كذلك ) على مستوى الضعف والعجز ..
وحتى لا يكون ( كذلك ) على مستوى
الركون إلى الواقع الفاسد ,
و
الاطمئنان إليه والسعادة به ,مع
( رشّ ) بعض
الوعود البراقة , على رؤوس
الجماهير , لدغدغة أحلامهم ,
وامتصاص تطلّعاتهم إلى الفعل
الجادّ , بثرثرات مخدّرة, عمّا
يحلم بفعله من إصلاحات تنقذ
الوطن من الدمار , والمواطن من
سحق الجوع والفقر وسياط
الجلاّدين ..!؟
نقول : ماالذي
عليه أن يفعله , على الأرض ؟
لا نحسب رئيساً
متنوِّراً مثل بشار الأسد ,
يحتاج إلى من يعلّمه كيف يكون
رجلاً حقيقياً , وكيف يكون
إنساناً مكلَّفاً برعاية
ملايين البشر، من مواطنيه الذين
هم أمانة في عنقه أمام الله
والناس .. ثمّ كيف يكون رئيساً
فعليّاً , لوطنه كلّه , ولشعبه
كلّه .. لا لطائفته وحدها , ولا
لحزبه وحده .. نحسبه يعرف
جيِّداً ما الذي عليه أن يفعله ..
والناس في سوريّة بانتظار الفعل
النافع الجادّ , ليؤازروه فيه ..
أو ليبحث كلٌّ منهم عن فعله
الخاص به , الذي ينقذ به نفسه
وأهله ووطنه وكرامته , من تحت
بساطير الجوع والقهر والعسكر
والمخابرات ! وهذا النوع الأخير
, من العدميّة اليائسة البائسة,
هو أخطر ما يمكن فِعله في غابة ,
بلْهَ , في دولة متحضّرة تضمُّ
عشرين مليوناً من البشَر .. ممّا
لا يغيب عن الرئيس بشّار
والحاكمين مع بشّار من أعوانه
ومستشاريه , الذين يلحّون على
الوحدة الوطنيّة , ويَعلمون
جيِّداً ما الذي يمكن أن ينتج عن
الفرز الطائفي , الذي يَرون
نتائجه في جارتهم الشرقيّة صباح
مساء !
وسبحان القائل :
" وإذا أردْنا أن نهلِكَ
قريةً, أمَرنا
متْرَفيها,
ففَسقوا فيها,
فحقَّ عليها القول,
فدمَّرناها تدميرا
" . سورة الإسراء / آية 16 .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|