لم
يحدث في شامستان -3-
د. /
هشام الشامي
مع بداية الألفية
الثالثة حدثت ثورات شعبية
برتقالية و خضراء و بيضاء ( لكن
ليست حمراء ) كما حدث في
أوكرانيا و جورجيا مثلاً ، حيث
جرت انتخابات في تلك الجمهوريات
السوفيتية السابقة ، وحدث تزوير
لصالح الأحزاب الحاكمة
المدعومة من روسيا - الأخ الأكبر
لتلك الجمهوريات – فرفضت أحزاب
المعارضة الليبرالية "على
الطريقة الغربية " تلك
النتائج ، و دعت مناصريها
لمظاهرات حاشدة و اعتصامات
جماهيرية ، أدت لسقوط
الحكومات و تحول سلمي للسلطة .
ربما يقاطعني البعض
، كالعادة ، و يقول : – و هو محق
في ذلك – أن تلك الثورات
الشعبية بألوانها الزاهية
البراقة ، كان تُشم منها رائحة
الأمريكان العفنة، و أنّ الطبخة
– ما هي إلا وجبات أمريكية
سريعة - طبخت في واشنطن ، و أن
الأمر أبرم بليل البيت الأبيض .
أقول : لا شك أن
أمريكا قد شجعت تلك الثورات ، و
كانت ورائها ، مثلما كانت روسيا
وراء خصومها ، و لكن الشعب الذي
أراد التغيير هو وحده أداة
التغيير الأساسية ، و هو الذي
عزم و حزم الأمر و حقق النصر.
و سأعطي مثالاً آخر
عن ثورة مشابهة من حيث الأسباب (
تزوير الانتخابات لصالح
الحكومات ) والوسائل ( ثورة
شعبية سلمية لإسقاط الأنظمة ) و
مختلفة من حيث أنها لم تبدأ
بالعاصمة ، بل بالأطراف البعيدة
، و من حيث عدم وجود الدعم
الخارجي لها– وهو الأهم - ففي
قيرقيزستان، لم تبدأ فعاليات
الثورة في العاصمة بخلاف جورجيا
وأوكرانيا، بل حققت انتصارها
الأول في إقليمين جنوبيين ، و
إقليم ثالث في الشمال. وكانت
سيطرة المعارضة على هذه
الأقاليم مقدمة لحسم الصراع في
العاصمة. وكان عزوف الشرطة
وأجهزة الأمن عن خوض مواجهة ضد
الجماهير الثائرة هو نقطة
التحول الهامة و اللمسة السحرية
في انتصار الثورة و امتدادها
إلى العاصمة .
أما بالنسبة لغياب
الدور الخارجي ففي هذه الثورة
بخلاف سابقتيها. لم يكن هناك
تحريض أمريكي أو أوروبي على
إسقاط نظام الرئيس عكاييف، ولا
حتى تشجيع على تغييره.وفوجئ
الجميع بالثورة التي بدأت
احتجاجاً على تزوير الانتخابات
النيابية التي أجريت في آخر شهر
شباط وأوائل شهر آذار 2005م.ولم
يراهن الأمريكيون ولا
الأوربيون على هذه الاحتجاجات،
حتى عندما تمكنت المعارضة من
إحراز انتصارها في الجنوب
والشمال،وظلت واشنطن أقرب إلى
الحياد حتى اللحظات الأخيرة.
فقبل أقل من 48 ساعة على هروب
الرئيس عكاييف خارج البلاد ،
كان الناطق الرسمي باسم
الخارجية الأمريكية يمتدح ما
أسماه الخطوة الهامة التي قام
بها عكاييف عندما أمر بفتح
تحقيق في التجاوزات التي حدثت
في العملية الانتخابية، كما حث
طرفي النزاع على التحاور و
الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
وهكذا اندلعت ثورة وانتصرت من
أجل الحرية فعلاً دون أن يكون
للخارج أي دور فيها. وهذا هو
عنصر الاختلاف الأكثر أهمية و
ايجابية عن ثورتي جورجيا
وأوكرانيا.
و هنا يقاطعني
آخرون ، و يقولون : و لكن هناك لا
توجد دولة مصطنعة على حدودهم
اسمها إسرائيل ، و أنت تعلم أن
الداعم الأساسي لنظام الحكم في
أسدتان ، هو الحكومة الصهيونية
، أم أنك نسيت" أو ربما تناسيت
" تصريحات شارون و أزلامه في
الحكومة و الموساد ، الذين
عبروا صراحة ، عن معارضتهم
الشديدة لتغيير نظام الحكم في
شامستان ، الذي هو الضمانة
الأكيدة لأمن إسرائيل و حدود
الجولان الصامتة – صمت القبور-
منذ عام 1974م .
أقول : نعم يا سادتي
ما تقولونه صحيح ، ولم أنسَ دعم
الصهاينة لحكومة قمعستان ، و
لكن إرادة الشعوب أقوى من كل شيء
، و لا أدلُّ على ذلك من ثورة 14
آذار الشعبية في لبنان – و هو
على حدود الصهاينة أيضاً – ألم
تطرد هذه الثورة جيش أسدستان
ذليلاً من لبنان ، بعد استباحته
و احتلاله للبنان ثلاثين عاماً
؟ ، و من كان يتجرأ قبل ذلك
التاريخ من الزعماء اللبنانيين
على انتقاد النظام في شامستان
من رأس النظام إلى أصغر جندي من
جنوده ؟، ألم يكن السبب الأساسي
للثورة هو تمادي سلطة أسدستان و
استهتارهم بتطلعات و خيارات شعب
لبنان ؟ ، ألم يغيروا الدستور-
بلمستهم المباركة المعهودة !-
للتمديد للرئيس لحود ، تماماً
كما غيروا الدستور قبل ذلك في
شامستان ليحولوها لجمهوراثيّة
أسدستان ؟ ، و عندما عارض
الحريري هذا التمديد زُرع في
طريق موكبه ما يكفي لقتل الآلاف
و ترهيب الملايين .... ألم يزرعوا
الخوف و الإرهاب في كل أرجاء
لبنان ؟ بالاغتيالات الجبانة و
المجازر الوحشية ، و هل نسيتم
مجازر بيروت و طرابلس و الجبل ؟
أم هل نسيتم مجازر تل الزعتر و
البداوي و البارد و حرب الإبادة
في المخيمات الفلسطينية ؟ إن
ثقافة الخوف – التي تخيم على
شعبنا المقهور في شامستان –
كانت نفسها تملاْ سماء و أرجاء
لبنان ،و عندما أراد الشعب لها
أن تنقشع ، ما كان لها إلا أن
تستجيب .
ثم إني سوف أضرب
مثالاً آخر ، لا يقل وضوحاً و
دلالة عن سابقه ، أليس نجاح حركة
المقاومة الإسلامية (حماس )
الكاسح في الانتخابات
الفلسطينية أخيراً هو ثورة
شعبية صريحة و واضحة في قلب دولة
الصهاينة المصطنعة ؟ ألم تحارب
إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة و
إرهاب لإفشال حماس في
الانتخابات ؟.و لكن إرادة
الشعوب تثبت من جديد أنها أقوى
من كل الجيوش الجرارة و
المخابرات الغدّارة.
و ليس بعيداً عن
ناظري أبداً ثورة أحفاد يوسف
العظمة و إبراهيم هنانو و سلطان
الأطرش و صالح العلي و فوزي
القاوقجي و فارس الخوري والشيخ
محمد الأشمر و سعيد العاص و حسن
الخراط و الدكتور عبد الرحمن
الشهبندر و الدكتور صالح قنباز
و.. .
و
إن غداً لناظره قريــب ....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|