بشار..
أيّها المظلوم الظالم..!
ماجد
زاهد الشيباني
أعترف ـ كي أنصفك..
بدايةً ـ أنك أحد المآسي التي
أنتجَها عهد أبيك الميمون..!
وأنك مأساة متعدّدة
الوجوه :
• مأساة على نفسك ..
مأساة على أسرتك.. مأساة على
شعبك..مأساة على محبّيك..
• مأساة على المشفقين
عليك ، الراثين لحالك..
• مأساة على القانون
الدستوري المعاصر ، وفقهه
وفقهائه ، وفلسفته وفلاسفته..!
• مأساة على المخدوعين
بك ، المعوّلين على شعاراتك في
زمن اهتراء الشعارات..!
باختصار شديد : أنت
مأساة شديدة التعقيد .. ولن أقول:
(إنك مأساة المآسي)..لأن مأساة
المآسي هو ذاك الذي حمّـلك هذا
العبء ـ رغماً عنك ـ ورحل إلى
قبره (ولا تدري أنت ، ولا غيرك ،
شيئاً عن الخَيرات والبَركات
التي يتمتّع بها هناك..! جزاءً
لِما قدّمه لشعبه وشعوب الأمّة
كلّها، هنا.. من خيرات وبركات..!).
لن
ألِج في تفصيلات هذه المآسي
كلّها.. فهي بحر لُجيّ ، إن
شئتَها كذلك.. وشلاّل هادر، إذا
أردتَها كذلك.. وبِركة راكدة فوق
بركان ، لو تأملتَها مَـلِيّـا..!
حَسبي منها ماهو ألصَقُ
بكَ ..! أمّا ما دون ذلك فتُجزِئ
فيه نظرة عَجلى ، وإطلالة عابرة..
1) أنت مأساتُـك التي
صنعَها، بِك ولَـك ، أبوك :
لا لأجْـلِك وحدك..
• بل لأجْـلِه في قبره ،
ليطمئنّ على ملكه الذي بناه (
بتعبِ يَمينه.. وعَرق جَبينه..!)
ليأمَن عليه من الضياع ، بعد أن
أفـنَى زهرة عمره ، في هندستِه
وإحكامِه ، وسحقَ في سبيله ،
أقربَ الناس إليه : نَحرَهذا..
وحبسَ هذا.. ونفَى هذا..!
وخَسرَ بسببه ، فارسَه
وفارس الأسرة ( فارس بني أسد..!)
الذي أعَدّه ليكون خليفتَه مِن
بعده (باسل). وقد كان يدرك بعمق ،
أنه لولا الكرسي ، لَما فقَد
الفارس الحبيب..!
• ولأجْـل أسْرته ،
التي هي اليوم أسْرتك..! وماكان
يَحفظها من المحاسبة على ماسَرق
هو، وسَرقت هي ، من مال الشعب ..
ولا يُنجيها من (الطَرد) من قَصر
الشعب..إلاّ أن يكون السيّد في
هذا القصر، ولَداً مِن صُلبِه..!
ولوصار أحَد إخوته سيّداً
للقصر، لَما أبْـقى السيدةَ
والدتَـك وأنجالَها في القصر،
ساعةً واحدة ـ إلاّ على سبيل
الضيافة ـ ! فالقصر الجمهوري
،على سعتِه ، لايتّسع إلا لأسرة
واحدة سَكَناً، وإن كان يتّسع
لعشرات الأسر، ضيوفاً
ومَدعوّين ..!
• أتحبّ أن أذكّرك
بالحديث الخاصّ جدّاً، الذي دار
بينك وبينه ، على انفراد، بعد أن
استدعاك من الجامعة ، لتحلّ
محلّ باسل في وراثة العرش ( وذلك
دون أن أتنصّتَ عليكما ، أو
أسرقَ أحد أشرطة التسجيل
الاستخبارية ، التي سجّـلت
حواركما)..!؟
حسن .. اسمعْ ( ولا
تؤاخذني على إيراد الحوار
بالمعنى دون اللفظ) :
حافظ : لقد فقدتُ أخاك
باسلاً يا بشار، وهو مَن كنت
أعِدّه لاستلام السلطة بعد موتي..وأنت
أكبَر إخوتك الباقين سِنّـاً ،
والمؤهّـل الأوّل للقيام
بمهمّة أخيك الراحل، في استلام
السلطة ، وإبقاء الأمور على
ماهي عليه. فلا بدّ من استمرار
السلطة في يد الأسرة يابنيّ..
ولا بأسَ بشيءٍ من التطوير،
الذي يناسب عهدك وظروفك.. لأنك
أنت الذي ستحكم سورية بعدي ، لا
أنا..!
بشار: ولكنك تعلم ياأبي
أنني لاأميل إلى السياسة ، وأن
تخصّصي في طبّ العيون أحبّ إليّ
، وأقرب إلى نفسي. فإن كان لابدّ
من وجود أحدنا في السلطة ـ بعد
عمر طويل لك ـ فكلّفْ أخي ماهراً
بهذه المهمّة ، فهو أنسَب لها
منّي..!
حافظ : ليست القضيّة
قضيّة مَيل أو هَوى يابنَيّ ،
إنها قضيّة مَصير..! أمّا تخصّصك
في طبّ العيون ، فلا أهمّية له
هنا، فسورية ملأى بالأطبّاء من
شتّى التخصّصات.. وكلّهم ـ حين
تكون رئيساً للجمهورية ـ
يخدمونك ويتزلّفون إليك..! أمّا
أخوك ماهر، فحادّ الطبع ، وهو
يذكّرني بعمّـك رفعَت..! إنه
لايصلح رئيساً للبلاد، لكنه
صالح جدّا لحماية السلطة..! لذا ،
سيكون دوره محصوراً في هذا
الإطار، ويكون عوناً لك وسنَداً
، كما كان عمّـك رفعت لأبيك ، في
أول عَهدنا بالحكم.. إلاّ أنه
ارتكب خَطأً جسيماً ، حين وسوَس
له الشيطان ، بالقفز إلى كرسي
الحكم ، في لحظة من لحظات اشتداد
المرض عليّ. وحين أعانني الله
،على تجاوز تلك اللحظة الحرجة
،اضطررت إلى إبعاده عن البلاد ،
دَرءاً للفتن ، التي كان يمكن أن
تنشأ ، بينه وبين الآخرين ، من
كبار الضبّاط ، والسياسيّين ،
ورجال المخابرات ..
بشار: ولكن يا أبي ،
أرجوك أن تعفيني من هذه المهمّة
، فلست مؤهّلاً لها، فأنا أعرف
نفسي وإمكاناتي جيّداً..!
قال حافظ محتدّاً: اسمع
ياولد.. ستستـلم الحكم رغماً عنك
.. فلستُ مستعدّاً للتضحية بهذا
الكرسي ، الذي ضحّيت في سبيله
بكلّ شيء ، برغم ماعانيت من
مشكلات وأمراض..! وتعلم كمْ
نحرتُ من البشَر دفاعاً عنه ،
بمن في ذلك رفاق دربي ، وأصدقاء
عمري..! وتعرّضت للمهالك في
سبيله..! ولو جلسَ عليه شخص ليس
من صلبي ، فسوف يلـقي بأسرتي في
الشارع.. وأنت واحد من أفرادها.
ولن ينجيك طبّ العيون ، من
المصير الأسود الذي ينتظرأمّـك
وإخوتك بعدي..! وسيبصق الناس على
قبري .. حتى الناس الذين تراهم
يتزلّفون اليوم إليّ ،
ويتمسّحون بأعتابي.. أفَهمتَ
ياولَد..!؟
بشار : فهمتُ يا أبي .
حافظ : حسن..لقد أعددت لك
كل شيء ، بدءاً ببرنامج التدريب
السياسي والعسكري، وانتهاءً
بالفريق الأمني ، الذي سيتكفّل
لك بتعديل الدستور في مجلس
الشعب ، فيما لو وافاني الأجل
قبل أن تُتمّ الأربعين من عمرك..!
فاذهب الآن وأعدّ نفسك للرئاسة
، أيّها الرئيس الصغير..!
بشار : أمرك يا أبي..
وهنا انتهى الحوار. وقد
لخّصناه تلخيصاً شديداً ،
واكتفينا بأهم الأفكار الواردة
فيه..
- لقد علِمنا كم أنت
مظلوم يابشار، بتحميلك هذه
الأمانة،التي لست مؤهّلاً لها..
- لكن : أتَعلَم أنت ، كم
أنت ظالم ، بإصرارك ، بعد موت
أبيك ، على الاستمرار في حمل هذا
العبء الضخم ، الذي ينوء به
كاهلك ، والذي لاتعرف كيف
تَحمله ، ولا كيف تتحمّـل
مسؤولياته ، ولا كيف تدير شؤونه..!
كما لا تعرف كيف تتعامل مع
الرجال ، الذين تستخدمهم في
عملك..! فهم يستخدمونك أكثر مما
تستخدمهم..!
- وإذا كنت على هذه
الدرجة من العجز، التي عرفتَها
عن نفسك ، وعرفها عنك ـ بعد ذلك ـ
شعب سورية كله، وساسة الدول
الذين تعاملوا معك طوال السنوات
الخمس الماضية من عهدك .. أفَـما
كان الأجدر بك ، والأولى لك ،
ولأسرتك ، ولشعبك.. أن تعيد
السلطة ـ التي سرقها أبوك من
الشعب ـ إلى الشعب ، فتريح
وتستريح.. وتعود إلى ممارسة
تخصّصك في طب العيون ، معزّزاً
مكرّماً.. وتظلّ أسرتك معزّزة
مكرّمة، بدلاً من هذا الشقاء
الذي تعيشون في كهوفه المقيتة ،
والمصيرُ الأسود المجهول ،
ينتظركم بين لحظة وأخرى..!؟
- ونكتـفي الآن بهذا
الحديث الموجز، عن مأساتك بنفسك
ولنفسك ، من حيث كونك ظالماً
مظلوماً ..
- ولعل الحديث عن مآسيك
الأخرى ، يأتي لاحقاً، في
مناسبات أخرى.. ونرجو ألاّ يطول
عهدك في المآسي ، كيلا يطول على
الناس عَهد المآسي بك ، أيّها
المظلوم الظالم..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|