المطلوب
في سورية ، بعد تحرّرها من
الاستبداد :
ديمو(
قراطيّة).. أم
ديمو(خلاطيّة)!؟
عبد
الله القحطاني
ثمّة حزمة من الأسئلة ،
لابدّ مِن طرحها ، ابتداءً ، بين
يدي الديموقراطية الموعودة ـ أو
المأمولة ـ في سورية..
ومن
أهمها:
• هل المطلوب من
الديموقراطية
ـ أو المقصود بها ـ إذابة
الألوان بين الأجناس البشرية (
العرقية ـ الدينية ـ المذهبية ـ
السياسية ..) ونسمّيها أجناساً ،
استئناساً بالأجناس الأدبية:
قصة ، مسرح ، شعر، رواية ،
مقالة..!؟(أو خلط هذه الألوان
جميعاً ، في خلطة واحدة ، ليتشكل
منها لون واحد..!).
ما نعنيه هنا ، هو: هـل
يجب أن تذوب الألوان المذهبية،
داخل مجتمع متعدّد المذاهب،
فيصبح الجميع كلهم من مذهب واحد
؛ إذ يتخلّى كل ذي مذهب عن
مذهبه، ليندغِـموا جميعاً ، في
مذهب موحّد ، ليس له ملامح ،
ولاسمات، ولا علامات فارقة ،
تميّزه عن غيره..! فلا يبقى مذهب
اسمه سنّي ، أو شيعي ، أو علوي ،
أو درزي ،أو إسماعيلي .. بل تمتزج
المذاهب جميعاً، في مذهب واحد
اسمه المذهب السوري.. !؟ أو
(المذهب السوري الديموقراطي..!).
• وهل المطلوب من
الديموقراطية ، أن تجعل الأديان
الموجودة في سورية ، كلها ديناً
واحداً؛ يتنازل فيه كل ذي دين عن
دينه ، ليندمجوا جميعاً ، في دين
واحد ، لم يتخيّل له علماء
الاجتماع ، أو علماء الأديان ،
حتى الآن ، شكلاً ، أو لوناً ، أو
سِمَة ، أو ملمِحاً، أو حتى
اسماً ..!؟ وكل ما قد يخطر في
البال ، هو تسميته : الدين
السوري ، أو (الدين السوري
الديموقراطي .. !).
• وهل المطلوب من
الديمواقراطية ، أن تنزع
الأجناس العرقية ، أو تذيبها،
حتى يصبح المواطنون جميعاً
،عرقاً واحداً، ليس له اسم
معروف ، ولا أرومة محدّدة ، ولا
سلالة ولا ( شجرة نسب)..! فلا يبقى
عرق عربي ، ولاكردي، ولاتركي ،
ولاجركسي ، ولا أرمني .. بل ينتمي
الجميع إلى عرق واحد ، هو العرق
السوري..!؟ أو(
العرق السوري الديموقراطي ..!).
• وإذا كان هذا هو
المطلوب من الديموقراطية :(
تذويب الألوان بين الأعراق
والأديان والمذاهب).. فهل
المطلوب ، على وجه التحديد ، هو:
التذويب العرقي والديني
والمذهبي ..؟ أم التذويب السياسي
بين هذه العناصر البشرية !؟
• فإذا كان المطلوب هو
التذويب التامّ ، للأعراق
والديانات والمذاهب، ودمجها في
عرق واحد ، في مذهب واحد ، في دين
واحد .. فهذا نوع من المحاولا ت
العابثة السمجة، المخالفة لسنن
الاجتماع والتاريخ ، وقبل ذلك ،
لسنن الفطرة التي فطرالله الناس
عليها (على مستوى الأعراق
والأجناس ، وعلى مستوى الديانات
والمذاهب والمعتقدات .. فهل
يستطيع أحد صَبّ هؤلاء البشر
جميعاً ، في بوتقة واحدة ، عرقية
، أو دينية ، أو مذهبية.. بما
يخالف السنن المذكورة كلها..)!؟
• وإذا كان المقصود
بالتذويب ، هو التذويب السياسي
، بين هذه الأجناس كلها..فهذا
قائم موجود ـ ولله الحمد ! ـ في
العهد الحالي ، ولا حاجة لأن
يتعِب العقلاء أنفسَهم في السعي
إليه ! فمنذ جاء الحكم الحالي
الميمون إلى السلطة ، ( شَطبَ)
الألوان السياسية كلها من
البلاد ، ولم يترك إلا لوناً
واحداً، هو لون سِحنته البهيّة
، الباهرة الفاتنة الساحرة..!
فهل ثمّة داعٍ ، لأن يتعب
العقلاء أنفسهم ، في السعي إلى
إسقاط هذا النظام، لإعادة
تجربته نفسِها ، وسلوكِه نفسِه
، ومنهجِه السياسي نفسِه..!؟
• وإذا كانت فكرة
الإذابة ، غيرَ مطلوبة ، أصلاً ـ
بل هي مرفوضة ، ابتداءً ـ في
أجواء الديموقراطية.. فما
المطلوب من الديموقراطية أن
تفعله للناس إذن؟ وما المطلوب
أن تقدّمه إليهم!؟
• ما نعلمه عن
الديموقراطية ، أنها مناخ ،
مناخ حرّ، للمواطنين جميعاً ،
بنِسَب متساوية، ليبذل كلّ منهم
مافي وسعه ، لخدمة نفسه ووطنه ،
بقدر مالديه من مؤهلات وإمكانات
، في إطارٍ قانوني ، يسهم في
صياغته أبناء الوطن جميعاً.. ثم
يتعاون على حراسته أبناء الوطن
جميعاً..!
• وإذا كان ذلك كذلك ،
ونحسبه كذلك .. فكيف يفسَّر
الخوف ، لدَى بعض العناصر، في
المعارضة السورية الحالية ..
الخوف من بروز الألوان (
العرقية.. والمذهبية .. والدينية)
في العهد الديموقراطي ، الذي
يسعى إليه الجميع ، بعد إسقاط
الحكم الشمولي المستبد
الفاسد..!؟
- وهل يَخشى هؤلاء ،
بروزَ الألوان على حقيقتها ، أم
بروزَ تجليّاتها السياسية..!؟
- وبمعـنى أوضَح : هل
يَخشى هؤلاء ، أن يظهر المذهب
الفلاني ، الذي يشكل نسبة عشرة
في المئة ، والذي تحكَم البلاد
باسمه اليوم ، أن يَظهر بنسبته
العددية ، السكانية الحقيقية ،
بعد زوال الأغطية الحالية عنه : (
الحزب .. الجبهة الوطنية
التقدمية .. الجماهير المصفقة
خوفاً أو نفاقاً..! ) .. وأن تـظهَر
النِـسَب الأخرى ، للمذاهب
الأخرى ـ الأقلية منها
والأكثرية ـ والتي تحكَم اليوم
، بالحديد والنار، تحت الأغطية
المذكورة أعلاه..!؟
- وهل يَخشى هؤلاء أن هذه
النِسب ـ إذا برزت على حقيقـتها
ـ ستترجَم بالضرورة، في العهد
الديموقراطي الموعود ، إلى نِسب
سياسية !؟ بمعنى : أن تنعكس هذه
النسب، بحسَب أحجامها ، حضوراً
سياسياً ، في مؤسّسات الدولة
الديموقراطية ، فيأخذ كل ذي حقّ
حقه، بحسب حجمه المذهبي ، أو
العرقي ، أو الديني .. انطلاقا من
المذهب، والعرق ، والدين .. لا
مِن التوجّه السياسي ، والفكر
السياسي ، والتحالفات
السياسية، التي كانت سائدة بين
عامي /1954ـ1958/ من القرن
الماضي(على سبيل المثال)..! والتي
لم يكن السا سة يميزون فيها ،
بين عرق ومذهب ودين ، في أيّة
مؤسّسة من مؤسّسات الدولة ،
العسكرية منها والمدنية ..! فترى
العلوي ، والسني ، والدرزي،
والإسماعيلي ، والمسيحي ،
والكردي ، والتركماني ،
والشركسي .. في حزب سياسي واحد ،
يشارك في السلطة ، أو يراقب
ويسائل في المعارضة ، سواء أكان
هذا الحزب قومياً ، أم يسارياً ،
أم ليبرالياً..! ( وما نحسب صورة
الحزبين الكبيرين: الشعب
والوطني ، غائبة عن أذهان
الساسة ، الذين عاشوا تلك
المرحلة ، وخبروها بسائر
تفصيلاتها..! إذ كان كلّ من هذين
الحزبين ، تحديداً ، يضمّ –
إضافة إلى الألوان السابقة ـ
إسلاميّين بارزين ، ملتزمين
بأخلاق الإسلام وشعائره ..!).
- فهل تخشى هذه العناصر ،
المذكورة أعلاه ، من أن تكون
سورية ، قد نسيت ذلك العهد، الذي
هو أصل تكوينها السياسي الحديث
، ولم يبقَ في ذاكرتها ، إلا
العهد الأحادي ، الشمولي ،
البائس ، الراهن ، بأغطيته
المرتجلة ، الباهتة ، الهشة ..!
حتى إذا ما سَقط ـ مع أغطيته ـ
ضلت البلاد طريقها ، وخضعت
لمنتـَجات البؤس الفكري
والسياسي والخلقي ، الذي فرضه
عليها هذا العهد الإجرامي
البشع.. فصار المذهب السني لوناً
سياسياً قائماً بذاته .. وكذلك
كلّ من العلوي ، والدرزي ،
والإسماعيلي .. وكذلك كل من
الكردي ، والتركماني ،
والشركسي..!
- وإذا كان الذي خلـقَ
الأعراق والأديان والمذاهب ، لم
يوحّد أتباع كلّ منها ، في إطار
سياسي واحد ـ لاختلاف عقولها ،
ومناحي تفكيرها ، وطرائقها في
حساب المصالح العامّة والخاصّة
.. بما في ذلك أبناء الأسرة
الواحدة ، فضلا ًعن العشيرة
الواحدة، والقبيلة الواحدة ـ
فأيـّة قدرة بشرية مؤهلة لفعل
هذا ، أو قادرة عليه..!؟
- وإذا فـقدَ بعضُ هواة
السياسة ، القدرة على التفكير
السياسي السليم ـ بما فيها
التمييز بين الممكنات
والمستحيلات ، في سلوك
المجتمعات البشرية ـ فهل فـقدَ
محترفو العمل السياسي ، هذه
القدرة على التفكير السليم
أيضا..!؟ لا نحسب الأمر كذلك ..
وإلا فعلى الدنيا السلام.. !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|