ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
الشيخ
بـدر الديـن الحسـيني بطـولتـه
في حمايـة النصارى الدكتور
خالد الاحمد* يقول
الفيلسوف المسلم روجيـه
الجارودي
ـ وذلك قبل إعلان إسلامه ،
عندما كان رئيساً للمكتب
السياسي
للحزب الشيوعي الفرنسي في
عقد الستينات من القرن العشرين [
كان كارل ماركس واقعاً تحت
تأثير ( فيورباخ ) الألماني
الملحد ، عندما قال كلمته
المشهورة : الدين أفيون الشعوب ،
ولو عرف كارل ماركس الإسلام
لقال إنه ثـورة عالميـة ] ... ومن
هذا المنطلق أريد أن أذكر بعض
الأمثلة من التاريخ تبيـن أن
الإسلام ثـورة إنسانية عالمية ، ثـورة ضد الظلم
والاستبداد واستعباد الإنسان
لأخيه الإنسان ... وقد ذكرت شيئاً عن
الحركة السنوسية في ليبيا ، و
شيئاً عن معركـة ميسـلون ، ومعركة
كفر تخاريم ، وكلاهما ضد
المستعمر الفرنسي ، وكان
العلماء المسلمون لحمة تلك
المعارك .وذكرت الحلقة الأولى
عن العالم المجاهد بدر الدين
الحسيني يرحمه الله . وذكرت
شيئاً عن الأمير عبد القادر
الجزائري ( السوري ) الذي دفن في
دمشق ، ثم نقلت رفاته بعد أكثر
من قرن إلى الجزائر يرحمه الله
تعالى ... أذكرها
اليوم ، وسوريا تفكر في سـن
قانون للأحزاب ، يحرمون فيـه
العلماء والدعاة المسلمين من
تشكيل حزب سياسي لهم ، فهل كان
العلماء متقاعسين عن الجهاد
والنضال ضد المستعمر الفرنسـي
!!؟ ، أو المستبد المـتفرعن !!؟ ،
الذي كان الشباب المسلم أول
وآخر من وقف في وجهـه وقالوا لـه
( ياظالـم ) وتحمل الشباب المسلم
القمـع الرهيب الذي أودى بحياة
عشرات الألوف من الناشطين
المسلمين ... هل يحرم هؤلاء
العلماء المجاهدون ، وهؤلاء
الشباب الـبررة من حقهم في
العمل السياسي !!!؟ وكم
أتمنى أن يطلع على هذا الموضوع ،
والأفضل منه كتاب الأخ شوقي أبو
خليل ( الإسلام وحركات التحرر
العربية ) ، أن يطلع عليهما
السوريون وخاصة من يتهم
الإسلاميين بالطائفية ... ليدرك
أن المسلمين ( وطنيون ) ، وأن
المسلمين يعتبرون غير المسلمين
بينهم أمانة في أعناقهم ، وهذا
هو مدلول مصطلح [ أهل الذمة ] . (
وأهل الذمة هم اليهود والنصارى
في الدولة المسلمة ، ويسمون
أيضاً أهل الكتاب المواطنين في
الدولة المسلمة ، ولفظ الذمـة
كما يقول الأستاذ دندل جبر في
كتابه ( الأقليات غير المسلمة في
المجتمع الإسلامي )([i])
: الذمة
لغة : الكفالة والضمان والأمان ([ii])
، وأنت في ذمة الله أي في كنفه
وجواره وأمانـه . وقد ورد في
الحديث الشريف : [ المؤمنون
تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم
أدناهم ] ([iii]).
وأهل الذمـة : أي أهل
الأمـان ، لأنهم أدوا الجزية (
الضريبة ) فأمنوا على دمائهم
وأموالهم . وفي الحديث [ من صلى
الصبح في جماعة فهو في ذمة الله
، فانظر يا ابن آدم لايطلبنك
الله بشيء من ذمته ] ([iv])
. وعند
الفقهاء
الذمة : العقد الذي يتم بين
السلطة المسلمة وغير المسلمين ،
يكتسب بموجبه هؤلاء حق الإقامة
في دار الإسلام . ويتولى
المسلمون حمايتهم والدفاع عنهم
، مقابل ضريبة شخصية تسمى
الجزيـة ([v])
... وكثيراً
ما تضاف الذمة إلى لفظ الجلالة ،
أو إلى اسم النبي r
تعظيماً لها ، لأهميتها ،
وحرصاً على الالتزام بها
والمحافظة على أحكامها . وأهل
الذمة هم المواطنون من غير
المسلمين الذين يسكنون معهم في
دار الإسلام ، ويدفعون الجزية (
الضريبة ) ـ والضرائب من ضرورات
المجتمع المعاصر ويدفعها كل
مواطن
ـ ومن أهم أصنافهم : النصارى
، واليهود ، والمجوس ، والصابئة
، والمشركون ، والوثنيون ،
وغيرهم ([vi]).... وأرجو
لكل مهتم بالموضوع مراجعة كتاب
الاستاذ دنـدل جـبر القيم
في هذا الموضوع . فرنسـا
تثيـر الفتنـة الطائفيـة بين
المسلمين والنصارى في سوريا : شجعت
فرنسـا مـَن تطوع في جيشها من (
غير المسلمين ) ليعتدوا على
الأحياء الإسلامية ، وخاصة في
حي ( الميدان ) بدمشق ، ناهيك عن
التـنكيل بأسـرى الثـوار ، وعدم
معاملتهم كأسرى حـرب ...بحجـة
أنهم عصابات خارجـة عن القانون
... أنذرهم
الثوار كثيراً . فقام بعض من نفذ
صبره من الثوار بمضايقة غير
المسلمين في احيائهم ، فقام
الشيخ بدر الدين الحسيني
بحمايتهم ، وأمر المجاهد ( حسن
الخراط ) بزيارة أحيائهم ليثبت
للعالم أجمع أن أهل الذمـة في
حمايـة إمـام المسلمين ([vii])
. 1-
لنقرأ ماكتبه مراسل ( فرانكفورت
غاز ) : ( إن الأحياء المسيحية
التي تخلى عنها الفرنسيون في
دمشق قد سلمت من النهب بفضل
زعماء المسلمين . ويجب على فرنسا
أن تسلم الآن بأن سوريا اليوم هي
غير سوريا المعروفة بتعدد
منازعاتها الدينية . وأن
الوطنيـة السورية حلت محل
الطائفية . وقامت تطالب بحقها
المهضوم ) ([viii]). وكانت
فرنسا قد سحبت قواتها من ( باب
توما ) و ( الباب الشرقي ) في دمشق
، حيث يقطن اليهود ، والنصارى ،
وكانت فرنسا تنوي أن يهاجم
الثوار السوريون هذه الأحياء ،
لتملأ الدنيا بأخبار تعدي
المسلمين على النصارى ، علماً
بأن الجهاد شيء والتعصب شيء آخر
، أبعد مايكون عنه المسلم
المتمسك بدينه ... لذلك
زار المجاهد ( حسن الخراط ) محلات
المسيحيين ، وهدأ روعهم قائلاً
لهم : إنكم إخواننا([ix])
. 2ـ
ذكـر ساطع الحصري في كتابه ( يوم
ميسلون ـ صفحة من تاريخ العرب
الحديث ، ص 305 ) ، وثيقة نشرتها
جريدة العاصمة الصادرة بتاريخ (
2/8 /1920) رفعها الرؤساء الروحيون
إلى رئيس الوزراء علاء الدين
الدروبي هذا نصها : (
ياحضرة الوزير الأعظم : إعلاناً
للحقيقة ، واعترافاً بالفضل
لذويه ، نرفع عن المسيحيين
والموسويين المستقرين في دمشق
وضواحيها على تعدد مللنا
وطبقاتنا القومية ؛ تشكراتنا
القلبية موجهة إلى العلماء
والأعيان والوجهاء والعامة من
إخواننا المسلمين في دمشق
وضواحيها ؛ لما صدر عنهم في
الأيام الأخيرة المخوفة من
السهر الدائم على الراحة العامة
،وإقامة جنود ونية للمحافظة على
الأمن والسكينة ، ومنع
الاضطرابات المقلقة ، مما يسـطر
لهم الذكـر الجميل في صحف
التاريخ ، ويوجب لهم لدى
معاليكم يادولة الوزير؛ أن
يفوزوا بتكرمـة وتقديـر ،
وليحفظ الله مجد دولتكم العلية
، والدولة المنتدبة ) . التوقيع :
1- بطريريك الروم الكاثوليك :
تقلاوس . 2- متروبوليت بصرى
وحوران : ميخائيل بحاش . 3- مطران
السريان بدمشق مرخص أرمن بدمشق :
استودس كيسهان .4- النائب
الأسقفي الماروني بدمشق :
الخوري ابراهيم مساكي . 5- فارس
الخوري .6- ناصيف أبو زيد 7- أسعد
أبو شعر
8- قسطاكي الحمصي
9- ابراهيم طويل 10- ميخائيل
والياس صحناوي 11 – ميشيل أو
اديس
12 – شفيق قدسي
13 – أنطون أبو أحمد 14- خليل
عنجوري
15- اسبر خوري
16- موسى سعد شامية .. 3-
شهد التقرير القنصلي المشترك
الذي وضعه القناصل في دمشق مثل
هذه الشهادة ، وقرع الفرنسيين
على ضربهم البلد من غير إنذار ،
وذكر كيف قام المسلمون بحماية
إخوانهم في الوطن . وجاء في
التقرير : لقد
حمى الشيخ بدر الدين الحسيني
أثناء الثورة السورية الكبرى
نصارى سوريا ولم يتعرض ثائر أو
أي مسلم لأحيائهم أو أشخاصهم
حتى أن الأحياء المسيحية
الواقعة بين أحياء إسلامية
والتي تركتها فرنسـا منسحبة
عنها ؛ لم تتعرض لأذى مطلقاً ...
لذلك نشرت صحيفة ( فتى العرب )
العدد (1543) السنة التاسعة يوم (15 /
8 /1345هـ الموافق 17/2/1927 م) رسالة
البابا التي حملها المنسينور
ابراهيم مسابكي لإبلاغ سماحة
الشيخ بدر الدين الحسيني تحيات
البـابـا القلبيـة وشـكره
الجزيل على حمايـة المسيحيين ،
وعدم التعرض لهم بأذى خلال
الثـورة . 4-
وقال المطران ( بشارة الشمالي )
مطران دمشق في كتابه ( الأخوة
الشهداء الثلاثة ) المطبعة
الكاثوليكية بيروت 1926 ، ص 55 قال
مايلي : (
ويلذ لنا أن نردد بالشكر
والثناء والإعجاب ذكر السادة
والأعيان وأصحاب الفضل
والمروءة من المسلمين الذين
دافعوا عن المسيحيين ، ذاكرين
دائماً ما جاء في الحديث النبوي
[ لهم مالنا وعليهم ما علينا ] .
وإن المسيحيين هم في ذمـة
المسلمين ؛ أي في عهدهم
كما يردد علينا ذلك الشيخ
الشيخ الجليل صاحب الفضيلة
والعلم الصحيح الذي خبر بصادق
فراسته ظواهر الدهر وبواطنه
الشيخ بدر الدين الجسني في
أوقات حرجـة مرت علينا ، وعلى
هذه البلاد أثناء الحرب الكونية
... وعند نشوب الفتنـة الأخيرة
التي دمرت البلاد ، وسفكت دماء
العباد ، وأقلقت الراحة ، كانت
تهيب بهذا الشيخ الوقور ( بدر
الدين ) عواطف الشرف والمروءة ،
وشعائر الحمية والغيرة ، فيهب
كالليث المدافع عن عرينـه .
ويطوف بنفسه على كنائس
المسيحيين ، ومقامات الرئاسات
الدينية ، مشجعاً إياهم بكلامه
العذب متلطفاً إليهم ، باذلاً
لهم الوعود الجميلة ، والتسليات
العذبـة ، كما توحي إليه نفسه
الكبيرة ) .. وعقب المطران بشارة
الخوري مطران مشق بقوله : ( هذا
أداء واجب ، فبذلت بهذا التصريح
إقراراً بالفضل ) ([x])
. 5-
وأرسل بطريرك الأرمن في بيروت
رسالة إلى الشيخ بدر الدين هذا
نصها : (
لجانب العلامة الجليل صاحب
السعادة الشيخ بدر الدين الحسني
حفظه الله آمين . أخي
العزيز : نزف
إليكم تمنياتنا الأخوية ، داعين
إلى الله تعالى ، أن يديم أيامكم
الثمينة ذاكرين على الدوام طيبة
قلبكم الكبير ، وعواطفكم
الإنسانية الخالصة التي
اظهرتموها في أجلى مظهر نحو
أبناء ديننا الأرمن ، إذ
حميتموهم ومنعتم عنهم عاديات
السوء أثناء حوادث تشرين الأول
الدامية . وقد
شكرنا لسيادتكم يومئذ بصورة
شخصية ، هذه المأثرة البيضاء
ولانزال إلى البد مترفين بهذا
الجميل . كذلك
فإن الأرمن ينظرون إلى سيادتكم
نظرهم إلى والد كريم . فإذا
كان ثمة نفـر من الأرمن تطوعوا [
لمحاربة الثوار إلى جانب الجيش
الفرنسي ] فغن هذا لم يكن
بموافقة منا ، بل انهم بدافع
الفقر والحاجة تطوعوا في
الجندية دون استشارتنا ، وإذا
كان بينهم من أساء السيرة ، فنحن
أشد الناس بأن نراهم يعاقبون
بما سيتحقون ... وكنا
نود زيارتكم في دمشق شخصياً ،
ولكنني في الثمانين ، وحالتنا
الصحية لاتسمح باحتمال متاعب
السفر ... اسحاق
الثاني البطريرك
الأعلى للطائفة الأرمنية في
بيروت وأخيراً
... هذه ترجمـة عملية لمفهوم
ومصطلح ( أهل الذمة ) في المجتمع
المسلم ، وسبقنا جميعاً أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ، عندما كان يمشي في
طرقات المدينة ليلاً يتفقد أمور
رعيته ، ورأى شيخاً طاعناً في
السـن يتسول فسأله : ـ
مالذي دفعك إلى التسول ياهذا ؟ ـ
أجاب الشيخ : السـن والحاجـة
والجزيـة . ـ
قال عمر : ومن أي أهل الكتاب أنت
؟ ـ
قال : يهودي . فأخذ
عمر عنه الكيس وحمله خليفة
المسلمين ( عمر ) على كتفه ،
وقاده إلى بيت المال وقال
للخازن : انظر هذا وأمثاله ، فضع
عنـه الجزيـة ، وعين له راتباً
في بيت المال ، والله ما أنصفناه
، أكلنا شبابه ، وتخلينا عنه في
شيبته ... هكذا
نفهم الإسلام ، أيها الزملاء
السوريون
... وهكذا نعلم المسلمين ،
وهكذا كنا ، وسنبقى بإذن الله
عزوجل في سوريا المستقبل ،
سوريا الديموقراطية التي
لاتقصي أحداً من أبنائها ...
ونفعل ذلك طاعة لله ورسوله ...
وتقرباً لله ، وطمعاً في جنتـه .. والحمد
لله رب العالمين [i]
ـ
دندل جبر ، الأقليات غير
المسلمة في المجتمع الاسلامي
، دار عمار ، عمان ، ط1 ، 1423هـ ،
2003 . [ii]
ـ
محمد مصطفى الزحيلي ، الإسلام
والذمة ، ج1، ص 119 . [iii]
ـ
رواه أحمد وأبو داود والنسائي
والحاكم عن علي رضي الله عنه
مرفوعاً . [iv]
ـ
العجلوني ، كشف الخفاء ، ج2 ،
ص335 ، رقم الحديث ( 2515 ) . [v]
ـ
أحكام أهل الذمة لابن قيم
الجوزية ، ج2 ، ص 475 ، دار
الملايين ، بيروت . [vi][vi]
ـ
أمين القضاة ، معاملة غير
المسلمين في ديار الإسلام ، ج2
، ص 587 ، عمان ، 1989 م . [vii]
ـ
شوقي أبو خليل ، الإسلام
وحركات التحرر العربية ، دار
الفكر ، ط4 ، 1985م ، ص 152
. [viii]
ـ
الثورة السورية الوطنية ،
مذكرات الدكتور عبد الرحمن
الشهبندر ،
مطبوعات دار الجزيرة
العربية ، 1933م ، ص 57 . [ix]
ـ
المصدر السابق ، ص 58 . [x]
ـ
شوقي أبو خليل ، مرجع سابق ، ص
154 . *كاتب
سوري في المنفى المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |