القـمـع
الرهيـب (1976 – 1982)
[
1 / 5]
الدكتور
خالد الأحمد*
يقول
فلاسفة التاريخ : الهدف من دراسة
التاريخ ليس اجترار الآلام ،
ونبش الماضي بروائحه المتعفنة ،
وإنما هو أخذ العبرة من الماضي ،
لنستفيد منها في الحاضر ،
وعندما أتحدث عن المذابح
الجماعية التي مارسها نظام حافظ
الأسـد في سوريا ، لا أقصد منها
سوى أن نعتبر من الماضي المؤلم ،
وأن نتخذ كافة الاجراءات
والاحتياطات كي لايعود هذا
الماضي ، ونجتث الأسباب المؤدية
لهذا الماضي المروع من جذورها ،
وأهم تلك الجذور الحكم الفردي
الديكتاتوري ، الذي استخدم
الجيش ( جيش الشعب ) كما قالوا
عنه ، استخدم جيش الشعب ليقتل
الشعب بدلاً من أن يحميه.
مجازر
نظام الإرهاب الأسدي :
والجرائم
التي ارتكبها النظام السوري ،
نظام البطش والإرهاب ، هذه
الجرائم البشعة التي يندى لها
جبين الإنسانية ، وتأنف الوحوش
في الغابات أن تفعل مثلها ، هذه
الجرائم جدير بنـا أن نجمعها من
ألسنة شاهدي العيان الذين
مازالـوا يعيشون بيننـا ، الذين
كانوا فيها ، واكتووا بنار
جمرها ، وأقل الواجب علينا ـ
معشر المثقفين ـ أن نسجل
الحقيقة ، وننشرها ، لنتغلب على
الكذب والتضليل و ( الدجـل
الثـوري ) ،
الذي يمارسـه النظام السوري
منذ أربعين سـنة .
وقعت
مذابح كثيرة في وطنـنا المسـتلب
، في حماة وحلب وجسر الشغور وجبل
الزاوية ، وفي غيرها من ربـوع
سـوريا . يجب أن نسجلها للتاريخ
كي لاتضيع الحقيقة ، وكي يعرف
أولادنا وأحفادنا مَـن الذي
خـّرب سوريا ، جنة الشام وحولها
إلى أنقاض تستجدي شارون أن يقبل
التفاوض معها ، وتعلن أنها تريد
أن تفاوض دون قيد أو شرط مسبق !!!؟
خبراء
الجريمة السوفييت :
وكانت
هذه المجـازر الجماعيـة بنـاء
على نصيحـة خبـراء الجريمـة
السـوفييت ، الذين استقدمهم
نظام الطغاة بعـد أن كادت
تسـحقه ضربات الثورة الشعبية
المسلحة التي نشبت في حماة وحلب
وجسر الشغور وغيرها ، عندئذ وصل
خبراء أو (خبثـاء ) الجريمة
السوفييت ، ولاشك انهم (يهود ) ،
وعاينوا مكان وزمان وقوع اغتيال
عملاء النظام ، وعرفوا أن الشعب
متعاون مع الثـوار الذين دفعهم
النظام بقوة إلى حمل السلاح
للدفاع عن دينهم ودمائهم
وأعراضهم وأموالهم ، عرف خبثاء
الجريمة أن الشعب متعاون
ومتضامن معهم ، ونصحوا النظام
أن يقتل خمسين مواطناً على
الأقل في مكان وزمان الاغتيال ،
عسى أن يكون القاتل أحدهم ، وعسى
أن يفصلوا الشعب عن الثـوار ،
فيستطيع النظام عندئذ السيطرة
على الطليعة المقاتلـة ، التي
كانت تلقن عملاء النظام دروسـاً
موجعة خلال النصف الأول من عام
(1980) .
ولذلك
نفـذ نظـام الطغيان مذابح
جماعية كثيرة في حمـاة وغيرها،
أكبرها مأسـاة حماة عام (1982م )
حيث اتضح أن حافظ الأسـد نفسـه
أعطى تعليماته للجيش بأن يقتل
يومياً كذا مواطن من حماة ، مما
جعل يحيى زيدان مدير المخابرات
العسكرية يعترض لأن هذا القتل
الفوري يحرم المخابرات فرصـة
التحقيق وكشف المعلومات
الضرورية واللازمـة
.
وسبق
أن نشرت عدة مواضيع عن هذه
المجازر ؛ لاقت قبولاً عند قراء
مواقع الانترنت ، وكشفت جزءاً
من الحقيقة المطمورة ، والتي
يعمل النظام السوري على دفنها ،
لتجهيل الشعب السوري وتركـه
قطيعاً يسهل الكذب والدجل عليه
..
والآن
وجدت تقرير منظمة رقيب الشرق
الأوسط (1990) قد نشر معظم ما أكتبه
الآن عن هذه المجازر ، وحيث أن
هذه المنظمة عالمية ، محايدة
وموضوعية ، وتأخذ معلوماتها بعد
بحث وتدقيق ورويـة ، لذلك أحببت
أن ألخص مانشرته ، ولو تكرر ما
أقوله ، ألاتستحق أرواح عشرات
الألوف من إخواننا في سوريا أن
نكرر نشر المآسي التي عانوها من
نظام الإرهاب الأسدي !!؟
يقول
التقرير تحت عنوان القمع الرهيب
في ص (19) :
(
انفجرت المعارضة في أواخر
السـبعينات ، وقد زادها سـعيراً
تدخل اسـد في لبنان
(1976) ، وقد عـّم التضخم ،
وتفاقمت أزمة السكن ، وانتشر
الفساد الرسمي الحكومي ، ونشرت
قوات الأمن الرعب والإرهاب في
كل مكان من سوريا ولبنان ،
وأخيراً هيمنـة العلويين على
الدولة ومرافقها بدءاً من الجيش
ثم الحزب ثم الوزارات .... إلخ .
وبحلول
العام (1980) بدا
للشعب المقهور أنه من
الممكن إسقاط النظام .
معظم
المعارضة تتجسد في الإسلاميين ،
التي تستقطب دعماً أكبر وأكثر
انتشاراً ، والجميع يأملون
تغيير النظام .
كثير
منهم [ يقصد الإخوان المسلمين ]
يعتقدون بالمعارضة من غير عنف ،
إلا أن بعضهم منتظمون سرياً
ومسلحون وموزعون على اساس
مجموعات فدائيين شديدة الضبط
والتنظيم [ هذا الضبط قبل 1980] .
كما
تبدو المعارضة العلمانية
كالأحزاب اليسارية جيدة
التنظيم ، والنقابات المهنية ،
والمدرسين والكتاب ، وزادت
معارضتهم وهي من غير عنف .
وكان
أول تحدي في ربيع (1976) من عدد
كبير من الضباط والجنود
الثائرين على التدخل في لبنان ،
فاعتقلت قوات الأمن العسكري
مايزيد عن ستين ضابطاً برتب
متقدمة
في نيسان 1976 ، وزادت أعداد
المعتقلين من الضباط ، وقام
اللبنانيون والمقاتلون
الاسلاميون بمهاجمة المباني
الحكومية وأشخاص النظام .
وفي
آذار (1978) أقر مجلس الشعب
قانوناً يمنح قوات الأمن
صلاحيات واسعة جداً ، وبعد
اغتيال الدكتور ابراهيم نعامة
احتجزت قوات الأمن قرابة (15000)
مشتبه بـه ، وفقد معظمهم وظيفته
الحكومية وعمله .
وفي
نهاية العام (1978) نقل حافظ الأسد
( 460) ضابطاً من الجيش إلى وظائف
مدينة ، واعتقل ( 400) بعثي معارض ،
وفي الصيف فصلت وزارة التربية
مئات المدرسين من الخدمة .
نقابة
المحامين تقود المعارضة
وفي
(22) حزيران (1978) أقرت نقابة
المحامين التي اعتبرت نفسها
قيادة لحركة المعارضة
الديموقراطية قرارات تطالب
بإنهاء حالة الطوارئ ، وإطلاق
سراح المعتقلين ، واستقلال
القضاء ،
وهددت أفراد النقابة
بعقوبات تأديبية إن هم تعاونوا
مع الحكومة في قضايا غير مشروعة
.
وفي
آذار (1979) سرح حافظ الأسد ما
لايقل عن (360) ضابطاً بالاحالة
على التقاعد ، بينهم عدد من كبار
الضباط .
مجـزرة
مدرسـة المدفعية :
وفي
(16 /6 /1979) اغتيل (83) ضابطاُ شاباً
في مدرسة المدفعية بحلب ، كان
جميعهم من العلويين ، وكان
النقيب ( السني ) إبراهيم اليوسف
القائم بأعمال التوجيه المعنوي
السياسي في المدرسة ورهط من
المتعاونين معه في تخطيط
العملية وتنفيذها .
رد
النظام بحقد انتقامي كبير ، إذ
اعتقلت قوات الأمن حوالي (600) شخص
في الحال ، وعرض فيلم متلفز عن
محاكمة ( 15 ) شخصاً سبق اعتقالهم
قبل حادثة المدفعية بعدة شهور ،
وأعدم الجميع . وفي الشهور الستة
اللاحقة صرف (400) ضابط من الخدمة
من أشكال ابراهيم اليوسف أو ممن
يشتبه بأنهم مثله .
رفعت
الأسد يدعو إلى معسكرات التطهير
الوطني :
وفي
المؤتمر القطري السابع لحزب
البعث ( ديسمبر1979) دعا الرفيق
عضو القيادة القطرية رفعت الأسد
إلى (معسكرات إعمار الصحراء
والتثقيف الوطني ) ، وأقر
المؤتمر هذا الاقتراح لحماية
الثورة على الرغم من مناقشات
حامية الوطيس ، وكلف الرفيق
وزير التربية بإزالة كل أثر في
المناهج كي تتوافق مع مصالح
الحزب والثورة .
نقابة
المحامين والمهندسين في مطلع
الثمانينات
في (28 ) شباط (1980)
أقر المؤتمر الوطني لنقابة
المهندسيبن قراراً يدعو إلى
إنهاء حالة الطوارئ ، وإطلاق
سراح جميع السجناء السياسيين ،
ودعا إلى حرية التعبير والتنظيم
، وفي (2 ) آذار (1980 ) أضربت نقابة
المحامين في حلب عن العمل لمدة
ساعتين تدعو إلى تحولات
ديموقراطية ، وفي (8 /3 /1980 ) عيد
ثورة البعث ؛ غطت الاضرابات
والمظاهرات عموم القطر
باستنثناء دمشق ، أغلق التجار
محلاتهم ، واستمرت اتحادات
العمال بالاضراب ، وتقلصت حركة
النقل ، وغطت ملصقات المعارضة
الجدران ، ونظم آلاف المتظاهرين
مسيرة غطت الشوارع وهم يهتفون
داعين إلى إنهاء وجود النظام .
وهاهي
نقابة الأطباء ، ونقابة
المعلمين ، الآن تشاركان
المحامين في دعم الديموقراطية ،
وفي (9/3/1980) اصدرت النقابات
المهنية في حمص تصريحاً
متعاطفاً مع نقابات حلب ،
واعقبتها نقابات حماة بيومين
بمشاركة مماثلة ، ودعت نقابات
حماة الجيش إلى الانسحاب من
شوارع المدن ، وإلغاء تسليح
الطوائف والزمر الخاصة .
وفي
يوم (9/3/1980) عمت الاضرابات حلب
وحماة ثانية ، واستمرت حتى (16/3)
ومن وقتذاك شرع النظام في تنفيذ
حملـة القمـع الرهيب التي خططها
مسبقاً .
وكرد
فعل على الاعتقالات التي طالت
أعضاء قياديين في نقابة
المحامين ؛ حددت النقابة يوم (31
/3/1980) موعداُ لإضراب شامل في كل
أرجاء القطر ، ما لبثت نقابة
ألأطباء والصيادلة والمهندسين
أن اتخذت القرار نفسـه ... ولحق
بهم أعداد كبيرة من التجار ، حتى
صار يوم (31) آذار يوم مواجهة واسع
النطاق مع السلطة .
وفي
(9/4/1980) أصدر مجلس الوزراء قراراً
حل بموجبه النقابات المهنية
وقياداتها على مستوى القطر ،
وقياداتها المحلية وجمعياتها
العمومية ، وقامت دوائر الأمن
حالاً بغلق مقرات النقابات
ومكاتب إداراتها .
وفي
اليوم الثاني عيـن النظام
نقابات مهنية جديدة سمى مجالس
إداراتها ، وقامت وحدات ألأمن
بجمع واعتقال القياديين
السابقين للنقابا المحلولة ،
وما أن حل منتصف نيسان حتى سجنوا
منهم (100) طبيب ومهني طبي ، و(100)
مهندس ، و(50) محامياً من بينهم
موفق الكزبري ريس نقابة رعاية
السجناء . وكثر منهم تعرضوا
للتعذيب ، بل إن بعضهم حكم
بالاعدام بمحاكم ميدانية ونفذ
فيه حكم الاعدام ومنهم الدكتور
عمر الشيشكلي طبيب العيون في
حماة ، ومدير نقابة أطباء حماة
، ولاصلة له بالاخوان
المسلمين ، بل كان ناصرياً ،
وعثر على جثتـه مقطعة الأوصال
وقد فقئوا عينيـه يرحمه الله .
في
ديـر الزور :
وفي
(15 /4/1980) اصطدمت قوات الشرطة مع
متظاهرين يافعين هاجموا مقرات
حزب البعث المحلية وأشعلوا فيها
النيران ، ولم تمض ساعات قلائل
إلا وقامت قوات الأمن باعتقال
(38) شاباً ربما أسهم بعضهم في
المظاهرة ، وبالتأكيد بعضهم من
المارة في الشارع ، وبعد ثلاثة
شهور نقلوا إلى أماكن مجهولة ،
ولم يعرف مصيرهم حتى الآن ..
تعليـق
للكـاتب :
أود
الإشارة إلى أن شـباب الطليعـة
المقاتلة كانوا جزءاً من
المعارضة في سوريا بداية عام
(1980) ، وأود الإشارة على أن
المعارضة شملت معظم قطاعات
الشعب ، حتى بعض البعثيين الذين
عقدوا اجتماعاً في مدرج جامعـة
دمشق في (9/10/1979 (
نشروا
بياناً مع الجبهة الوطنية
التقدمية فيه (37) نقطة ينتقدون
أحوال البلاد وافتقارها إلى
الديموقراطية والحريات
الأساسية وسوء تنفيذ القوانين
المعمول بها ، ودعا البيان إلى
معاقبة الموظفين الذين يخرقون
القانون ... وبقي الجيش ومؤسسات
الأمن موالية للنظام طوال الوقت
.
ولما
كشر النظام عن أنياب الحقـد
واللؤم وكـره الشعب ، سكتت جميع
الفئات ، واستمر شباب الطليعة
وحدهم يقاومون بالسلاح هذا
النظام المستبد ... يقاومونه
بالبندقية والمسدس والرمانات
اليدوية ، فقابلهم النظام
بالدبابات والطائرات العمودية
والمدفعية وراجمات الصواريخ
كما سنرى في الحلقات القادمة .
*كاتب سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|