أمريكا
في سوريا
عثرة
في وجه الاستبداد
غسان
المفلح
في مقاربة غير بريئة للواقع
السوري وليست حيادية أبدا يجد
الكثيرون من المثقفين العرب
والسوريين أن أمريكا تقف عثرة
في وجه الديمقراطية في سوريا من
خلال تدخلها الذي يعرقل مسيرة
الإصلاح والتحديث وضغطها
الدائم على السلطة أو هنالك من
يرى منهم أن أمريكا لاتريد
تغيير السلطة أو لم ترفع الغطاء
عن النظام السوري من أجل ذلك
التغيير المنشود ديمقراطيا .
ومن جهتي وأيضا في مقاربة ليست
حيادية وهذا ما يجعل الأمر عرضة
للرغبات والأوهام والتحاليل
المناقضة للحقيقة والواقع ,
وهذا كثيرا ما يحدث حيث أن
الاستبداد خنقنا لدرجة أننا
بتنا في أزمة مع انفسنا مع
معاييرنا ومع رؤيتنا للواقع
وتحليله وهل مطلوب منا اليوم
تحليل واقع الاستبداد السلطوي
أم مطلوب منا غير ذلك باعتبار أن
الاستبداد السوري مسلمة لا
تحتاج كثيرا إلى نقاش وحوار .
بتنا في أزمة مع كبريائنا
المسفوح على أرصفة الوطن
والتشرد والغربة ورؤيتنا
لأحلامنا تتبعثر هنا وهناك تارة
رهانا على السلطة نفسها وتارة
أخرى رهانا على معارضة منقسمة
ولكنها رغم وجودها فهي لازالت
بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من
برامجها التغييرية وتارة رهانا
على الغرب في أن يساعدنا بدون
خسائر في عودتنا كشعوب إلى
حظيرة الإنسانية .
لأن الاستبداد غيبنا وغيب صوت
الشعب السوري تماما ولم يبق في
الوطن غير صوته الذي يصم الآذان
بالقمع والخطاب التافه
والحماسة التي تدعو للإقياء
أحيانا . وكل ذلك من أجل جاه ومال
ليس إلا . لامن أجل طائفة ولا من
أجل مقولات نبحث عنها كي نجدها
في عناصر خطاب سلطوي هزيل وضحل
ضحالة منتجيه من عسكر ولصوص
وشذاذ آفاق , وتربية حجاب
وسائقين على حد قول صديقي
المغيب في سجون السلطة الدكتور
كمال اللبواني . ماذا ترك لنا
الاستبداد مساحة لنهش لحمنا
وتقيئ أحلى صور لنا في ذاكرة
الوطن كذاكرة باتت لا مساحة
فيها سوى للعسكر وسارقي دم
الشعب السوري يحتلون كامل
المساحة السورية / ثلة من
الفاسدين مع طاقم من العسكر
لايهاب الموت في الدفاع عن رب
رزقهم واستفرادهم بقوت هذا
الشعب وكرامته / هذا ليس خطابا
سياسيا تحريضيا إنه حقيقة قد
لوثت الروح وجعلت المعايير في
الحكم على الظواهر معاييرا
موبوءة بهذا الوجع المزمن الذي
فاق التصور والخيال . لدرجة أنك
تتوه وأنت غارق في البحث عن مخرج
لمأزق هذا الانسداد في الأفق
السوري . إما أن تبقى تحت
البسطار العسكري أو تموت ولك
الحق في الخروج من بلدك حاملا
هزيمتك السياسية والشخصية تدق
باب الغرب كي تجد ملجأ لروحك
المنتهكة بعد سنين طويلة من
السجن والعذاب والملاحقة
والتواري عن أنظار الشطار من
أبناء وطنك ـ رجال المخابرات
الصناديد في الذود عن حمى هذا
الوطن المغدور , المغدور من
أبنائه وليس من أحد أخر غريب
وليس من أمريكا بالطبع والتي هي
الآن حجة الاستبداد ومن لف لفه
من حماة الديار والثقافة
والخصوصية القومية !! ولشدة
المفاجأة أنك حين تجلس وحيدا
تجد أنه مهما درت وحاولت
المواربة على نفسك فإن النتيجة
واحدة : لولا أمريكا جارتنا في
العراق لكانت السجون السورية
الآن ملآى بعشرات الآلاف من
المعتقلين . أمريكا و أمريكا فقط
هي من يحسب هذا الاستبداد
حسابها فهو لايحسب حساب الشعب
السوري مهما كانت مطالبه
ومواقفه وطريقة عيشه ما يفكر
فيه هذا الاستبداد هو كيف ترضى
عنه أمريكا لهذا هو يراعيها
ويخافها كما يخاف الموت أو
بالأحرى كما يخاف أن تذهب
السلطة من يديه إلى أصحابها
الحقيقيين . في هذه الحسابات
التي يجريها النظام السوري
للسياسة الأمريكية يتمتع
المجتمع السوري الآن بهامش بائس
من التحدث في الشأن السياسي .
النظام السوري يتكتك من أجل
تحييد هذه الأمريكا في قضية
الداخل السوري وألا تتدخل
أمريكا مطلقا من أجل نزع كامل
سلطته منه .لهذا هو يناور كي
يكسب رأيا عاما دوليا : بإنه
يحاول الإصلاح . ولكن لعبته
مكشوفة والباقي تراجيديا يريد
إدخال الشعب السوري فيها .
تراجيديا أقسم فيها اليمين على
ألا يترك هذا الشعب يعيش كبقية
شعوب الأرض بحرية وأمان وكرامة
وهذا النظام هو خير العارفين
أنه بات الآن خارج الزمن
والتاريخ والحدود القيمية
المعاصرة , ولكن ما الذي يهمه هل
يهمه خراب البصرة !!
أم يهمه شعب لكثرة ما قمع بات يرى
في القمع حلا له !! ليس هذا وحسب
إننا أمام عمارة جهنمية من
تاريخ بائد أحاطت كل الوطن
السوري بين جدرانها في حال فكر
أحدا بالخروج من هذا السجن /
الوطن نحو وطن بلا سجن تتكسر فوق
الجميع جدرانه / على مبدأ علي
وعلى أعدائي !! فماذا تبقى لنا
نحن الذين داس القمع على حياتنا
وحياة عائلاتنا ؟
والسؤال هل تستطيع المعارضة
السورية فك هذه العقدة ؟ تكسير
الجدران دون أن يتأذى أحدا من
أبناء الوطن من ساكني هذا السجن
الكبير ؟
في هذه الحال نعود إلى السؤال
الأول :
هل حقيقة أمريكا عثرة في وجه
الاستبداد ؟
هي بالضرورة كذلك وبحكم الأمر
الواقع حتى لو لم تتخذ أمريكا
قرارا بذلك فقط لكون الاستبداد
يحسب حسابها فهي موضوعيا تحد من
قدرته على البطش والحركة ولنا
في محاولات السلطة كسب ود
أمريكا مثالا كي نقول : هل يريد
النظام السوري أن يوصل الشعب
السوري كي يخطب ود الشيطان من
أجل عودة حقوقه إليه ؟ لأنه في
حال طلب ود أمريكا فسيصبح الشعب
السوري كله تحت مرمى النيران ...ويكفي
أن هذا الوجود الموضوعي لأمريكا
أنه يقيد هذا الاستبداد إن لم
يكن أكثر من ذلك ذاتيا وموضوعيا
وهذا متروك الحكم عليه للمستقبل
القريب أو البعيد .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|