نحن
لا ننفي مواطنينا
ولكننا
نقتلهم بموجب القانون 49
منذ
عام 1980
بقلم:
محمد علي شاهين
في ظلّ الحزب
الأوحد قائد الدولة والمجتمع،
وقانون الطوارئ والأحكام
العرفيّة المفروضة منذ عام 1963
صدر قانون جائر متوحش وحاقد، لم
تعرف البشريّة له مثيلاً في
التخلّف والهمجيّة.
وصفه علماء القانون
بأنّه جريمة متواصلة لا زالت
ترتكب في وضح النهار ضدّ
الإنسانيّة باسم القانون أمام
سمع العالم وبصره، واعتبروه
انتهاكاً خطيراً لحقوق
الإنسان، ومخالفة فظّة لجميع
القيم الأخلاقيّة والشرائع
السماويّة.
وطعن المحامي هيثم
المالح في دستوريّة الجهة التي
أصدرته، وطعن في دستوريّة ما
يصدر عنها من قوانين وقال: إنّ
مجلساً كهذا لا يعتبر في الفقه
الدستوري ممثّلاً للشعب،
والقوانين التي تصدر عنه إنّما
هي قوانين لا تمثّل إرادة الشعب
وبالتالي فهي بحكم المعدومة،
ولا يجوز الأخذ بها .
وهكذا مرّر في مجلس
الشعب السوري القانون 49 بتاريخ
7/7/1980 وجرى التصديق عليه من قبل
رئيس الجمهوريّة في 8/7/1980 أي بعد
يوم واحد من تمريره، وبسرعة
لفتت الأنظار، حتى قيل إنّه حمل
باليد، ولم يعرض هذا القانون
على المحكمة الدستوريّة بسبب
مخالفته قانون العقوبات
السوري، ومخالفته للمعاهدات
الدوليّة.
والضحيّة جماعة
دعويّة مؤمنة مصابرة، تكالبت
عليها قوى الظلام، لأنّها طالبت
بالعدالة وتكافؤ الفرص
والحريّة، ومقتت الظلم
والطغيان والإرهاب، وفضحت
الفساد، وكشفت عورات النظام
وشعارات الوهم، ولم تلهث خلف
السراب.
منح هذا القانون
الحاقد شرعيّة قتل الأبرياء،
فحرم الأطفال من الابتسامة
والعطف، والأمّهات من دفء
العلاقات الأسريّة الحميمة،
وطعن الإعلام المنافق في وطنيّة
الأحرار الشرفاء، وشكّك
بانتمائهم للوطن الذي أحبوه
وافتدوه بالأرواح والمهج.
ولم تكتف الجهة
التي مارست قتل مواطنيها باسم
القانون سيّء السمعة داخل
البلاد السوريّة، بل مارست
الضغط على البلدان التي لجؤوا
إليها لإعادتهم إلى السجون
والمعتقلات، وتنفيذ قانون
العار بحقهم.
أما الجهة التي
أوكل النظام إليها تطبيق أحكام
قانون الإبادة فهي جهة قاصرة عن
تحقيق العدالة، لأنّها جهة غير
مختصّة وغير مؤهّلة وغير
مستقلّة، ولا تسمح للمتهم
بالدفاع عن نفسه أو توكيل محام
للدفاع عنه، وتلجأ إلى انتزاع
الاعترافات بالتعذيب، وتصدر
أحكامها بشكل قطعي غير قابل
للاستئناف، وهذه الوقائع ماثلة
أمامنا لا تحتاج إلى دليل أو
برهان.
وتمسّكت الدولة
بهذه القانون الاستثنائي حتى
أصبحت نشازاً بين الأمم الحرّة،
لتحمي نفسها من الإدانة تحت
دعوى مكافحة الإرهاب، ومن
المحتسب وقد أزكمت الأنوف رائحة
الفساد، رغم غروب شمس
الامبراطوريّة السوفييتيّة،
وانفراط عقد الأنظمة الشموليّة
البائدة التي كانت تتعلّق
بأذيالها.
إنّ القوى الخيّرة
مدعوّة اليوم لفضح جميع الجرائم
التي ارتكبت باسم هذا القانون
وما رافقه من مجازر يندى لها
جبين الإنسانيّة، والكشف عن
القتلة والمجرمين الذين
استباحوا دماء الآلاف من أبناء
شعبهم وساموه الخسف وسوء العذاب.
والأغرب من هذا أن
تغفل بعض قيادات الأحزاب
الإسلاميّة عن هذه الحقيقة وهي
تستعد لعقد مؤتمرها القادم،
وتغضّ الطرف عما جرى من إعدام
الآلاف من أبناء الحركة
الإسلاميّة على خلفيّة هذا
القانون الجائر، وبدون محاكمة
خارج القضاء، بعد إهدار دمائهم،
وتمنح قتلة إخوانهم التأييد،
وتعطي من يطبّق هكذا قانون صك
الغفران.
تحضرني الذاكرة
الآن فأستعيد جانباً من تصريح
الدكتور فاروق الشرع أمام
المؤتمر الثالث لفروع الجبهة
الوطنية التقدمية في أواخر
كانون الأول 2003 بأنه لا يوجد
منفيون سوريون، وأنّه: (يجب أن
لا يتذرّع مواطن سوري في الخارج
أو يزعم أو يدّعي أنّه منفي،
فنحن لا ننفي مواطنينا( .
صحيح أنّكم لاتنفون
عشرات الألوف من مواطنيكم
لكنّكم أيّها الرفاق الطيّبون،
ذوي القلوب الرحيمة تلقون القبض
عليهم إذا عادوا من منافيهم
الاختياريّة وتعدموهم بموجب
القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم
بالإعدام على مجرّد الانتماء
إلى جماعة الإخوان المسلمين
كبرى الحركات الإسلاميّة في
العالم التي بغيابها عن ساحاتها
ينمو التطرّف ويترعرع الإرهاب،
ويستشري الفساد.
أمّا الذين كتبت
لهم النجاة من أنياب هذا
القانون الجائر، فلقد شهدت لهم
الجامعات والمعاهد والمدارس
وكافّة ميادين العمران المدني
والعمل الثقافي والانتاج
الفكري في
ديار الاغتراب بالعطاء
المتميّز، ولو علم الذين
طاردوهم، وقنّنوا القوانين
لاستئصالهم، ما هم عليه من
سعادة، وما أفاء الله عليهم من
خيرات ونعم ببركة الهجرة،
وذريّة صالحة، ومحبّة الناس
واحترامهم لقاتلوهم بالسيوف.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|