الحكم
السهل .. والمعارضة السهلة
عبد
الله القحطاني
أ ـ سهْـلٌ أن
يكون المرء حاكماً ( رئيسَ دولة
– رئيسَ وزارة - ) إذا توافر له
عنصران :
1- أن يأتيه
الحكم على طبق من ذهب ، دون أن
يبذل في تحصيله جهداً ، ودون أن
يخوض لأجله أيّ صراع ( عسكري –
سياسي.. ) ، ودون أن تكون لديه
المؤهلات الأساسيّة للحكم
( حكم دولة – حكم شعب )..
أيّ : أن تهبّ
مجموعة من أصحاب القوّة والنفوذ
في الدولة ، فتحمل شخصاً ما، إلى
كرسيّ الحكم ، لأنها ترى فيه
محقّـقاً لمصالحها ، وقناعاً
لأفعالها وممارساتها داخل
البلاد .. تهتف له ، وترقص ،
وتصفق ، وتفديه بالروح والدم ..!
وقد تكون عمليّة
تَـنصيبه ، مستندةً إلى توصية
من رئيس سابق ، من داخل الدولة ،
أو مستندة إلى ( توصية !) من جهة
ما ، ذات سطوة ونفوذ ، من خارج
الدولة ..
وقد تحتاج
عمليّة التنصيب هذه ، إلى
إجراءات دستوريّة ، أو أمنيّة
،أو سياسيّة .. فتتمّ هذه
الإجراءات ( بالصورة المطلوبة..
وبالسرعة المطلوبة !) ، لتكتسب
العمليّة صفاتها الشرعيّة
والقانونيّة ..!
2- أن تظلّ هذه
المجموعة ، أو غيرها – بعدَها –
تسيّر الأمور ، وتتّخذ القرارات
،وتصدر الأوامر والتعليمات ..
دون أن تكلّف السيّد الحاكم
جهداً ، أو تضيع شيئاً من وقته
الثمين ..! وكلّ ما تحتاجه منه ،
هو التصديق على ما تتّخذه من
قرارات وتعليمات ، بهزّ رأسه
أوّلاً ، وبوضع خاتمه ،أو
إمضائه ، أو بصمة إبهامه ،على
الأوراق المتضمّنة لقراراتها
وتعليماتها..
وربّما تنصحه
هذه المجموعة ، بأن يلقي خطبة
عصماء ، يتفلسف فيها على عباد
الله ، حتى يصدّع رؤوسهم ،
ليظهِر مدى حنكته وبراعته
الكلاميّة ..! ثم تبدأ المجموعة ،
بإرسال (درَرِه الخالدة ) ، إلى
جَوقة الطبّالين والزمّارين ،
ثم لتقلّب كلّ كلمة فيها ،
لتكتشف ما فيها من كنوز العلم
والحكمة والعبقريّة والإبداع ..!
ثمّ لتقدّمها للناس تراثا
أبديّا خالداً ، تنهل منه
الأجيال إلى أبد الآبدين ..!
وينام السيّد الحاكم هادىء
النفس ، مطمئنّا ، سعيداً بما
أنجَز ! لأنّ جَواهرَه الرائعة
التي أنتجَها لبّه المستنير ،
وصقَلها لسانه الفصيح ، ثمَّ
نثَرها على رؤوس الخلق .. ستظلُّ
غذاءً عقلياً وروحيّاً ، لشعبه
، ولشعوب الأرض قاطبةً إلى قيام
الساعة ..!
وبالطبع إذا
كلّف الحاكم العبقريّ نفسَه ,
وسأل أحد السدَنة " سدَنة
الكرسيّ " عن أحوال البلاد
والعباد ..._ ولو من قبيل الفضول _
فإنّ الجواب يأتيه سريعاً
وحاسماً :" كلّه تَمام يا
افندم " !
نَم قريراً ،
ولا تتعِب رأسك النبيل بأمور لا
أهميَّة لها ! المهمّ في الدنيا
هو أن تعيش سعيداً مرتاحاً ,
فليس في هذه البلاد كلّها , ما
يستحقّ أن تشغل به خاطرك , أو
تعكّر لأجله مزاجك.. فشعبك كلّه
يفديك بالروح والدم !
أ- وسهْـل أن يكون المرء معارضاً
سياسيّاً ، إذا توافرت لديه بعض
العناصر , من أهمها ما يلي : "
ونذَكِّر هنا أنَّ حديثنا منصبّ
على المعارضة السهلة , التي لا
تكلّف صاحبها حياته , أو سنواتٍ
من حياته ، في السجن ،أو الغربة
،أو المطاردة الأمنيّة داخل
بلاده , ولا تسبّب له حرماناً من
وظيفةٍ ،أو عمل ،أو من حقوقه
الإنسانيَّة الأساسيَّة .. فهذا
النوع من المعارضات له رجاله
وسياقاته .. بعيداً عن هذه
المقالة وسياقاتها " !
1- أن يكون لديه
قلم سيَّال يجيد الكرَّ والفرّ ,
والتنقّل من غصن إلى آخر ,
والقفزَ من موقف إلى آخر , بخفّة
الفراشة .. دون أن يورّط نفسه في
كلمة واحدة ، يمكن أن تفهَم على
وجه واحد ، أو وجهين فقط , أو
ثلاثة أوجه فحسب !
2- أن تكون لديه
براعة خاصّة, تؤهّله للانقضاض
مع الذئاب والفِرار مع الحِملان
, حسب الظرف الذي هو فيه .. !
3- أن تكون لديه
القدرة على إيهام الحاكم بأنّه
إنّما يعارضه لمصلحة الحكم
والسلطة وفي المقدِّمة مصلحة
الحاكم نفسه .. في الوقت الذي
يوهِم فيه المعارضة بأنَّه منها
ولَها , وأنَّه إنَّما يمارس
نوعاً من الخداع ، ضدَّ الحاكم
وزبانيته ..!
4- يستحسن أن
يكون لديه موقع إلكتروني , على
شبكة الإنترنت , يستقطب فيه
كتابات المعارضة , بسائر
تلاوينها , ليبدو موقعه وكأنَّه
بؤرة للمعارضة .. ويفضَّـل أن
يكون اسم الموقع يحمل دلالة
وطنيّة عامّة , تشير إلى أنَّ
البلاد لأهلها جميعاً , لأنَّ
لهم فيها حقوقاً متساوية ,
ولأنّهم جميعاً شركاء في القرار
والمصير .. وبالتالي لابدَّ من
إصلاح الأوضاع المختلَّة , التي
يَحتكر فيها فريق سلطاتِ الدولة
كلّها ..! على أن يكون صاحب
الموقع , قد ضمن لنفسه خطّ
الرجعة , حتى إذا سُئلَ عمّا
يكتب وينشر في موقعه , قال :
إنَّما أخدم التوجّه العام ،
الذي تدعو إليه قيادة الدولة
صباحَ مساءَ ..!
وبهذا وذاك يكون
صاحب الموقع معارضاَ قويّا
صلباً , وفي الوقت ذاته (
سلطَوِيّاً ) عريقَاً!
ج- وعندما يَنظر
المواطن البائس إلى سلطة بلاده ,
فيَراها على ما هي عليه , ثمَّ
ينظر إلى المعارضة ، فيراها على
ما هي عليه , يتنهّد بابتسامة
فاترة , ويقول بصوت خافت ,
وبالعربي غير الفصيح : " هيك
سلطات بدها هيك معارضات " !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|