بشار
...
ولحظة
انهيار امبراطورية الفساد ...(7)
الطاهر
إبراهيم*
الحديث عن الفساد
في سورية لامس حدود الخوف
والخرافة...فساد الرأس والرئاسة
والسياسة... بالسطو والقمع
بالوراثة ...وأكثر من ذلك بكثير
ووصل إلى إفساد الوطن وتشويه
المجتمع والثقافة... وألغي الشعب
وضاع في دهاليز الخوف والرعب
والفقر والإرهاب والعذاب الذي
تتعدد صوره وأشكاله وترتفع
وتيرته طرديا ًكلما ابتعدت لحظة
خلاص الشعب من ظلم وإرهاب
الإستبداد, الإرهاب الفعلي
الوحيدهذه المرة.
والمعروف أن البنية
التي بناها عميد الإستبداد في
سورية الديكتاتور الأب , حرص على
هندستها على شكل سلسلة من
الدوائر متصلة مع بعضها البعض
بإحكام يمسكها رأس النظام بقوة
ويحركها كما يشاء على الدوام
وبشكل كلي شمولي لا تستطيع أي من
حلقاتها أن تتحرك بمفردها ,وعبر
ممارسة بشعة طويلة مركبة سياسية
قمعية مركزية فاسدة ,عمم
برنامجه على كافة نواحي الحياة
وأنتجت فساد على المستوى
السياسي الذي طبع ملامحة على
السلطة التشريعية والتنفيذية
والقضائية ,وأصبح الشعب أسير
هذه الدوائر المرعبة من العنف
والفساد العام , بدأ من الرأس
نزولا ً إلى كل مفاصل الدولة
وحياة الشعب حتى القاعدة وفي كل
مفردات الحياة , وانعكست بشكل
مباشر على أمن المواطن وحريته
وحقه في الحياة الكريمة ولقمة
عيشه, وأدت إلى احتكار السلطة
وأبعدت الشعب عن المشاركة
الإيجابية وانحصرت في حضوره
الإجباري والمشاركة السلبية
الشكلية في الحياة السياسية وكل
الفعاليات الأخرى , وأيضا ً
احتكار الثروة الوطنية ونهبها
بشكل منظم من عائلة الأسد
والمقربين منها ,الأمر الذي أدى
إلى الفقر والبؤس ووصلت الحالة
الأمنية والمعاشية إلى أسوأ
مستوياتها في تاريخ سورية
الحديث ,ولعل المصيبة الكبرى في
حاضر سورية المخيف هي أن الفساد
أصبح بناء أخذ شكل منظومة
متكاملة تمتد على مساحة الدولة
والشعب , وأصبح من العبث الكلام
عن إصلاحها ولم يعد هناك أي مخرج
من تشويهها سوى التغيير الجذري
الشامل ,لأن ظواهر الفساد أصبحت
على درجة كبيرة وخطيرة ومتغلغلة
في كل تركيبة الدولة وبنيتها
الوطنية والسياسية والإقتصادية
والإجتماعية والثقافية
والإدارية والإعلامية والمالية
والتعليمية والأخلاقية ,
وباختصار وصلت سورية إلى حالة
الفساد التي تقترب من حافة
الإنهيار .
ولعل أحد أشد مظاهر
الفساد خطورة ً هو الفساد
الإداري العام على مستوى الدولة
الذي شرعه الفساد السياسي ,وتكمن
خطورته في كونه يمثل الجهاز
الحكومي التنفيذي للقرار
السياسي والتشريعات التي تحكم
حركة الدولة والمجتمع وعلى كافة
المجالات من قصر الشعب إلى مجلس
الشغب إلى سيرك الجبهة التقدمية
جداً إلى الجيش إلى الحزب إلى
مواخير الوزارات إلى الجامعات
إلى المدارس إلى شرطي المرور
أصغر دائرة فساد ويمثل بشكل حي
صورة الدولة كلها التي تمثل سجن
كبير للشعب بأكمله, والثابت أن
شكل الإدارة على مستوى الفرد
والجماعة والتنظيم والدولة
بشكل عام هو الذي يلعب الدور
الأساسي في النجاح او الفشل , في
التقدم أو التخلف , في تعميم
احترام القيم العامة التي تحافظ
على سلامة المجتمع , أو تخريب
تلك القيم وبالتالي التأسيس
للفساد وتشريعه وممارسته من قبل
أعلى سلطة نزولا ً إلى كل مفاصل
الدولة والمجتمع وإهلاك البشر
والحجر وضياع الجميع .
والخطوة التخريبية
الخطيرة التي تلت اغتصاب السلطة
وتثبيت شكلها الفردي المطلق عبر
السيطرة على القرار السياسي
الذي بدوره حصر السلطات كلها
بيد الرئيس ومن يختاره من
المقربين له والوصوليين لأداء
مهماتها , تبع ذلك بالخطوة
الثانية وهي السيطرة على الجهاز
الإداري للدولة , هذا الجهاز
الذي يمثل العصب المركزي الذي
ينقل الإشارة القرار من الرأس
إلى بقية أجزاء الجسم أي مفاصل
الدولة والمجتمع ويحركها
بالإتجاه الذي يريد وبالسرعة
التي يريد .
إن بداية التخريب
كانت مع تسريح كل العناصر
الفنية ذات الضمير الوطني
المؤهلة الكفوءة الحريصة ,
والقادرة على أداء عملها
والمحافظة على القانون وهيبته
والمخلصة لما يخدم الشعب والوطن
, وتم بهذا الشكل تفريغ دوائر
الدولة من العناصر الفنية
المختصة وتعويضها بعناصر أمية
في الفكر والوطنية والسياسة
والمهنية , ومعدومة المؤهلات
الوطنية والفنية والمعيارية
التي يحتاجها العمل الإداري
والتي كان هدفها الأول هو
التجاوز على القانون تمهيدا ً
لإلغاؤه وإخراجه من الخدمة
وإحالته على التقاعد ,وإحلال
محله قانون تدمير الدولة وهو
المحسوبيات والوساطات
والتعيينات بالأوامر الفوقية
والسرقات والرشوة وبيع وشراء
الوظائف والذمم وتشجيع
الممارسات خارج إطار القانون
وتنشيط القوى والروابط العصبية
وإعادة إلى الخدمة كل المفردات
الإدارية والسلوكية المنحرفة
وتشغيل محرك الفساد بكامل طاقته
التخريبية على عموم المجتمع ,
الأمر الذي أدى إلى الخلل في
أجهزة الدولة الإدارية
والسيطرة عليها من قبل عناصر
معدومة الأهلية والإحساس
الوطني والحرص على المصلحة
العامة , وكان الدافع الوحيد
الذي يحركها هو النفاق وتنفيذ
أوامر التخريب لتكسب رضى "
القائد إلى الأبد " وتحافظ
على مصالحها الشخصية بدون رادع
وطني أو أخلاقي أو مهني أو وظيفي
, وغصت دوائر الدولة بالمخربين
والطفوليين والإنتهازيين
والمتاجرين بكرامة الوطن
والمواطنين , وشكل كل هذا بداية
الطوفان الفاسد الذي أغرق
البلاد بالتدريج دون وجود أي
صورة من صور المراقبة والمحاسبة
,وهمشت أو سجنت أو قتلت أو وضعت
تحت الإقامة الإجبارية أو هجرت
العناصر الضرورية والمفيدة
لبناء الوطن وتطويره .
بقي أن نقول : أن كل
الأمم والدول والشعوب تعمل
جاهدة على المحافظة على جهاز
إداري مؤهل يعمل ضمن القانون
الذي يوفر الجزاء للمخلصين
والعقاب للمسيئين,محافظة ًعلى
الثروة البشرية ( لا تدميرها )
وتطويرها والحفاظ على فعالية
أدائها , واستخدام الثروة
الوطنية( لا سرقتها) لتطوير
البنية التحتية للدولة وتوفير
فرص عمل وتحقيق العيش الكريم
للإنسان ,هذا في كل النظم في
العالم الأول والثاني والثالث و....,
إلا في سورية الأسد .... حيث كل
شيء يمشي عكس إرادة ورغبة
الإنسان وخارج دورة الزمن
والتاريخ , لاغرابة الحاكم
الفاسد والفساد هما ضد إرادة
الله والأنبياء والإنسان
والطبيعة البشرية في أي مكان
وزمان في مسيرة الحياة
.................وللحديث تتمة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|