في
الذكرى السادسة لخروجه من
المعتقل
فاتح
جاموس _الأب : في المعتقل مرة
أخرى
..واحتفال فريد من نوعه
مايا
فاتح جاموس
بعد
ثمانية عشر عاماً وشهرين وأربعة
أيام من الاعتقال
وكل ما رافقه من العذابات والتدمير
الإنساني والحزن والوحشة
والحنين إلى
الحياة بكل تفاصيلها حتى
التافهة منها ..بعد
كل هذا الألم يحتفل أبي بذكرى إطلاق
سراحه من المعتقل في المعتقل
مرة أخرى مع
جدران عرفها وألف تفاصيلها كما عرفته وألفت وجهه الحميم، ويبدو
أن الرحلة لم تنته بعد فهذا هو
حال فاتح جاموس الأب
والمناضل.
كنا
قد اتفقنا على أن نحتفل هذا
العام _هذا اليوم 4/5/2006 بالذكرى السادسة لإطلاق
سراحه من المعتقل مع خصوصية
بسيطة هي عودته من سفر هو الأول
بعد منعٍ
طويل من
المغادرة إلى الخارج بغض النظر
عن تجريده الكامل من حقوقه
المدنية .وبعد العديد من المحاولات الفاشلة في السفر
سنحت له الفرصة أخيراً في أن يسافر لأكثر من شهر بقليل إلى
أوروبا محملاً بكل هواجسه التي تدافع عن الشعب السوري وتراهن
عليه في وجه القمع السلطوي
السوري والتدخل الخارجي
والأمريكي منه بشكل خاص ضد
الوطن وقد توضح ذلك في كل
مقابلاته وتصريحاته
ومقالاته أثناء السفر
وقبله .
لكن
يبدو أن حظ الأجهزة الأمنية في أبي
أكبر من حظي فيه بكثير فلم تكتف بالسنوات
الطوال واستكثرت علي ستة أعوام
من حقي
في أن أكون ابنة لأبٍ حي تعيش معه
بالشكل الطبيعي للحياة فها هي
قد سرقته مني
مجددا، بل اختطفته من المطار دون
أن تسمح لي برؤيته وأنا التي كنت
قد منيت نفسي
بأن أكون أول من يراه لا هم.
و
بعد ذلك بدأت المعاناة مع
الفروع الأمنية
إذ فشلت في أن أراه في المطار
ولكني تمكنت
من الاتصال به على جواله فأخبرني
أنه سيحول إلى إدارة أمن الدولة
ثم أُقفل
جواله وانقطع التواصل معه ، فذهبت
بعد مضي 24 ساعة على توقيفه لأسأل
عنه في إدارة
أمن الدولة ، طبعاً
أنكروا وجوده
لديهم وادعوا أنه قد يكون لدى
فرع
الهجرة
والجوازات وقالوا لي راجعي الهجرة والجوازات بكل الأحوال فإن لم
يكن لديهم
فهم يعرفون مكانه أو راجعي
المطار ..يا للمتاهة
وعلى
الرغم من قناعتي بكذبهم ورغبتهم
في التخلص مني وجرجرتي
في متاهةٍ لا تنتهي في هذا
الوطن بين فروع الأجهزة الأمنية
_ أجهزة السلطة ؛
لكني تعلقت بقشة الأمل
وذهبت إلى فرع
الهجرة والجوازات وتكرر ما حدث
معي في أمن
الدولة وحولوني إلى حلقة أخرى من السلسلة التي تقيد أعناقنا .
بعد
هذه الرحلة غير المجدية ترسخت
قناعتي ببنية النظام القمعي
التي لم تتغير والتي تعتمد أسلوب العصابات فقد خبرته خلال
ثمانية عشر عاماً من التنقل بين السجون والفروع الأمنية بل استمرت
الممارسات نفسها في الأعوام
الست الماضية ومنها التجربة قبل الأخيرة في محاكمة
الأربعة عشر ناشطاً ومنهم والدي
في حلب .
...ومع
هذا بقي البحث مستمراً عبر
محامين ومؤسسات حقوقية ولم نصل
إلى أية نتيجة
وتسرب
إلينا عبر بعض المواقع
الإلكترونية خبر يفيد أنه حُوّل
إلى القضاء العسكري ليحاكم بتهم مروعة ،ولكن إحدى هذه
التهم "تشويه سمعة النظام"
هي تهمة مضحكة
مبكية في آن واحد فهل كانوا
يعتقدون أنه بعد 18 سنة من
الاعتقال والتجريد المدني
وملاحقته في أبسط تفاصيل الحياة
أن يحسّن صورة النظام ويمدحه، فصورته مشوهة أصلاً ولم يترك لنا شيئاً جيداً
لنمدحه فيه وما فعله والدي كان فضح
ممارسات النظام
لا تشويهها .
وتستمر
الرحلة مع استمرار القمع والألم والانتظار
..فقد ذهبنا اليوم 4/5/2006 إلى
محكمة القضاء العسكري محملين
بكل الذكريات
المفجعة لسنوات التنقل بين السجون _
الكهوف التي غيبت والدي في "سنين شبابه _
سنين طفولتي ومراهقتي"
فمن سجن تدمر
بوجهه الصحراوي الميت وقضبانه الحديدة
السوداء السميكة وقاعاته
المظلمة إلا من
أرواح المعتقلين وأحلامهم ، إلى سجن
صيدنايا الذي يعتبر أفخم السجون
السورية أو كما يقال سجن خمس
نجوم والذي
يُحسد سجناؤه من بقية المعتقلين على
قيوده الأقل خنقاً للأرواح
وأذكر جيداً أن
قضبانه كانت رمادية ، إلى
الفروع الأمنية
حيث يصبح الموت أمنية في بعض الأحيان
لولا الأمل الوحشي والحب المدهش للحياة
اللذين عرفتهما في أبي فأنا
أعلم جيداً
شجاعته وقوة حلمه_ حلمنا جميعاً
بالحياة
والحرية ....هكذا قضينا نهاراً كاملاً في المحكمة العسكرية ولم
يُرسل إليها
ومازال مكانه مجهولاً إلا من قلبي
وقلوب أهلي وأصدقائه وعدد من
المحامين الذين
حضروا من عدة محافظات
وقلوب المئات من
المتضامنين وعشرات المحامين
الذين أبدوا
استعداداً عالياً للحضور من كافة أنحاء سورية لتحويل محاكمته
فيما لو حصلت
إلى مهرجان ندافع فيه عن
إنسانيتنا وحقنا في الحياة
ونفضح فيه الإرهاب السلطوي
ونرفض ممارساته القمعية التعسفية . إلى جانب قلوب العديد من
منظمات حقوق
الإنسان في العالم والتي
بدأت بتنظيم الاحتجاجات أمام
السفارات السورية .
وفي
النهاية تبين أن خبر المحاكمة
ليس صحيحاً حتى هذا اليوم على
الأقل . قد يكون
لعبة سلطوية لمزيد من التوتر والضغط أو لجس النبض و قد يصدق الخبر
في النهاية .
وعلى الرغم من توقعنا
لكل ما حصل فإنه يبقى مؤلماً ،
فكل يوم من الاعتقال يحمل حصته
من الاشتياق والألم والتعب
والإحباط .
في
النهاية.. هذا الاعتقال خطأ آخر
للنظام ، والمحاكمة
إن حصلت مع التهم المروعة
ستكون خطأ أفظع لأنها ستشكل
فضيحة جديدة لنظام
مجلجل بالفضائح ، وستكون
فرصة لكسر حاجز الصمت والخروج
عن دور المتفرجين إلى
المشاركة بأبسط أشكالها
الإنسانية .
مازلنا
نسأل أين هو ..ماهي ظروف الاعتقال ..إلى متى سيستمر ..مانوايا النظام تجاهه
..هل سيتاح لنا أن نحتفل معاً ولو
متأخرين قليلاً بذكرى خروجه من
السجن اللعين ..؟
والسؤال
الأكثر
إلحاحاً ..إلى
متى ستستمر الرحلة ؟ وكيف ؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|