بشار...
ولحظة
انهيار امبراطورية الفساد ...( 9 )
د.
نصر حسن
قد تكون ثقيلة على ذهن مفكرنا
العظيم ( ابن خلدون) حالة الفساد
التي تعيشها سورية اليوم بوصفه
السلطة والمنصب في عبارة "
الجاه المفيد للمال " أو
العكس , أوالتجارة المفيدة
للإمارة ,وثقلها هو أن حالة
الفساد في سورية لاهي
جاه ولاهي إمارة , بل مزرعة
وراثية ونهب مستمر وقد تكون
إحدى الحالات الأكثر استثنائية
في تاريج النظم السياسية
الفاسدة في العصر الحديث وربما
القديم أيضا ً,ومبعث هذا
الإستثناء هو أن النظام في
سورية ربط الكثيرمن الأبعاد
والأهداف في فرديته المفرطة
والتي رأت في الجاه على أنه جاه
إذلال شعب بأكمله , والمال ليس
حاصل إنتاج وتراكم تجاري وتطور
اقتصادي , بل سرقة قوت الإنسان
وثروة شعب بأكمله أيضا ً , وهدفه
العام باطني والظاهر منه يغطيه
بشعارات كاذبة ومخادعة وفي
وصفها المختصر هي تخريب العمران
( الإقتصاد ) ومظاهره أي المدنية
, وليس الحفاظ عليها أو تطويرها ,
وتثبيت الفساد والفقرلمحاصرة
الروابط الوطنية والمدنية
وقطعها وعدم السماح لها
بالتطوروملامسة المستقبل ,
وإرجاع الإنسان إلى البدائية
اقتصاديا ًوإجتماعيا ً إلى حالة
الروابط العصبية والمذهبية
والطائفية والعبودية لتكون في
حالة تنافر وتضاد مع قيم العصر
والتقدم الإنساني , باختصار
النظام في سورية هوعقدة معقدة
سياسيا ً وإقتصاديا ً,هو خليط
غير متجانس من حب الجاه وحب
السيطرة وحب المال وحب الثأ
روتعميم الفقر وانعدام الحس
الإنساني والإجتماعي والوطني
وخدمة أعداء الشعب , هذا بجانبه
النظري التحليلي , وجانبه
العملي الواقعي يعكسه بقوة
الوضع الإقتصادي المتردي
والحالة المعيشية الخانقة
للمواطنين والبطالة المخيفة
بشكليها المباشر والمقنع ,
والعجيب فيها أنها في دولة مثل
سورية حيث الموقع الجغرافي
الفريد والأرض الزراعية الخصبة
, والغنية بمواردها البشرية
والطبيعية والمليئة بالمعادن
النادرة والنفط ويمرخلالها اثنين
من أطول وأكبرأنهار العالم
, والإنسان في هذه المساحة
من الأرض مشهود له ببحبوحته
الإقتصادية ضمن مجتمع خالٍ من
الجياع والعبودية على مر
التاريخ , لأنه نشيط وفاعل ومنتج
وإداري في تصريف أموره ,والأهم
من ذلك كله هو أنها تستند إلى
ماضي عريق دينيا ً وفلسفيا
وثقافيا ًوعلميا ً ً وفيها نشأت
أولى الحضارات البشريةعلى هذه
الأرض , وهذا لايملكه الكثير من
دول العالم المتقدمة والمتخلفة
منها على حدٍ سواء .
ولعل مقولة "
المال هو
العقل
" قد
يكون فيها قليلا ًمن المبالغة
وكثيرا ًمن الواقعية وكثيرا ًمن
التعبيرعن ضرورات ووسائل
الحياة البشرية , وبشكل أكثر
مباشرة ً الحالة الإقتصادية
للفرد وللشعوب وللدول هي التي
تحدد كرامته وموقعه ودرجة
فعاليته واستمراره في هذا
العالم الذي يلعب فيه الإقتصاد
بالنسبة إلى المجتمع
دور القلب بالنسبة للإنسان ,
الحالة الإقتصادية هي ليست
سبائك معدنية سحرية نحتكرها في
الكهوف ,ولامجموعة أوراق نقدية
نملكها أو نفقدها ولاهي قدرة
شرائية نتمتع بها تسهل علينا
العيش الكريم ولا هي بيت نأوي
إليه لننام ونستريح ولا هي
أشكال وفنون التجارة التي
نمارسها بحثا ًعن الغنى المادي ,
وتطول قائمة المترادفات
المتعلقة بالواقع البشري , بل
إنها كل ذلك... مضافا ً إليه ما
تفرزه من علاقات إقتصادية
وأبعاد سلوكية بين أفراد
المجتمع , وأهم بعد فيها
هوالإنسان وصيرورته وماهيته
التي هي الكرامة والحرية
والإحساس الإنساني والإجتماعي
الذي يستند إلى توفير مستوى
اقتصادي يليق بكرامتة ويجعله
قادرا ً على الإنتاج ويحفظه من
الضياع في
ظلام الفقروالعوزوانعدام
الشروط الإنسانية ,وأيضا ً إن
توفر الحد المعقول من الحالة
الإقتصادية للفرد تعزز لدية
الإحساس بالثقة والعدل
والإنتماء الإجتماعي والوطني ,
أي تنمّي لديه شعور الترابط مع
الجماعة وبالتالي تظهرالقيمة
الجامعة للتوازن الإقتصادي في
المجتمع الذي هومفتاح
الإستقرار الإجتماعي , ومولد
أنماط وروابط جديدة سليمة بين
أفراد المجتمع وبالتالي
السيرعلى طريق التطور الإنساني
التفاعلي الصحيح .
ولمن المعروف أن شرعية أي نظام
حكم تتمثل في طريقة أستلامه
للسلطة وفهمه لها وأسلوب
إدارتها وهدفه منها أولا ً,وفي
طبيعة البرنامج السياسي الذي
يلخص أهداف النظام وعلى شتى
النواحي الداخلية والخارجية
ثانيا ً, وفي تركيبة الجهاز
الإداري ومدى فاعليته الفنية
وكفاءته في تنفيد البرنامج
العام للدولة ثالثا ً , وحركة
الدولة التي يحددها
الجهاز الإداري بشكل كامل وعلى
كافة المسارات رابعا ً, ومحصلة
أداؤه العامة تكون هي تحقيق
الأهداف التي رسمها القرار
السياسي خامسا ً, ولعل الشيء
الملموس في هذا المجال هو
مايعيشه المواطن بشكل مباشر
والذي يحكم علاقته بالدولة
والمجتمع أي الوضع الإقتصادي
سادسا ً,وأوضح صورة هو وضع
الإنسان المعيشي الناتج
المباشرالعملي عن تنفيد
البرنامج السياسي وهذا مايمثله
المسارالإقتصادي والخطط
المتعلقة به التي تحدد مستقبل
الدولة من الناحية الإقتصادية
سابعا ً, وباختصاريحدد المستوى
المعاشي للمواطن( حوالي , 1000
دولار في السنة ) طبيعة البرنامج
الإقتصادي وفعاليته وصدقه في
التعبيرعن رغبات المواطنين وعن
توجهات الدولة الإقتصادية
ثامنا ً.
ولمن المعروف أيضا
ً أن
الوضع الإقتصادي ومستوى
قوته أو
ضعفه واستقراره
أو عشوائيته ومعدل
نموه أو تراجعه يؤشر بشكل مباشر
الحالة المعاشية للفرد الذي هو
المؤشر الوحيد على سلامة النهج الإقتصادي
وتطوره
, فما هو حال الإقتصاد السوري
اليوم ؟ وماهو البرنامج
الإقتصادي في سورية ؟ وهل هناك
مخطط إقتصادي واضح الملامح
فلسفيا ً اشتراكيا ً أم
رأسماليا ً أم اجتماعيا ً أم
شيطانيا ًأم وسطا ً بينهم , أم
أن ليس هناك شيء من هذا القبيل ؟ الإقتصاد
السوري يسيرعلى رغبة الإستبداد وبركة
العقول
المخططة لفقر
العباد فإلى
أين وصل
بعد مايزيد على أربعين عاما ً من
التخطيط و
" التظبيط
" ؟
واستطرادا ً هل حال المواطن
السوري الإقتصادي أشبه بحال
سورية التي وصفها
الرئيس الطبيب : بأن
الله حاميها ....؟! .
حاورأحد المقربين من الحاشية
الفاسدة أحد وزراء الإقتصاد
السوريين السابقين بالأسئلة
التالية : إلى أين وصلت الخطة
الخمسية بالإقتصاد السوري؟
وإلى متى ستستمر هذه الخمسية ؟
وهل ستتابعون العمل بها بدون
تمديد أو تقليص وبدون سقف زمني
محدد ؟ وكيف تتجاوزون المطبات
الإقتصادية التي أنتم فيها ؟
وماهي الخطة البديلة في حال
الوصول بالإقتصاد السوري إلى
طريق مسدود ؟ .
كانت الإجابة مضحكة ومرعبة ,
المضحك فيها أن سورية ليس بها
شيء له علاقة بالإقتصاد هناك
سياسة نهب منظم متنكرة بعدة
أسماء , والمرعب فيها هو عدم
وجود خطة خمسية أو عشرية إلا على
الورق , وليس هناك خطة إقتصادية
بالمعنى الفني للكلمة ,
والإقتصاد السوري مثل المواطن
السوري يمشي على التوكل.. , كل
شيء ارتجالي
ومزاجي
وعشوائي وآني حسب كارثية الحالة
الإقتصادية وحسب توجيهات "
القائد إلى الأبد " ونهم
الحيتان حوله لنهب المال
والثروة , وعند الوصول إلى حالة
عجز اقتصادي نعتمد بتجاوزها على
سرقة لقمة الشعب , وعند الوصول
إلى حالة اختناق اقتصادي أشبه
بطريق مسدود , نرتطم بالحائط
فنحس بهول الصدمة ,نفيق من
سباتنا الإقتصادي العميق
طائشين, والحل السريع الوحيد
الذي نتوصل إليه تحت ضغط الأوامر
الفوقية هو
فتح ثقب
( بخش ) في
الطريق الإقتصادي المسدود ,
وهكذا نتجاوز
حالة الإستعصاء وننتقل
من ثقب
اقتصادي إلى حفرة اقتصادية
والنظام لايريد وإن أراد
لايستطيع الخروج منها , بصراحة الخطة
الإقتصادية في
سورية عبارة
عن سلسلة
من
الثقوب وتعبر
بدورها عن
سلسلة من
الإستعصاءات
ندوّرها
مع الفشل
الإقتصادي
المتراكم
سابقا
ً إلى
خطة خمسية قادمة أو تغيير قادم على
أمل حلحلتها
وحلها ,
والإقتصاد
السوري
يمشي عشرات
السنين
بهذه الميكانيكية
الأسدية
المرنة العجيبة...إنها
ميكانيكية الفساد ......!....وللحديث
أيضا ً تتمة .....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|