الساعة
الآن للخلاص
وليست
ساعة قصاص
المحامي
محمد أحمد بكور
كثر التشكيك و
الجدل حول خروج عبد الحليم خدام
عن النظام السوري، و أشتد
الهجوم بعد الإعلان عن تشكيل
جبهة الخلاص الوطني، و أصبح
التعاون معه في اطار المعارضة
قضية خلافية بين موافق و رافض.
لقد ترددت كثيراً
قبل كتابة هذا المقال، خشية
التفسير و التأويل أو أني أسعى
وراء التبرير أو إثارة الماضي,
ولكن لإستمرار تفاعلات هذه
القضية داخل التنظيمات رغم
إنحسار الجانب الأعلامي، و
إستغلال بعض ذوي النوايا السيئة
لعرقلة عمل المعارضة، و بدوافع
الواجب الوطني و رغبةً بأيضاح
موقفنا من أنشقاقه و عمله مع
المعارضة. و في اطار الحوار
الديموقراطي و النقد البناء
نلخص وجهة نظرنا بالاتي:
حقاً ان خدام هو أحد
مسؤولي النظام و في قمة الهرم
الحزبي و الرسمي، و انه من
المساهمين في القرار السياسي، و
هذا يقتضي مناقشة إنشقاقه بشكل
موضوعي و عقلاني هادئ في ضوء
المصالح العامة و بعيداً عن
المزايدات و المواقف السطحية أو
المرواحة في المكان، دون إتخاذ
موقف النيابة العامة بالاتهام
أو محامي الدفاع أو القاضي
بأصدار احكام.
بدون شك ان
عبدالحليم قد ساهم في الحزب و
السلطة منذ 8آذار و حتى تاريخ
أنشقاقه في كانون الأول 2005 و
تدرج في المسؤوليات حتى وصل الى
ما يسمى عضو قيادة قومية و نائب
رئيس الجمهورية، فهو إذن يتحمل
المسؤولية حسب المواقع و
المناصب التي تقلدها، وبغض
النظر عن دوره في صنع القرار.
و يتحمل مسؤولية
هامة في نقل السلطة الى بشار
الأسد و التحول الجمهورية
الوراثية الأولى، عندما وقع على
تعديل الدستور و الذي يعتبر حسب
وجهة نظرنا غير دستوري لأنه
خارج عن صلاحيات النائب المؤقته
و المحددة، لأن التعديل لا يصبح
ساري المفعول و يدخل في صلب
الدستور إلا بتوقيع الرئيس
حصراً. فمساهمات و دور خدام في
النظام ليست امور عابرة أو
شكلية و أنما قضايا كبيرة و
جوهرية.
ان تعدد وجهات
النظر حول الأشخاص و أساليب
العمل أمر طبيعي, و ليس مرفوضاً
بل هو ظاهرة صحية اذا راعت
المصالح العامة، و الخلاف في
الرأي لا يفسد للود قضية و ندرك
جيداً حساسية الموضوع و قساوة
الماضي و ما الحقه النظام
بالألوف، لا يمكن مسحه بجرة قلم
فهذا قتل أهله و آخر فقد أبنائه،
و من قطعت يده أو فقد ساقه أو
فقئت عينه و من هدم بيته، وما
خلفه من يتامى و يتيمات و لكن
علينا ان نبعد الآلام و
الذكريات الى الخلف من ساحة
الشعور و لكي لا يساء فهمنا و
بان موقفنا في معرض الدفاع, و
لغرض الأيضاح. لقد اصابنا الأذى
و التعذيب و السجن و التشرد منذ
أكثر من أربعة عقود، وفقدنا
العديد من الإقرباء و الإحباء
ولازلنا ننتظر المفقودين منهم و
معارضتنا ليست ترفاً فكرياً أو
سعياً وراء وجاهة شكلية لا تسمن
ولا تغني من جوع.
و بموازاة الحقوق
العامة نحمله مسؤوليات خاصة
لمساهمته السياسية في 23 شباط 1966
عندما أستخدمت القوة العسكرية
للإنقلاب على حزب البعث و فرض
قيادة و أفكار بعيدة عن تطلعات
الشعب و تتناقض مع مبادئ و دستور
الحزب بالديموقراطية و النظام
البرلماني، وانتهاك الأساليب
المرعية داخل المؤسسات مما اساء
الى سمعة الحزب و مناضليه.
فكان هذا الإنقلاب
خطوة أساسية و هامة على طريق
اقامة نظام استبدادي يعتمد
الطائفية السياسية منهجاً
وسلوكاً و أستبيحت الحرمات
الخاصة و العامة و أستكملت
حلقاته بأنقلاب 16 تشرين ثاني 1970
و الذي يعيش تحت وطأته و
أفرازاته الوطن والمواطن.
ورغم كل ما ذكر فإن
حب الوطن و أدراكنا للأخطار و
حقيقة الصراع بين واقع مرير و
ضرورة إنقاذ المصير، يجعلنا
نسمو فوق جراحنا و آلامنا بشكل
عقلاني و الأبتعاد ما أمكن عن
الغرائز و دوافع الثأر و
الإنتقام بعد أنشقاقه ارادياً و
بقرار ذاتي و أختياره الوطن
الذي نعمل له جميعاً, لإنّ
الساعة الآن للخلاص و ليست ساعة
قصاص.
ان الموافقة على
التعاون معه تمليها جوانب
مبدئية و أخلاقية و ضرورات
عملية مشروعة، فإعلان دمشق خاطب
بعثيي السلطة للأنضمام الى
المعارضة و الجانب الأخلاقي
يوجب الوفاء بالإلتزام الذي
قطعته المعارضة على نفسها.
كما أن الضرورات
الوطنية توجب الإستفادة و توظيف
كافة الأمكانات السياسية و
الإعلامية، فعمله في صفوف
المعارضة أمر مبرر و مشروع وحق
له و واجب عليه, و ان الأعتراض لا
مبرر له لأن العمل لقضية وطنية و
ولادة جديدة كبرى تحتاج الى
كافة الجهود.
ان الإلحاح على
إعتذاره من قبل البعض و عدم
رضاهم عن إعتذاره الضمني من
خلال نقده للمرحلة السابقة و
الذي ورد في لقاءاته الصحفيه و
عبر الاقنية الفضائية، هو كلمة
حق يراد بها باطل, فتركه للسلطة
مختاراً يعتبر تراجعاً عن الخطأ
و هو خير من التمادي فيه.
ان تعاون المعارضة
السوريه مع خصم سياسي و عقائدي
سابق و الإنتقال من الصراع الى
الإتفاق ليست الحالة الفريدة في
تاريخ العمل السياسي ، فكما
يقال في السياسة لا توجد عداوة
دائمة أو صداقة دائمة و يفترض ان
يكون الثابت الوحيد في الشقاق و
الوفاق هو المصلحة الوطنية,
فهذه الحالة ليست فريدة أو
الأولى من نوعها فكثير من
المعارضات بل الدعوات الدينية و
منها الإسلام الحنيف قد مرّ بها.
ألم يقل الرسول يوم
فتح مكه للناس بأن من دخل بيت
ابي سفيان فهو آمن رغم ايذائه
الرسول و مشاركته في قتاله و
تمويل الغزوات ضد المسلمين. و
لكي لا نغوص في التاريخ العام
القريب والبعيد و نبقى في تاريخ
المعارضة السوريه، ألم تقم جبهة
ضد النظام عام 1967 بين حزب البعث
و القوميين العرب و الأشتراكيين
العرب و الناصريين ... في أعقاب
الصراع الذي أعقب 8 آذار؟
و تشكل التحالف
الوطني لتحرير سوريه في آذار
عام 1982 ضم بالإضافة الى لما سبق
ذكره الأخوان المسلمين، وبدعم
من قيادات شيوعية معروفة، أليس
هذا التحالف جمع المتخاصمين و
توصلوا الى ميثاق عمل موحد.
و في عام 1989 ألم
تشكل جبهة الإنقاذ الوطني
لتحرير سوريه من التحالف السابق
بالإضافة لفصيل من جماعة صلاح
جديد و على رأسهم خالد الجندي و
مصلح سالم؟ عندما أقتضت المصلحة
العامة تناسي الخلافات و
الإرتقاء بالعمل الى مستوى
المسؤولية الوطنية لتكون هي
الأساس فأذا كانت الواقعية
المبدئية و الحاجة الوطنية جمعت
في الماضي خصوم الأمس، فإن
الضرورة حالياً هي أشد و أكثر
إلحاحاً لما يتعرض له الوطن من
مخاطر جراء سياسات النظام، تصل
الى درجة الوجوب لإنقاذ الشعب
مما يعانيه من فقر و بطالة و
تجويع و إنتهاك للكرامة و ظلم و
مصادرة لحرياته, و المخاطر التي
تتعرض لها البلاد بسبب إصراره
على السياسات المنحرفة, و نظرته
الى السلطة بأنها الغاية و
الوطن و مقدراته هو الوسيلة.
و هذا يفرض على
المعترضين ان يجيبوا على السؤال
الكبير و الهام هل الخطر الحالي
و المستقبلي هو عبد الحليم خدام
أم النظام ؟
و على ضوء الإجابة
يجب ان تحدد بدقة اولوية
الأهداف و التي في مقدمتها:
- شعار التغيير
الجذري و الإنتقال الى نظام
الحرية و الديموقراطية و
التعددية و المساواة و المواطنة
الحقيقية، و تحريم الفكر
الشمولي أيا كان مصدره و تحت أي
ستار، و أن لا يعلو عليه صوت و لا
يرفع فوقه شعار.
- الإلتزام
الأخلاقي بدعوات المعارضة
المتتالية و منها إعلان دمشق مع
كل من ينشق عن النظام و يناى
بنفسه عنه و الذي دعى بعثيي
السلطة للإنضمام الى المعارضة،
و الإبتعاد عن التزمت و التعصب
خدمة للمصلحة الوطنية،
فالمعارضة أمام إمتحان لصدقها و
بين يديها أوضح مثال تقدمه عن
كيفية التعامل مع عبد الحليم
خدام.
ان التعامل بروح
ايجابية بعيدة عن الإنفعال و
الجمود قد تشجع آخرين لفك
إرتباطه بالنظام و تفكيك بنيته،
ليجدوا صدور أخوتهم في المعارضة
رحبة واسعة و أنهم أخوة و أعمام
كرام لهم. و علينا تجاوز البكاء
على الأطلال، و عدم الإهتمام
بما يشيعه عملاء النظام الذين
يعملون معه سراً و علانيةً.
-تجنب ردود الأفعال
مع كافة الفصائل الوطنية وبشكل
خاص مع إعلان دمشق و مراعاة
الظروف التي يتعرض لها بعض
الموقعين و الإختراقات التي
تسعى لها السلطات السوريه، و
فضح الباحثين عن أدوار شخصية
ولو كانت في خدمة الشيطان، بعد
ان تبين الخيط الأبيض من
الأسود، والحفاظ على الحركة و
الإتجاه الرئيسي للوصول الى
الهدف.
-
التشجيع على تجمع فصائل
المعارضة الصادقة، و التنسيق
معها و العمل على توحيدها ولم
شملها، و عدم إفساح المجال
للتنافس السلبي بين جبهة الخلاص
و أي فصيل معارض، و تجنب المعارك
الجانبية ما أمكن لإنها تحول
مجرى الصراع و تحرفه عن اهدافه و
تشتت و تبعثر الجهود والتي
ستكون محصلتها في خدمة النظام و
أن إختلفت النوايا. ان التغيير
مخاض عسير لولادة تاريخية كبرى
يحتاج الى جهود جبارة من جميع
المحبين و المخلصين لوطنهم, و
المؤمنين بحرية المواطن و
كرامته.
-
توضيح دور المعارضة بأنها
ليست البديل، و لا يمكن لإي كان
ان يدّعي بهذا الحق، أو إنه يمثل
الشعب، ولا يوجد من هو قادراً
على حسم المعركة لصالحه و
الإستيلاء على السلطة. و ان
وظيفة المعارضة هو تحمل
المسؤولية في إدارة الصراع و
التضحية وقيادة المعركة على
كافة المستويات التعبوية و
السياسية و الإعلامية لإقامة
نظام يمثل إرادة المجتمع و
يحترم حقوق الإنسان و يتلاءم مع
روح العصر فكراً وتشريعا عن
طريق الإنتخاب الحرً.
-
العمل على عقد مؤتمر موسع
بأسرع وقت يشمل معظم أطياف
المعارضة لإن عقد مؤتمر عام و
شامل و ان كان هدفاً و لكنه غاية
لا تدرك في هذه الظروف.
-
تشكيل لجنة اتصال خارجي مع
الجامعة العربية و دولها لشرح
واقع الحياة السياسية و
الإقتصادية و الإجتماعية في
سوريه و مخاطر إستمرار النظام،
و الإتصال مع الدول الأجنبية
لوقف دعمها للنظام المعادي
للحرية و حقوق الإنسان.
-
وضع آليه عملية لتحريك
الشارع و كسب ثقة الجماهير لملئ
الفراغ السياسي الذي يطمئن
المواطن على مستقبله و عدم
وقوعه في الفوضى التي يروج لها
النظام و يخوفه منها.
ان الإرتباك و
الرعب و القلق من المجهول يسود
المؤسسة الحاكمة، رغم تظاهرها
بنشوة الظفر بأنها قد خرجت من
عنق الزجاجة وتجاوزت الأزمات
التي تعصف بها بسبب الإضطراب في
العراق و الملف النووي الإيراني
و تعثر الحوار في لبنان و أبتعاد
التحقيق في أغتيال الحريري عن
دائرة الأعلام الضاغط عليها,
والعمل على إستغلال الظروف
لإرباك المعارضة بزرع الشكوك
فيما بينها. و بعمى بصر و بصيره
يستمر النظام على نهجه المدمر و
يتعامل مع المستقبل بعقلية
الماضي بمحاولة يائسة
للإستفادة من عامل الزمن
لإلتقاط أنفاسه و ترتيب أوضاعه
الداخلية بإعادة إستخدام
القبضة الحديدية لتعطيل حركة
التململ و الغليان الذي يسود
سوريه، بالإعتقالات و ملاحقة
نشطاء حقوق الإنسان و دعاة
الديموقراطية جاهلاً بان ساعة
اسدال الستار على الفصل الأخير
قد حانت، لعدم استيعابه الدروس
المستفادة من المستجدات
الدولية، و الإبتعاد عن
المراوغة و المناورة و التشبث
بالسلطة و الإستهتار بمصير
البلاد.
مما يؤكد على جهل او
عجز المسؤولين عن مراجعة
أفكارهم وسياساتهم و ممارساتهم
و انهم غير مؤهلين و قاصرين على
فهم العلوم و الظواهر السياسية،
التي ولدت أنفصاماً بين
مفاهيمهم و متطلبات المجتمع و
حاجاته، وعدم الإرتقاء بالعقل
الى مستوى التحليل العلمي
للواقع و حركته و متغيراته و
تشخيصها و استنتاج الأفكار
لحلها و تحويلها الى تشريعات و
سياسات جديدة للخروج من الأزمات.
لأن فلسفة النظام
تقوم على ان السلطة هي الغاية
وان الوطن و مصالحه هو الوسيلة،
دون ان يعي بهزيمة الفكر
الشمولي و النماذج الستالينية
عالمياً منذ سقوط جدار برلين
والمعسكر الإشتراكي و انهيار
الإتحاد السوفيتي .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|