خـدام
والإخــوان
الدكتور
خالد الاحمـد *
نحن
معشر المدرسين ، تعودنا على
الإعـادة ، وطلابنا عودونا على
قولهم في الإعـادة إفـادة ،
والمدرس الحصيف ، تنضج أفكاره ،
وتزداد وضوحاً ، ومنطقية ، في كل
إعـادة ....
في
البدايـة قناعتي الخاصة أن
النظام السوري استخدم كل أوراقه
، ومخزوناته السياسية ، كي يشـق
صف الإخوان المسلمين السوريين ،
بعد أن كواه تعاملهم مع السيد
خـدام ، خـدام الذي جعل مجلس
الشعب السوري يفقـد مابقي لديـه
من أعصاب ، فينقل للعالم على
الهواء مباشرة ( الهسـتريا )
التي دبت في النظام السوري عند
إعلان خـدام عن انشقاقـه ،
ويركز الآن النظام على الشارع
السوري ، ليبعده عن تأييد
الإخوان المسلمين ، ويتذرع
بتعاملهم مع (فاسـد) مثل خدام ـ
كما يقول النظام ـ وقد نسـي أو
تناسـى النظام ومطبلوه ومزمروه
أنهم تعاملوا مع السيد خدام مدة
أربعين ســنة أو تـزيـد ، وما
كانوا يرونـه ( فاسـداً ) خلال
تلك المـدة الطويلـة ، بل كان
نائباً لرئيس الجمهورية ،
والنظام لايخجل من تناقضاته
المضحكـة ، لسبب واحد وهو أنه
لايخجل ... واليوم قامت قيامتهم
عندما تعامل خـدام مع الإخوان
المسلمين منذ بضعة شـهور ..
وكما
سمعت من خلال الفضائيات من
فضيلة الأخ علي صدر الدين
البيانوني ، وما قرأتـه في
مواقع الانترنت ألخص موقف
الإخوان المسلمين من السيد عبد
الحليم خدام بما يلي :
1-
لايحكم الاخوان على أحـد
بالفساد ، ويقولون نحن دعاة
ولسنا قضـاة ، أما القاضي الحـر
النـزيـه ، فهو الذي يحكم بنـاء
على الأدلـة ، لذلك يتوقفون
فيما يشاع ضد السيد عبد الحليم
خدام ، ويكلون ذلك إلى القضـاء
الحـر النـزيـه ..
2-
القضية الأساسية التي لا
يجادل فيها اثنان أن السيد خدام
( خدم ) الطاغية حافظ الأسـد أكثر
من ثلاثة عقود ، وكان من أركان
النظام السياسي ـ وليس العسكري
ـ أو الأمنـي ـ البارزين ... وهذه
التي يقول عنها خدام : لقد وقفت
في صف الوطن ، وتركت صف النظام ،
بعد أن تحقق له أن النظام يعادي
الوطن ... ويقول أنه حاول كثيراً
طرح مشاريع للإصلاح السياسي ،
ولكن جميع المؤسسات الحزبية
والسياسية ، وحتى القيادة
القطريـة كانت ومازالت مهمشـة ،
وكانت القيادة الفعلية للرئيس
حافظ الأسد ، ثم للمؤسسات
الأمنية بعد وفاتـه ...
هذه
المقولـة ينطبق عليها المثل : أن
تصل متأخراً خير من أن لاتصل
أبداً ، وخدام أدرك ـ ولو بعد
ثلاثة عقود ـ أن النظام الأسدي
يقف ضـد الوطـن ، وعندما أدرك
ذلك ، ترك صف النظام ، ووقف في صف
الوطن ضـد النظـام ...وكان لهذا
الموقف الشجاع منه أثـر سلبي
كبير جداً على النظام ، ظهر ذلك
بشكل سافر في ( هستريا ) ما يسمى
بمجلس الشعب السوري ... وأعتقد أن
خدام صادق في قولـه : ساهمت في
بنـاء النظام ، وأعرف كيف
أفككـه ، وأعتقد أنـه سوف يفعل
ذلك بمهارة لأنـه خبير بالنظام
... وعندما يتكرر موقف خدام من
عدد من رموز النظام ؛ سوف يسقط
النظام الطاغي ...
3-
أما تعامل الإخوان معـه
فيمكن فهمـه من خلال الأمور
التالية :
1-
شخصية كبيرة من أركان
النظام السياسي ، تمـد يـدها
للتعاون معهم وتعلن أنها وقفت
في صف الوطن ضد النظام ...
2-
أعلن الإخوان وغيرهم من
فصائل المعارضة أنهم اختاروا
طريق التغيير السلمي لهذا
النظام الفاسـد ، ويبدو أن أفضل
سبل هذا التغيير السلمي هي
انشقاق عدد من رموزه ،
وانحيازهم لصف الوطن ، وبالتالي
يهرب أفراد العائلة الحاكمة ،
ويلحقون أرصدتهم في البنوك
الغربية التي سرقوها من قـوت
الشعب السوري ... وقد تكون هذه
الحجـة الأقوى لـدى الإخوان
المسلمين ، وهي أن قبولهم للسيد
خدام في صفوفهم هو إعلان عملي
لكل رموز النظام كي ينشقوا
ويتركوا هذا النظام الفاسـد ،
وخاصة البعثيين والعلويين
الشرفاء ( مدنيون وعسكريون )
والذين يشكل انشقاقهم عن
النظام ؛
المسمار الأخير في نعش النظام
الفاسد ..
3-
أعلن الإخوان أن تعاملهم مع
السيد خدام لايعطيه شهادة حسن
سلوك ، ولابراءة ذمـة ،
والإخوان لايوزعون ( صكوك
الغفران ) ، ولاشهادت الانتماء
إلى المعارضة ، لأن المعارضة حق
لكل مواطن سوري يريد أن يخدم
وطنـه ويحميـه من هذا النظام
الفاسـد ...
4-
يتضح أن التحالف السياسي
يقوم على المصلحة ، ولايقوم على
المبادئ ، وحماس فصيل من
الإخوان المسلمين ، ويجوز لها (
سياسياً ) أن تتحالف مع أي نظام
حكم إقليمي ، يقدم لها العون
والدعم ليقوم مشروعها الإسلامي
في الحكم ، مع الحـذر الشديد ،
لأنها تتعامل مع فرقاء عرف عنهم
الغـدر والمكر والباطنية ...
والإخوان
المسلمون السوريون يتحالفون مع
فرقاء يختلفون معهم في المبادئ
كالماركسيين ، ويتحالفون معهم
منذ أكثر من عقد من الزمن ، ولم
يهاجم الجماعة على تعاملها مع
الماركسيين ؛
إلا المتخلفون في العمل
السياسي ... واليوم تتحالف
الجماعة مع السيد خدام ، أو قل
مع البعثيين الشرفاء ، فما هو
وجـه الغرابـة في ذلك !!؟
لقد تحالف الشيخ الدكتور
مصطفى السباعي يرحمه الله مؤسس
الإخوان المسلمين في سوريا ،
تحالف مع النواب البعثيين في
مجلس النواب السوري خلال
الخمسينات ، عندما كان
الشيوعيون أقوياء ، وكانوا
يقتربون من استلام الحكم في
سوريا بدعـم مباشر من الاتحاد
السوفياتي يومذاك ، تحالف
الإخوان المسلمون مع البعثيين
في المجلس النيابي تحت اسم [
الكتلة الاشتراكية الاسلامية ]
... كما تحالف الإخوان المسلمون
مع البعثيين القوميين المنشقين
عن حافظ الأسد عام (1982 ) عندما
أنشأوا التحالف الوطني للشعب
السوري ، فما وجـه الغرابـة في
تحالف الإخوان اليوم مع السيد
عبد الحليم خدام ؟
5-
ويكرس النظام جهوده للفصل
بين الشارع السوري ، وبين
الإخوان المسلمين ، كما ركز
جهوده للفصل بين المعارضة في
الداخل ، والإخوان المسلمين ،
ولكن تبين أن رموز المعارضة في
الداخل مثل الأستاذ ميشيل كيلو
، والأستاذ المحامي حسن عبد
العظيم ، والسياسي المخضرم رياض
الترك ، والأستاذ هيثم المالح ،
وغيرهم أكبر بكثير من أن يؤثـر
النظام في موقفهم ، وقد أفصحوا
عن موقفهم من جبهة الخلاص بشكل
موضوعي وهادئ ، وقالوا أن هذه
الجبهة تمثل المشاركين فيها ،
ولاتمثل إعلان دمشق ، ولم ينكر
الأخ البيانوني ذلك ، بل كان
سباقاً إلى إعلانـه ...
6-
بقي الشارع السوري الذي
عقدت لسانه الدهشـة : كيف يتعامل
الإخوان ( المشايخ الطيبون ) مع
فاسد مثل السيد خدام ، وهذا يدل
على حسن ظن الشارع السوري
بجماعة الإخوان ، والجماعة تدعو
الله عزوجل أن يجعلها عند حسن ظن
الشارع السوري بها ، وتدعو عامة
الشعب السوري إلى تشجيع رموز
النظام السوري على الانشقاق عن
هذا النظام الفاسد ، لأن هذا هو
طريق التغيير السلمي ...وتذكر
الشعب السوري أن الله سبحانه
وتعالى ترك باب التوبـة مفتوحاً
للمسلم حتى تغرغر روحه ( أي قبيل
الموت بلحظات ، عندما يتأكد
الموت ) ، وعندما يعمل السيد
خدام على تخليص الشعب السوري من
هذا النظام المستبد الظالم الذي
أهلك الحرث والنسل ، ويأخذ
سبحانه وتعالى بيـده ، فإنـه
يقـدم للشعب السوري خدمـات عجزت
المعارضة السورية مجتمعة على أن
تقدم مثلها ... ونسأل الله عزوجل
أن يعينـه على ذلك ...
وفي
الختام أتمنى على المعارضة
السورية أن تتجاوز قضية خدام ،
وتفكر في انشقاق آخرين غيره ،
وتمـد لهم يـد القبول والترحيب
في المعارضة ، وأن تفكر في طريق
التغيير السلمي الذي لم يتضـح
أمامنا بـعد ... والله على كل شيء
قدير ....
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|