من
أحقّ بلقب السيدة الأولى في
سوريا ؟
تعليقاً
على خبر (عراك نسائي في قصر
الأسد)
د.
هشـام الشـامي
طالعتنا الأخبار
بخبر هام مثير ، و موضوع عاجل
خطير ، و قضيّة الزمن الأخير ،
أن خلافاً نشب في قصر الأسد
الهصور ، بين المرأة الحديدية
بشرى ، ابنة حافظ الكبرى ، و
المرأة الذهبية أسماء ، زوجة
الرئيس الغراء ، و أم الأمل
الجديد ، حافظ الثاني المجيد .
و القضية يا سادة ،
أن بشرى حافظ الأسد ، تحارب
أسماء فواز الأخرس ، و ترفض
الاعتراف بها سيدة القصر الأولى
، و بالتالي سيدة سوريا الكبرى ،
و تعتبرها دخيلة على هذا القصر
– الذي بناه آل الأسد بدماء و
عرق و بترول شعب سوريا و يحظر
على غير آل الأسد و حاشيتهم
دخوله – و غريبة عن تلك العائلة
المقدسة ، و هناك من هي أولى بها
من هذا اللقب ، و تشير بذلك إلى
نفسها ، أو على الأقل إلى أمها
أنيسة مخلوف ، و هذا ما حصل
فعلاً ، عندما عادت السيدة
أنيسة للظهور بعد غياب طويل ، في
افتتاح المؤتمر العام للاتحاد
النسائي الأخير، الذي عقد تحت
إشراف السيدة الأولى أنيسة
مخلوف ؛ و أن السيدة بشرى تحاول
جاهدة منع التغطية
الإعلامية لنشاطات السيدة
أسماء الاجتماعية التي كثرت
أخيراً ، و التي عقدت برعاية
زوجة الرئيس الشابة المنفتحة و
المثقفة و النشيطة ؛ و قد تطور
الخلاف و ظهر إلى العلن ، في
انتخابات الغرفة التجارية
الأخيرة ، عندما دعمت السيدة
بشرى قائمة ابن خالها التاجر
الملياردير رامي مخلوف ، بينما
دعمت السيدة أسماء قائمة تاجر
أخر من أقربائها من آل الأخرس ،
و انتهت بفوز قائمة مخلوف ( الذي
كان أكرم بتقديم الهدايا ،
فأشترى كل صوت بجهاز هاتف محمول
حديث ) على قائمة الأخرس .
و هذه الأخبار التي
لخصتها بالأسطر السابقة ، حركت
عندي – و لا بد أنها ستحرك عند
كل سوري حريص على وطنه –
تساؤلات عديدة ، و استفسارات
جديدة ، حول أحقية إحدى السيدات
الثلاث بهذا اللقب العزيز على
قلوبنا جميعاً .
وبداية لا بد أن
نعدد مؤهلات كل سيدة منهن ، و
إمكانياتها المتاحة ، حتى يسهل
علينا في ضوء ذلك تفضيل واحدة
منهن على الأخرى في حال أخذ
رأينا في هذا الأمر الهام
والخطير.
و احتراماً للسن –
ليس إلا - سنبدأ بأكبرهن سناً
فالأصغر فالأصغر .
1- السيدة أنيسة
مخلوف : زوجة الرئيس الراحل حافظ
الأسد الوحيدة ، و أم أولاده ، و
رفيقة دربه الطويل ، و كفاحه
المرير ، منذ خرج من ريف
اللاذقية الفقير ،ضابطاً
صغيراً في سلاح الجو ، و دخل
معمعة السياسة ، و شق طريقه نحو
الرئاسة ، مستخدماً كل المحرمات
و الموبقات و المؤامرات ، في
سبيل ذلك الهدف الغالي ، و الحلم
العالي ، الذي سهر من أجله
الليالي ، يخطط و يدبر ، و يرسم و
يحيك و يقرر ، فجعل من الجيش و
الحزب وسيلة مركوبة ، و السلطة
المطلقة غاية مطلوبة ، و ذاقت
معه طعم الغربة (أيام الوحدة مع
مصر) ، و مذاق الاعتقال (عندما
اعتقل في مصر إثر الانفصال ) و ثم
التسريح من الجيش ( عندما سرحه
الانفصاليون و عينوه بوظيفة
مدنية)، ثم حياكة المؤامرات و
الانقلابات منذ انقلاب الثامن
من آذار من عام 1963م (الذي كان
للأسد دور هام فيه و الذي شكل
نقطة تحول كبيرة في حياة حافظ و
الأسرة نحو حلمه الكبير ، و هدفه
المثير) حيث بدأ يقفز في سلم
الترفيعات ، فرُفع من نقيب إلى
مقدم وسُلم أمر قاعدة الضمير
الجوية ،ثم رُفع ثانية و أصبح
قائداً للقوى الجوية ، ثم بعد
انقلاب شباط 1966 رفع إلى لواء و
أصبح وزيراً للدفاع و قائداً
للقوى الجوية ، و بعد هزيمة
حزيران 1967 المخزية و إعلانه
سقوط القنيطرة ، ببلاغ مريب ،
قبل دخول اليهود إليها بأكثر من
أربع و عشرين ساعة. كوفئ و مُهد
له الطريق ، نحو الرئاسة الأولى
، و بدأ بمحاصرة منافسه و رفيق
دربه و كفاحه صلاح الجديد و
رجاله ، حتى انقلب عليهم ، و
أودعهم السجن و شردهم في
المنافي حتى الممات . و وصل بعد
هذا المسير الخطير لحلمه الكبير
في 16تشرين الثاني 1970م .
كما شهدت معه بعد
ذلك تصفية خصومه ، و إرهاب شعبه
بالمجازر و السجون و المعتقلات
و النفي و الإقصاء حتى أصبح
الزعيم الوحيد الأوحد الذي يأمر
و ينهي دون تذمر أو اعتراض .
و بعد مجزرة حماة
الكبرى في شباط من عام 1982م حين
دكها على مدى شهر كامل
بالدبابات ، و القنابل و
الراجمات ، و الصواريخ و
الطائرات ، وقتل أكثر من ثلاثين
ألفاً من أبنائها الآمنين
المسالمين ، و شرد و سجن أضعافهم
، و بعد أن أرهب الناس و أخرسهم ،
بدأ بتحضير ابنه الكبير باسل
لوراثته ، وعندما شعر أخوه و
ساعده الأيمن رفعت بذلك انقلب
عليه ، لكن حافظ حل قواته ( سرايا
الدفاع ) و نفاه خارج القطر، و
لكن باسل مات في حادث سير في
أوائل عام 1994م ، فأسرع باستدعاء
ولده الثاني من لندن الدكتور
بشار ، ليتابع المشوار ، و يرث
الكرسي الذي أصبح لآل الأسد
حكراً ، بل لعائلة حافظ حصراً .
و شهدت وفاة الأسد
الأب بعد ثلاثة عقود من الحكم ،
و تعديل الدستور السوري بلمسة
سحرية ليصبح ولدها بشار ،
رئيساً للبلاد ، و تم لحافظ ما
أراد ، رغم أنف من لم يرد و من
أراد .
بعد كل هذا المشوار
الصعب و الطريق الطويل ، ألا يحق
لتلك السيدة المخضرمة أن تبقى
متربعة على كرسي السيدة الأولى
رغم أن عمرها تجاوز السبع عقود ،
و شاخت و خارت قواها ، و رغم أنها
غير متعلمة و ليست خريجة جامعات
السوربون و لا حتى جامعة تشرين ،
و أنها كانت مهمشة في عهد زوجها
و بعيدة عن الأضواء ، و قلما
ظهرت برفقة زوجها في
الاستقبالات و التوديعات و
المراسم و الاحتفالات و الرحل و
الزيارات .
ألا يحق لتلك
السيدة أن تعوض ما فاتها من عهد
زوجها في عهد ابنها وقرة عينيها
المحروس ، أما للذين يحاولون
وهن عزيمة الأمة و يزعمون أنها
ضعيفة و جاهلة و لا تقدر على
تحمل المسؤولية فنقول : أي ضعف
هذا ؟ و هي التي نشلت أخاها محمد
مخلوف ؟، الموظف المنتوف ، من
مؤسسة التبغ في اللاذقية ، حيث
كان يعمل بمرتب هزيل ، حتى أصبح
هو و أولاده من أغنى الأغنياء في
هذه المعمورة و ليس فقط في سوريا
الفقيرة . و بإرادتها وجهودها
أصبح أخاها محمد و أولاده و آل
مخلوف العائلة الثانية من حيث
الأهمية بعد آل الأسد في
شامستان .
2- بشرى حافظ الأسد :
ابنة الرئيس الراحل الوحيدة ، و
بكر أبناءه ، خريجة كلية
الصيدلة بدمشق ، وزوجة الرجل
القوي في النظام آصف شوكت ، رئيس
المخابرات العسكرية ، أقوى جهاز
من أجهزة المخابرات الكثيرة في
سوريا ، الرجل الطموح الذي خرج
من بيت فقير في قرى طرطوس ، و رغم
أنه متزوج و كثير العيال ،
استطاع إيقاع بشرى التي تصغره
بسنوات عديدة في حباله ، و عندما
رفض حافظ و باسل زواجهما ، قرر
خطفها ، و وضع حافظ الرئيس الذي
أرعب سوريا كلها تحت الأمر
الواقع ، حيث رضخ الرئيس لهذا
الضابط المغامر ، و اعترف
بزواجهما مكرهاً ، و يقال أنها
المرأة الحديدية التي تحكم في
سوريا مع زوجها من وراء ستار ؛ و
هي في نهاية العقد الرابع من
العمر .و كانت يافعة فتية عندما
أصبح والدها حاكم سوريا المطلق
، و عاشرت حزمه و شدته و سطوته
على شعبه ، و ضعفه و لينه و
سياسته و حكمته !! مع أعداء الشعب
و الوطن .
3- أسماء فواز
الأخرس : زوجة الرئيس الشابة ، و
أم ولديه ، و خريجة الجامعات
اللندنية ، و الحاصلة على
الجنسية البريطانية ، أبوها
طبيب قلب شهير في لندن ، و أمها
دبلوماسية كانت تعمل في السفارة
السورية هناك ، تعرف عليها
الرئيس أثناء دراسته في لندن ، و
تزوجها بعد وفاة والده و
استلامه السلطة في شامستان ،
وهي في بداية العقد الثالث من
عمرها ؛ و
صحيح أنها عاشت و تربت خارج
الوطن ، و لم تنعم بجنة الأسد
الأب !!، و لم تحفظ أناشيد طلائع
البعث ، و لا قصائد شبيبة الثورة
، و لا أهازيج الإتحاد الوطني
لطلبة سوريا ، و لا رقصات
الإتحاد النسائي العام ، لكنها
كانت بجانب زوجها في الأزمات
العصيبة و ساعات المصيبة التي
مر بها أثناء التحقيق معه في
جريمة اغتيال الحريري من قبل
لجنة التحقيق الدولية .
بعد هذه اللمحة
الموجزة عن سيداتنا الثلاث ،
ألا تجدون أنه من الصعب علينا
الاختيار بينهن ، و المشكلة أن
الرئيس الراحل ، و الزعيم
الملهم الخالد ، الذي عودنا أن
يحل لنا مشاكلنا كلها ، و لا
يشغل فكرنا و بالنا بشيء ، لكي
نحصر تفكيرنا ، و نركز جهدنا
برغيف عيشنا و رزق عيالنا ، و هو
يتكفل بكل شيء بعد ذلك ، قد توفي
قبل أن يوصي بمن ستكون السيدة
الأولى بعد وفاته ، ربما لأنه
انشغل بالتحضير لخليفته ، أو
ربما تعمد أن يفعل ذلك ، حتى
يشعرنا بعظم الخدمة التي أسداها
إلينا ؛ عندما جهز ولده بشار
لخلافته كي لا نقع بمشكلة أكبر
لا نقدر نحن الرعاع على حلها .
و من هذا المنطلق ،
و درءاً للمشاكل ، و تجنباً لشد
الشعر و رمي ( الصرامي و
الشحاحيط ) و الفضائح القومية و
الإهانات الوطنية ، نقترح إجراء
انتخابات ديموقراطية متعددة ،
ترشح لها السيدات الثلاث ،
ليقرر الشعب – رجالاً و نساء –
و من خلال صناديق الاقتراع ، و
لأول مرة في العالم من ستكون
السيدة الأولى في جمهوراثية
أسدستان العظيمة .
و حتى توافق
القيادة التاريخية على هذا
الموضوع ، و ترتب ظروف الترشيح و
الانتخابات ، وحتى تصل لجنة
خاصة من الأمم المتحدة لتشرف
على الاقتراع ، و تتابع سير
العملية الانتخابية ، نرجو من
الأخوة السوريين إبداء رأيهم و
اقتراحاتهم في هكذا أمر بكل
حرية و شفافية و مسؤولية و هذا
ما يسمى استطلاعات الرأي في
الدول المتحضرة .
و عاشت شامستان
جمهوراثية أسدية أبدية ....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|