المعارضة
السورية ... وخدام...
الفرصة
المفيدة
د.نصر
حسن
كان ولازال النظام الإستبدادي في
سورية يسير حثيثاً وبخطوات
متتابعة نحو الفردية والتمادي
بالإستبداد وإهانة العباد ,أوصلته
الظروف أو هو أوصل الظروف إلى
ماوصلت إليه, وأصر
على المشي بطريق بشع شديد
الإصفرار حيناً والإحمرار
حيناً والسواد في معظم الأحيان ,
وباهظ التكاليف الوطنية
والقومية والإنسانية , كأن
الزمن في سورية يسيرعكس قوانين
الطبيعة المألوفة , أي أنه يتحرك
مكوكيا ً ودوريا ً وخطيا ً بين
اللحظة الراهنة ونقطة البدء قبل
أكثر من أربعين عاما ً بحركة
منشارية كادت أو تكاد أن تقص
شجرة الحياة وتوقف حركة وحياة
المجتمع على شتى المسارات ,
الإستبداد في حالة
استمراروتناوب الإجترارالمخزي
والمعيب عاريا ً هذه المرة بدون
غطاء , ولعل الوريث الذي أخفى
وحشية الأب بملامح
شاب صوّرها على أنها
إنسانية لضرورة التجديد الكاذب
في الشكل والمضمون وتثبيت واقع
الحال المرير, وما إن سادت
الألفة بينه وبين رعب السلطة أو
ظهوره على حقيقته الدامية ,ألفة
شب فيها ومعها وتأقلم بسرعة مع
طقوسها وضرورات الوضع الوراثي
الجديد فيها , فبدأت تتضح فيه
معالم الأب المفرطة بالعنف
والخيار الأمني المذل للشعب ,
والرقص على الحبال المتقطعة
أمام متفرج وحيد هذه المرة
وكأنه يريد أن يقول أنه إذا ولى
زمن التوازنات , جاء زمن
الإستمرار في الهزائم
والتنازلات , وأنه قادر على
الرقص والتوازن على أنغام
الإرهاب والحرائق المشتعلة هنا
وهناك , والعمل على تفتيت الصف
الفلسطيني عن طريق تشويه وسرقة
نجاح التيار الإسلامي بهذه
النسبة أو تلك
في فلسطين , وعشق التدين على
الطريقة الفارسية وإعدامها على
الطريقة العربية , سلوك بائس دفع
ويدفع الشعب ضريبتة , وطريق
منحرف مليء بالعذاب الإنساني ,
باختصار كان هدف حافظ أسد بدأ في
رأسه قبل أن يساعده الشياطين
والظروف والأقدار والصغار
والكبار على أن يصل إلى السلطة
الملعونة وموقع القرار, وكأن
كبر الرأس وتفلطحة كان يوحي
بكبر الكارثة وينبئ بما فيه من
أشرار وأثام وانحراف وخطايا بحق
الشعب في سورية .
ولعل مصيبة المصائب هو وصول فرد
بمواصفات شريرة هائلة إلى موقع
القرار , عندها يتحول إلى طاغية
في الشر والظلم والقمع والرذيلة
وهذا ماحصل ويحصل على الدوام ,
صورة الفرد الطاغية أصبحت هي
الحقيقة المخيفة في الواقع
والحلم , في الواقع قسوة وظلم ..
ورعب وخوف في الحلم , وطرد حلم
شارد عن الطريق يفقد العيون
المتعبة رغبة النوم , عمّت صورة
الطغيان العقول والجدران وزرع
بصمته في كل مكان, وأحجار وإسمنت
وأصنام تصدمك بقسوتها في مداخل
المدن ومخارجها والدوائر
والمدارس والسجون, هذه الكتل
الضخمة لواستخدمت بشكلها
المفيد لحلّت
أزمة السكن لدى الفقراء والشباب
الذين يشكلون أحزمة للفقر
والبؤس في عموم محيطات المدن
السورية بدون أية مسؤولية
متروكة بفقرها للأقدارمهملة
تؤشر أبعاد الطغيان , وأصبحت
جرائمه جلادا ًً ومُرافق سري
يتبع ...كل إنسان , والجميع في
سورية من معه ومن ضده أصبح يتحرك
في حدود هذه المساحة الطاغوتية
التي غطت الوطن بعصبيتها
وخداعها ومآسيها ومخازيها .
وبالمقابل عاش ويعيش الشعب كل
إفرازات الطغيان بكل ألوانه
وأشكاله, وعاشها ويعرفها أكثر
من الجميع من عاشوا مع الطاغية
الكبير والصغير بشكل قريب ,وهنا
تستدعي الضرورة بعض التحديد
الذي يكون للتوضيح مفيد , ونسأل
من كان يملك القدرة على التحكم
أو التأثير قليلا ً أو كثيرا ً
في أسلوب إدارة الحكم في زمن
حافظ أسد وإبنه الوريث في سورية
؟ الإجابة التي لايختلف عليها
إثنان في سورية هو أن هذا
الإحتمال غير موجود على الإطلاق
, بل إن مجرد التفكير به تؤدي
بصاحبه إلى فرع فلسطين أو تدمر
أو إلى النحر على الطريقة
الأسدية الشهيرة (والشواهد
كثيرة) لتحميلها كل الهزائم
الوطنية والقومية
وكل السرقات والنهب والفساد
الذي يعرف الجميع أنه مبرمج
الإنتصارات على" المتآمرين
والفاسدين و... " هو رأس النظام
الفاسد سابقاً ولاحقاً ولا
تحكمه قيم محددة في هذا المجال
سوى الحفاظ على الحكم "الثوري
التحريري الوحدوي الإشتراكي
العظيم " وفي كل الظروف ورغم
كل الجرائم والهزائم.
واستطراداً
فإن السلطة والقرار كبيرا ً أو
صغيرا ً , كليا ً أو جزئيا ً ,
سياسيا ً أو أمنياً أو
اقتصادياً , داخلياً أو خارجياً,
هو في سورية بشكل مطلق في يد
الرئيس الآثمة سابقاً ولاحقاً
وعائلته والمقربين منه , أي أن
السلطة مبنية على أساس فرد
سياسياً ودستورياً وإدارياً ,
وأن الجهاز الحكومي يتم اختياره
بعناية فائقة على معيار فردية
الحكم وهو ينقسم إلى فريقين
اثنين : الأول هو الفريق الأمني
والعسكري الذي يتحكم بكل شيء من
أعمال الناس وأرزاقهم وحتى
أعمارهم وهو الجهاز التنفيذي
الفعلي في البلاد الذي نفذ
وينفذ عملياً جرائم الرئيس
وقرارات الرئيس الطاغية ,
والثاني هو الفريق السياسي الذي
يكون دوره في أكبر صلاحياته ملء
فراغ إداري تفرضه طبيعة السلطة
وتركيبة الحكم والعلاقات
العامة الداخلية والخارجية
واحتياطي إضافي لضرورة تنفيذ
المخطط المنحرف المشبوه .
وبالمقابل فإن تاريخ المعارضة
السورية في الداخل والخارج كان
محكوماً بظروفها ومرت بمحطات
كثيرة صعودا ً وهبوطا ً , نشاطا ً
وخمولا ً, حرة ً أو أسيرة ً ,موحدة
ً أو مفتتة ً, قريبة من النجاح
حينا ً وقريبة من الفشل في معظم
الأحيان , أوقعها الإستبداد في
شباكه تارة ً وفلتت منها تارة ً
أخرى , وبالمجمل كانت تخطط لفعل
ما يوماً ويجبرها الإستبداد
ودائرة تأثيره ويحشرها في ردود
الفعل على جرائمه في أكثر
الأيام ,ويختلط فعل الجلاد
المنحرف على الدوام برد فعل
الضحية المتطرف في بعض الأحيان ,
جارّاً النظام الجميع إلى ساحة
مآسيه , وفهم واقتنع أن السيطرة
على الشعب تتطلب تطييعه وتصرف
بكل خسة واتبع من الوسائل
أبشعها وأخطرها وأشدها فتكا ً
وتفتيتا ً للشعب وتمزيقا ً
لوحدته الإجتماعية وتدنيساً
لمقدساته وتزييفا ً لوعيه ودفعه
إلى الجهل والتخلف والزحف إلى
الوراء .
وبالمحصلة يمكن القول أن
المعارضة لم تستطع أن تغير
النظام ,أو تقلل من وحشيته و
فرديته ,أو توقف جرائمه , كانت
موازين القوى الفعلية دائما ً
من ملكية الإستبداد , وملكية
المعارضة القتل والسجون
والمنافي ودوام الإضطهاد ,وفشلت
بحكم تلك الظروف في تحقيق أيا ً
من أهدافها وهذا ليس عيبا ً فيها
بل في
ظروفها وانحطاطا ً في الإستبداد
, على أن الفشل ليس خطأ ً على
الدوام , بل الخطأ الحقيقي هو أن
تتوقف المعارضة عن محاولات
الفعل والتأثير, وهذا مالم
تتراجع إليه أحوالها رغم كل هذا
التاريخ المضني ورغم كل تلك
المعاناة قتلا ً وسجنا ً
وتشريدا ً هنا وهناك .
والمحاولة هي المقدمة الضرورية
لتجاوز الفشل والتحرك على طريق
الوصول إلى الهدف والنجاح ولو
بعد حين , واستمرت المعارضة في
التعبيرعن رؤيتها بضرورة
التغيير وراجعت مواقفها
وتجاوزت بعض أخطائها وعقّلت
مطالبها وتخلت عن جمودها
وانفتحت على بعضها وأرست
الحوار أسلوبا ً لتفاعلاتها
وأخذت تتجمع شيئا ً فشيئا ً
وتوحد صفوفها في التصدي للطغيان
وعبّرعن هذا الحراك إعلان دمشق
الذي توافق الكثير من أطراف
المعارضة على وثيقته , وكان أول
هزة حقيقية لهيبة الطغاة .
وجاء انشقاق عبد الحليم خدام عن
النظام وإعلان موقفه الشجاع
بالإنضمام إلى صف الشعب والوطن
بمثابة الهزة الفعلية لا لهيبته
فقط بل ولمرتكزاته الأساسية
كلها , وبانضمامه إلى صف
المعارضة الوطنية نقل موقف
المعارضة من الطرح العام إلى
الطرح المحدد الواضح بالتزام
موقف التغيير,وازدادت سرعة
الحركة وجدية اتجاهها ووصلت
بسرعة قياسية إلى المحطة
الرئيسية على طريق التغيير ,
المحطة التي جمعت أطراف
المعارضة السورية الأساسية,
وأكسبها وجود عبد الحليم خدام
بخبرته الطويلة ومعرفته
الكبيرة بآلية عمل النظام بعدا
ً جديا ً وعمليا ً واستقلاليا
ًعبر عن تأسيس جبهة الخلاص
الوطني التي طرحت المشروع
الوطني للتغيير , وأصبحت
المعارضة لأول مرة باستقلالية
وجها لوجه مع الإستبداد .
ولعل الشيء الإيجابي الذي ظهر
بسرعة بعد تأسيس جبهة الخلاص هو
أن المعارضة أخذت شكلا ً منظما ً
وطنيا ً ومستقلا ً, وارتباك
النظام الفعلي هذه المرة والذي
أحدث خلخلة حقيقية في بنيته,
وكانت امتحان فعلي كشف حقيقة
المنحرفين المختبئين وراء
شعارات التغيير والديموقراطية
ً, ونقلت شكل الحوار الوطني من
الكلام التكراري المقصود والذي
يغذيه الإستبداد وكل عملاؤه
الذين يلعبون في الظلام إلى
مستوى وضع الخطة العملية والبدء
بها على طريق إسقاط الإستبداد,
وكانت الخطوة الجريئة التي أقدم
عليها عبد الحليم خدام عاملا ً
مباشراً لإمتحان قدرة المعارضة
في التعامل مع المستجدات
والإستفادة منها في تكسيرركائز
النظام, وانتقل عمل المعارضة من
شكل كمي إلى شكل موجه أخيرا .ً
بقي أن نقول : أن
إحدى صور ترجمة مفهوم الحرية
على مستوى الفرد هو في قدرته على
أن يسلك سلوكا ً سليما ً
وباستطاعته أن يسلك سلوكا ًسيئا
ً أولا ً,وأن تصحيح المسار هو من
صفات الرجال الأحرار والشجعان
الذين يقتربون بفعلهم هذا من
سلامة الفطرة الإنسانية التي
تعزز الوقوف ضد الطغيان وتكون
في صف المدافعين عن الحرية
والعدالة والمساواة ثانياً, وأن
الطبيعة الإنسانية السليمة ليس
لها لا ظفر ولاناب بل لها عقل
وقلب وهي التي تعمل على تحرير
نفسها من كل العلاقات المؤذية
للآخرين ثالثا ً , وأن الإستمرار
مع الطغاة والعيش مع الفردية
يعطي الحياة طابعا ً غير
إنسانياً بل وحشياً رابعاً, وأن
الحرص الوطني في اللحظات
الإستثنائية يتطلب موقفا ً
إستثنائيا ً خامسا ً, وأن
القادرعلى العطاء يكون أشبه
بالشجرة المثمرة التي يضربها
المارقون والغرباء عن أرضها
دائما ً بالحجارة سادسا ً, وأن
الفرصة التي توفرت للمعارضة
السورية إن عقلت و أحكمت
الإمساك بها ووفرت لها الظروف
الإيجابية لإعطاء ماعندها في
إطار فعل جماعي ستكون قادرة على
حسم الأمور التي تعثرت المعارضة
طويلا ً في حسمها سابعا ً, وقد
يكون الفشل في جانب التخطيط
والنجاح يكمن في الفرصة ثامنا ً,
لأن الفرصة قد تكون هي
المصدرالأساسي
لكل الإنجازات الكبيرة
للإنسان تاسعا ً,وأن مشكلة
الشعب في سورية ومشكلة كل دعاة
العمل الوطني والديموقراطي هي
مع الإستبداد والطغاة
والعابثين بحاضر ومستقبل الشعب
عاشرا ً, وأنه لاخيار لكل
الأحرار سوى الشجاعة والإنضمام
إلى صف الشعب وأن أهم سؤال مطروح
أمام كل أطراف وأفراد المعارضة
أينما كانوا ومهما كانت
انتماءاتهم وقناعاتهم هو كيف
يمكن إنقاذ الوطن والشعب من
استمرارالإستبداد الذي يمثل
الكارثة الحقيقية التي تهدد
الجميع أخيرا ً ؟!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|