الصمود
و التصدي
لدحر
العدوان أم لقهر الإنسان ؟!
د.هشـام
الشـامي
الدعاية الكبرى
للدولة العبرية منذ تاريخ
إعلانها في مثل هذه الأيام قبل
ما يقرب من ست عقود أنها الدولة
الديمقراطية الوحيدة في
المنطقة ، و الموجودة وسط
مجموعة من الدول الديكتاتورية
التي وصلت إلى الحكم بانقلابات
عسكرية ، و تصفيات دموية ، و
مؤامرات و طرق غير شرعية ، و
التي تسلطت على شعوبها بأحكام
استثنائية و قوانين عرفية ،
تسميها قوانين طوارئ .
فرغم أن الدولة
الصهيونية ، دولة مزروعة
بالإكراه وسط شعوب لا تعترف بها
، و لا يمكن لها أن تقبل بوجودها
، مهما طال عمرها ، و قوي عودها ،
و رغم أنها تقول : أن جميع
جيرانها يستهدفونها ، و يريدون
رميها بالبحر ، و رغم أنها
بمساحتها و عدد سكانها لا يمكن
أن تقارن بجيرانها العرب ، و رغم
وجود شعب عربي ما زال صامدا و
متشبثاً بأرضه داخل دولتها
المعلنة ، و رغم أن شعوبها من
أجناس وقوميات مختلفة ، و رغم
أنها دولة حديثة التشكل ليس لها
تاريخ و أمجاد جيرانها أصحاب
الأرض و الحضارة ، رغم كل هذا
فهي لم تجد ضرورة لحكم شعبها و
مواطنيها بالحديد و النار ، و لم
تتخذ تلك الأسباب ذريعة لتسليط
سوط قوانين الطوارئ و الأحكام
العرفية و الاستثنائية على
رقابهم ، بل على العكس من ذلك ،
كان هدفها الأول دائماً أن توفر
لهم الأمن و الأمان و الحكم
الديموقراطي وسمحت حتى لعرب
فلسطين المحتلة بتأسيس أحزاب و
منظمات من كافة الاتجاهات و
المشارب ، العلمانية
والإسلامية واليسارية . ..
أما
السادة زعماء العرب الأماجد فقد
استولوا على الحكم بالدبابة
العسكرية ، و فرضوا الأحكام
العرفية ، و منعوا الأحزاب و
الانتخابات التعددية الحقيقية
، و كتموا الأفواه ، و ملؤوا
السجون و المعتقلات ، و قتلوا و
نهبوا و استباحوا المحرمات ، كل
ذلك في سبيل المعركة ، و من أجل
تحرير فلسطين القضية المركزية
لديهم جميعاً !!.
و بينما وفرت
الدولة العبرية سطوتها و قوتها
لمحاربة العرب الأعداء ، و
إضعافهم و احتلال أرضهم ، كان
الحكام العرب - و في مقدمتهم بطل
الصمود و التصدي ، و بطل سقوط
القنيطرة و الجولان - يخوضون
المعارك العقائدية ضد أبناء
شعبهم ، و ضد ما تطاله أيديهم من
شعوب عربية أخرى ؛ ألم يحارب
الفريق الرفيق الأسد الأول في
حماة وحلب و تدمر و جسر الشغور و
جبل الزاوية و مخيمات تل الزعتر
و البداوي
و البارد و بقية المخيمات
الفلسطينية في لبنان ؟، و ها هو
وريثه و حامل سره يتابع مسيرته و
بطولاته في القامشلي و عفرين و
بيروت ، و تحوّل
الجيش الذي صُرفت عليه
خزينة الدولة من عرق الشعب و
جهده من جيش الشعب إلى قاتل لهذا
الشعب ، و من حامي الوطن و
المدافع عنه ، إلى حامي للنظام و
لرمزه الزعيم الأوحد .
و الملاحظ أن النظم
العربية كلما زادت شعاراتها
الرنانة إبهاراً ، و خطاباتها
الحماسية ضجيجاً - كخطابات
مزامير و أبواق أسدستان
في الصمود و التصدي و
الممانعة و عنفوان المواجهة و
الدفاع عن الكرامة العربية
المهدورة و العزة القومية
المقهورة - كلما ازدادت هذه
النظم ديكتاتوريتاً و عنجهية و
ظلماً و شمولية ، فما زال النظام
الأسدي في شامستان قلب العروبة
النابض ، و رأس الحربة الصامد ،
و طليعة النظم الثورية في وجه
الصهيونية العالمية ، و
الإمبريالية الأمريكية –
النظام الوحيد الذي لم يوقع
معاهدة سلام مع إسرائيل حتى
الآن - هو نفسه أشد الأنظمة
شمولية و عنفاً و اضطهاداً
لمواطنيه ، فبينما ترى أن كافة
الأنظمة العربية من المحيط إلى
الخليج ( من المملكة المغربية
إلى مملكة البحرين ) أجرت مراجعة
لماضيها ، و توجهت نحو الإصلاح و
الشفافية و الانفتاح و توسيع
الحريات ، نجد أن النظام السوري
ما زال يعتقل و يسجن و يعذب و
يضطهد و ينفي و يمنع الرأي الأخر
و يحاصره ، و ما زالت القوانين
الاستثنائية التي فرضها على
المجتمع هي هي ، منزلة مقدسة لا
تقبل التبديل أو التعديل ، و ما
زال قانون /49 سيء الصيت ، و الذي
لا يوجد له مثيل في أرض الله
الواسعة ، حتى في أقل المجتمعات
الإنسانية بدائيّة و أكثرها
انحطاطاً ، فعالاً ، و هو يمثل
حقيقةً ذروة سادية السلطة ، و
رأس هرم الإجرام ، و قمة الحقد
الطائفي ، و أبشع نموذج
للاستئصال و إلغاء الأخر ؛
فالنظام السوري إذاً لا
يعرف إلا أسلوب البطش مع شعبه و
مواطنيه ، و لا يريد أن يتغير أو
يتبدل ، و يصر على طبيعته
الإجرامية ، و خطابه الخشبي ،
رغم كل الوعود الإصلاحية التي
أطلقها الرئيس الشاب عند وراثته
كرسي العرش من أبيه ؛ و رغم كل
المواقف النبيلة و الشجاعة و
المبادرات الوطنية الصادقة
التي أعلنت عنها المعارضة بعد
أن ضغطت على جراحها النازفة و
ذلك من حرصها على وطنها و في
سبيل الدفاع عنه - قبل فوات
الأوان - ضد الجار الجديد العدو
الأمريكي في الشرق ، و الجار
العدو اللدود الصهيوني في
الجنوب ؛ فبينما نسمع عن لجان
وطنية لمراجعة التجاوزات ، و
محاسبة المتسببين ، و تعويض
المتضررين ، و السير في طريق
المصالحة الوطنية الحقيقية ، في
المغرب و البحرين ، و نسمع عن
عفو رئاسي و الإفراج عن متشددين
رفعوا السلاح في وجه السلطة منذ
أقل من عامين فقط في اليمن ، و
الإفراج عن أكثر من 500 عنصراً
يحملون الفكر المتشدد
في السعودية ، و عن مبادرة
الرئيس الجزائري الوطنية ، و
إصداره عفواً عن كل الذين حملوا
السلاح في وجه الدولة و المجتمع
هناك ، و إعلان ليبيا
عفواً عن الموقوفين
السياسيين ، و إجراء بعض
الإصلاحات السياسية ..... نجد أن النظام
الأسدي يستمر بمنع المنتديات و
الاجتماعات و الاعتصامات و يرفض
أن يخطو أي خطوة في طريق الإصلاح
و التغيير .
و السؤال المطروح ،
لماذا يصر النظام في أسدستان
على ماضيه الدموي ، و تاريخه
الديكتاتوري ؟ ؛ رغم أنه أثبت
فشله في كافة المجالات العسكرية
و السياسية و الاجتماعية و
الاقتصادية و الثقافية ؛ و يعلم
تماماً أن تحرير الأرض لن يأتي
أبداً قبل تحرير الإنسان .
هذا السؤال لن
نوجهه للنظام و أبواقه ، لأن
جوابهم معروف و لن يتغير أو
يتبدل ( و كلامهم أرخص من التمر
بالبصرة ) ، و سيسمعوننا نفس
الموال القديم إياه ، أن سوريا
ستبقى بلد الصمود و التصدي ، و
لأننا بلد الممانعة الوحيد في
المنطقة (ولأنه لم يبقَ في
الميدان غير أسدستان ) ، ستبقى
المؤامرة الإمبريالية و
الصهيونية و الرجعية تستهدفنا ،
و ترجمنا بصفات ليست فينا ، و
لكنها لن تستطيع أن تفت من
عزيمتنا ، أو تنال من إصرارنا ،
و سوريا لن تركع أبداً ، و هي بلد
الحريات و العدالة و
الديموقراطية و المساواة و
القانون و الوحدة و الحرية و
الاشتراكية إلى آخر معزوفة
الصمود و التصدي التي برمجوا
عقولهم المتحجرة و ألسنتهم
الببغائية عليها مسبقاً .
و لكن إلى متى
ستظنون أننا سنصدقكم ؟ ، و المثل
السويدي يقول : (الشجرة بثمرها) ،
و قديماً قالت العرب : ( إنك لن
تجني من الشوك العنب ) ، ألا تكفي
كل هذه العقود التي ضاعت و ضاع
معها كل حلم جميل في شامستان ؟،
و ها هي النتيجة
واضحة جلية أمامنا كالشمس في
واضحة النهار ، لا تحتاج لعمق
تفكير و لا قوة بصيرة و لا شدة
ذكاء ؛
كفاكم هراء ما له أساس ، لقد
كذّبت الماء الغطاس .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|