معشوق
الخزنوي ورفيق الحريري :
ضحيّتان
.. والقاتل واحد !..
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
مافيات القتل والتعذيب حتى الموت في سورية،
التي تُطلِق على نفسها اسم :
أجهزة الأمن.. تعرف تماماً أن
نجمها آيل إلى الأفول، لذلك
فإنّ حسابات العقل والسياسة لم
تعد في دائرة اعتباراتها.. وحين
تجرّدت من مثل تلك الحسابات..
انكشف وجهها المافيوي
الهيستيري على الملأ، فظهرت
حقيقتها شديدة الإجرام أمام كل
الناس، وانكشفت طبيعتها
الوالغة في دم الشعب السوري
ومالِه وعِرضه !..
عندما يغيب عقل المجرم الجبان، يظهر الحقد
وما يتعلق به من ساديّةٍ شاذة،
وتبدو الممارسات ضَرباً من
اللامعقول.. وهكذا، فعندما
تُحَاكَم شذوذات النظام السوري
بالعقل، فإنّ العاقلين سيصلون
في تحليلاتهم إلى نتيجةٍ
منطقيةٍ تناسب أصحاب العقل وأهل
المنطق، التي تقول : ليس من
المعقول أن يرتكب النظام السوري
مثل تلك الأعمال الإجرامية من
الخطف والاغتيال، في الوقت الذي
تضعه كل القوى المعادية لسورية..
تحت المجهر، لاتخاذ جرائمه بحق
الإنسان ذريعةً كبرى للتدخل في
الشئون السورية !.. لكن النظام
السوري، وأجهزته الأمنية
المترنّحة (الحاكم الفعلي في
سورية).. لم تعد تنطبق عليها
معايير العقل والعاقلين..
فتغلّب حقدها على عقلها، وأصبحت
رهينة ذلك الحقد التاريخي
الأعمى، تأتمر بأمره، وتتصرف
بمقتضاه مهما كانت النتائج،
لأنّ سورية الوطن والشعب
ومصلحتهما الوطنية العليا
أصلاً، لم تكن في يومٍ من الأيام
هَمّاً من هموم تلك الأجهزة
المهزومة.. التي نمت وترعرعت في
ظل أكبر عمليات فسادٍ اقتصاديٍ
وسياسيٍ واجتماعيٍ وأخلاقيٍ في
تاريخ سورية، إذ بَنَتْ تلك
الأجهزة لنفسها إمبراطورياتٍ
متعددةً لا هَمَّ لها، إلا
المحافظة على نفسها ومكاسبها
الخاصة المَبنيّة على الفساد
والنهب والقمع والاستبداد !..
فَحِيتانُ الأجهزة الأمنية
المتغوّلة، مستعدة لبيع سورية
وشعبها في أسواق النخّاسة،
لتحافظ على مراكز قواها
الحاقدة، التي أمرعت خلال أربعة
عقودٍ سوداء من تاريخ سورية
البعث والنظام الأسديّ الحاقد
!..
بهذا المعيار فحسب.. يمكننا أن ننظر إلى
جريمة تصفية العلاّمة الشيخ
الدكتور الشهيد (محمد معشوق
الخزنوي) رحمه الله، ذي المكانة
العلمية والدينية والاجتماعية
الرفيعة في سورية.. بعيداً عن
نسيج الأكاذيب والفبركات
المخابراتية للنظام، التي
اعتاد على سماعها المواطن
السوري بعد كل جريمةٍ جديدة
تقترفها تلك الأجهزة الإجرامية
الحاقدة، طوال أكثر من ثلاثة
عقود !..
جريمة تصفية الشيخ الخزنوي، الذي رفع صوته
في الأشهر الأخيرة قبل استشهاده
ضد الظلم والقمع والاستبداد
السلطويّ، وطالبَ بتحقيق
الوحدة الوطنية السورية.. لا
تخرج عن سياق النهج الإجراميّ
الحاقد للنظام السوري وأجهزته
الأمنية المتغوّلة، فالإرهاب
والقتل على الهوية وانتهاكات
حقوق الإنسان بشتى أشكالها..
عقيدة راسخة في الذهنية الأمنية
للنظام، والسِّجِلُّ الإجراميّ
الإرهابيّ له.. أضخم من أي
سِجِلٍّ إجراميٍ آخر في العالَم
العربيّ والإسلامي !.. إنه
سِجِلٌّ وحشي شديد الإجرام،
ينطلق من عقيدةٍ فئويةٍ حاقدة،
أول من عبّر عنها بوضوح، الضابط
(حافظ الأسد)، حينما أطلق نواياه
الاستئصالية من (ثكنة الشرفة) في
حماة عام 1964م، بأن نيّة حزبه
تتجه نحو تصفية المعارضين
جسدياً، حين قال : (سنصفّي
خصومَنا جسدياً)!.. ومنذ ذلك
الوقت، راح ضحيةَ العمل بهذه
العقيدة الدموية الإجرامية..
عشراتُ الآلاف من أبناء الشعب
السوري المنكوب، وكلما كان
الخناق يشتدّ على عنق هذا
النظام الدموي المجرم.. كان
يتغلّب لديه جانب الحقد الأعمى
على معايير العقل والعقلاء..
فكان من أبرز ضحاياه وعملياته
الإجرامية الإرهابية الحاقدة،
التي تتفق كلها بأسلوب التخطيط
والتنفيذ :
اغتيال الضابط المسرّح (عبد الوهاب البكري)
في عمّان بتاريخ (30/7/1980م)، ورئيس
الوزراء الأسبق وأحد مؤسسي حزب
البعث (صلاح البيطار) في باريس
بتاريخ (21/7/1980م)، والسيدة (بنان
الطنطاوي) زوجة الأستاذ (عصام
العطار) في آخن بألمانية بتاريخ
(17/3/1981م)، والطالب السوري (محمود
ودعة) في بلغراد بيوغسلافية
بتاريخ (1/10/1981م)، والمواطن
السوري المغترب الشيخ (نزار
الصباغ) في برشلونة بإسبانية
بتاريخ (21/11/1981م) .. هذا فضلاً عن
عمليات الاغتيال والاختطاف
التي نفذتها أجهزة النظام
القمعية، ضد رعايا لبنانيين
وفلسطينيين وأردنيين وعراقيين
و.. !.. من أشهرها اغتيال الأستاذ
الصحفي (سليم اللوزي) في لبنان
والتمثيل بجثته، وإذابة يده
اليمنى التي يكتب بها في
الأسيد، انتقاماً منه لكتاباته
المعارِضة للنظام وجرائمه في
لبنان.. وكذلك تنفيذ عملياتٍ
إرهابيةٍ دوليةٍ ضد شخصياتٍ
عربيةٍ ودوليةٍ ومؤسساتٍ
صحافية، والتعاون مع الإرهابي
الدولي (كارلوس) لتنفيذ بعض
المهمات الإرهابية المدفوعة
الأجر من أجهزة النظام ورفعت
الأسد، ضد شخصياتٍ سوريةٍ
معارضة، في الثمانينيات
والتسعينيات من القرن المنصرم
!..
شعبنا السوري لن ينسى الجرائم الفظيعة،
التي تم تنفيذها بنفس عقلية
تنفيذ جريمة قتل الشيخ الخزنوي
الحاقدة، وذلك في أوائل شهر
نيسان من عام 1980م.. من مثل :
اختطاف الدكتور (عمر الشيشكلي)
رئيس جمعية أطباء العيون وقتله،
وقلع عينيه، وإلقاء جثته داخل
حقلٍ زراعيٍّ في حماة.. واختطاف
السيد (خضر الشيشكلي) أحد زعماء
الكتلة الوطنية، الذي حرقوه
بالأسيد ونهبوا بيته.. واختطاف
الدكتور (عبد القادر قنطقجي)
طبيب الجراحة العظمية، الذي
ألقوا جثته في مكانٍ بعيد عن
بيته بعد تعذيبه وقتله ..
واختطاف المزارع (أحمد قصاب
باشي)، الذي قلعوا أظافره
وقطعوا أصابعه قبل أن يقتلوه !..
فضلاً عن اغتيال الشيخ (محمود
الشقفة) في مسجده في حماة،
بتاريخ (4/8/1979م).. واغتيال الشيخ
(أحمد الفيصل) في حلب بتاريخ
(11/8/1979م).. واغتيال الشيخ (علاء
الدين إكبازلي) وهو ابن الشيخ
((أحمد إكبازلي)، في كلية
الشريعة في دمشق، بتاريخ
(3/6/1980م).. واغتيال الشيخ (سليم
الحامض) من جسر الشغور، بتاريخ
(10/3/1980م)!.. وكذلك.. وكذلك : اختطاف
الدكتور الشيخ (ممدوح جولحة)
والشيخ (عبد الستار عيروط) في
اللاذقية، ثم قتلهما والتمثيل
بجثتيهما، بتاريخ (27/6/1980م)..
واختطاف الشيخ (فتحي يكن) أمير
الجماعة الإسلامية في لبنان،
والشيخ الدمشقي (عبد الرحمن
المجذوب) من لبنان، مع أربعين
مواطناً لبنانياً.. فضلاً عن
اختطاف مئات السوريين
واللبنانيين في لبنان ونقلهم
إلى السجون السورية وتعذيب
معظمهم حتى الموت !..
لقد كان الحقد الفئوي وحده، هو الذي يحرّك
جرائم النظام ضد أبناء الشعب
السوري في كل مرة.. وبذلك تم
اغتيال الأستاذ (أمين يكن) رحمه
الله، بعد قيامه بمبادرةٍ للصلح
بين النظام والحركة الإسلامية
السورية في أواخر تسعينيات
القرن الماضي، فخذله النظام، ثم
اغتيل على أيدي عصاباته التي
تنتمي للأجهزة الإجرامية،
الواقفة حائلاً أمام أي إجماعٍ
وطنيٍّ يجمع كل القوى الوطنية
على الدفاع عن سورية والذود عن
أبنائها.. وبذلك تمت أيضاً تصفية
عددٍ من المواطنين الأكراد بعد
انتفاضة آذار 2004م في القامشلي،
وذلك تحت التعذيب حتى الموت..
وبذلك أيضاً تمت تصفية بعض
المعارضين العائدين من
المَهاجر في السنوات الأخيرة..
بعد اختطافهم وتعذيبهم حتى
الموت، من مثل : (أحمد علي
المسالمة) رحمه الله.. وغيره !..
نفس العقلية.. وذات الأسلوب الإجراميّ..
ونفس أساليب التبرير الغبيّة
والكذب الساذج بعد اقتراف كل
جريمة، فالعقلية الإجرامية
الإرهابية الحاقدة واحدة لم
تتغير منذ عقود.. ولن تستطيع
الأجهزة المجرمة أن تخرج من
جِلدها، وهي منسجمة تماماً مع
عقيدتها ونهجها وعقليتها
الساديّة الشاذة !..
بناءً على كل ما تقدم فحسب، ينبغي أن
تُحاكَم واقعة تصفية الشيخ
الشهيد الخزنوي رحمه الله، مهما
أطلق النظام الكذاب من أكاذيب،
ومهما حبك من فبركات، ومهما
صرخت أبواقه الإعلامية بالدجل،
أو رفع شهوده الزور من عقيرةٍ
منافقة.. فالأجهزة المهزومة
الوالغة في دماء الشعب السوري
منذ عشرات السنين حتى اليوم، هي
التي قتلت الخزنوي، وهي التي
ستقتل غيره من أبناء شعبنا
الجريح إن لم توقَف عند حدها،
وتُركَل بأقدام أبناء شعبنا
الأبيّ !..
قلنا : إن الحقد قد تغلّب على العقل، في
عقلية الأجهزة الإجرامية
الإرهابية، وفي الذهنية
الأمنية القمعية للنظام
السوري.. وبناءً على ذلك فحسب،
ينبغي على كل العاقلين.. أن
يحاكموا جريمة اغتيال السيد
(رفيق الحريري) رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رحمه الله،
ليجيبوا على السؤال المهم الذي
أصبح جوابه واضحاً بعد قتل
الشيخ الخزنوي رحمه الله : مَن
قتل الحريري ؟!.. فاليد التي قتلت
الحريري، هي ذات اليد الطائفية
الحاقدة التي قتلت الخزنوي حفيد
صلاح الدين الأيوبيّ.. بغض النظر
عن معايير العقل وحسابات
المصلحة الوطنية السورية، لأن
مثل هذه المعايير لا تنطبق على
نظامٍ إجراميٍ حاقدٍ أعمى،
سِجلّه الإرهابيّ الهيستيري
القاتل.. يتضخّم يوماً بعد يوم
منذ عشرات السنين، غير آبهٍ
لأية مصلحةٍ وطنيةٍ أو قومية،
سوى مصلحته الأنانية في النهب
والتسلّط والاستبداد !..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|