تدليك
الكلاب في اليابان
د.
هشـام الشـامي
شاهدت تقريراً
إخبارياً مصوراً على محطة
فضائية مشهورة ، حول افتتاح
عيادة نموذجية مرخصة ، بإشراف
دكتورة مختصة ، لتدليك الكلاب
في طوكيو ؛ و شرحت الدكتورة
البيطرية الوسيمة أهداف هذه
العيادة الأولى من نوعها ، و
أسهبت في تبيان فائدة المعالجة
الفيزيائية في تدبير التوترات
النفسية ، و الكآبة الشديدة ، و
باقي الأمراض النفسية عند
السادة الكلاب المحترمين ، حيث
يفيد هذا العلاج الطبيعي في
تهدئة خواطر سعادتهم و
استرخائهم و بالتالي أعطى نتائج
إيجابية مضمونة عند معظمهم ، و
ذلك دون استعمال إي مادة دوائية
كيماوية قد تضر بصحتهم على
المدى البعيد ، و التي لن تحقق
نفس الفائدة المرجوة من العلاج
بالتدليك ، الذي حدّ بشكل ملفت
من ظاهرة التوحد الخطيرة عند
قسم كبير ممن أصيب بهذا الداء
عند الكلاب ، الذي كان سببه على
ما يبدو فرط الدلال و قلة الجهد
العضلي المبذول و التخمة
الزائدة ، إضافة إلى نوعية
الطعام الخاص - الذي يقدم لهؤلاء
الكلاب المعززين و المكرمين - و
الذي يحتوي على كميات زائدة من
البروتينات و الدسم و السعرات
الحرارية ؛ و كانت الدكتورة
تبتسم و هي تشرح للإعلاميين و
تقوم بدهن و تدليك كلبة سوداء
صغيرة ، و قد استرخت بين يديها
الغضتين الناعمتين و أسلمت
عينيها لحلم جميل ؛ و وقفت بجوار
الكلبة شابة
جميلة أنيقة – يبدو أنها
صاحبتها – وهي تنظر باندهاش و
اطمئنان لهدوء كلبتها و تعاونها
؛ و عندما سُألت الدكتورة عن عدد
الجلسات التي يحتاجها الكلب
المريض المسكين ، أجابت : أن ذلك
يختلف حسب نوع المرض و شدته و
المدة الزمنية التي مرت على
المرض قبل البدء بالعلاج ،
فمنهم من يحتاج إلى أقل من عشر
جلسات بمعدل جلستين إلى ثلاث
أسبوعيا ، و البعض يحتاج إلى
أكثر من ذلك ؛ أما عن تكلفة
الجلسة فأشارت أنها بحدود عشرين
دولاراً فقط ، إي أكثر من ألف
ليرة سورية للجلسة الواحدة ؛ و
بعملية حسابية بسيطة ، و إذا
افترضنا أن سعادته يحتاج إلى
عشر جلسات وسطياً ، يتوقع شفائه
بمبلغ زهيد نسبياً ، يتجاوز
قليلاً العشر آلاف ليرة سورية ،
طبعاً هذا المبلغ تكاليف
العيادة ، أما عن الدهونات و
المراهم التي تستعمل لتدليك
سموه الكريم فربما يكفي ألف إلى
ألفين ليرة لمثل هذا العدد من
الجلسات ، و لأنه حتى الساعة لا
يوجد فروع أخرى لهذه العيادة
فلا بد من حساب تكلفة المواصلات
ذهاباً و إياباً من و إلى
العيادة الكلبية ، و التي تختلف
حسب مكان سكن فخامته ، و قد تصل
أحياناً لمبلغ ضخم يفوق كل
التوقعات خصوصاً مع ارتفاع
أسعار البترول العالمي ، و
ازدياد الطلب العالمي عليه ، و
لكن اللافت أن هذه الطريقة
العلاجية المبتكرة قد أعطت
نتائج فاقت كل التوقعات ، و
ساهمت في تقليص عدد المراجعين
النفسيين للعيادات النفسية
الكلبية الكلاسيكية ، كما قللت
من عدد الأسرّة اللازمة لتنويم
قسم منهم - استفحل المرض عندهم و
وصل لحالة متقدمة - في
المستشفيات النفسية ، كما يتوقع
أن يكون لها أثر بالغ على
المدى المنظور ، في الإقلال
من عدد المحوّلين منهم إلى دور
العجزة و المسنين و أصحاب
الاحتياجات الخاصة ؛ و بالتالي
توفير الجزء المخصص من الخزينة
لمثل هذه الحالات ؛ و اقترحت
الطبيبة على السادة المختصين
الحكوميين الاستفادة من هذا
الجزء في إنشاء ملاعب رياضية ، و
نوادي اجتماعية ، و ملاهي خاصة
بمجتمع الكلاب ، و مراكز
بحوث تهتم بالوقاية من تلك
الأمراض قبل حدوثها و إصابة
سعادة الكلاب بها .
و قبل أن ينتهي هذا
الخبر الهام السعيد ، و
الاكتشاف الطبي الفريد ، و
المنقول لنا من بلاد هوروشيما و
ناغازاكي التي ابتليت في الحرب
الكونية الثانية بأنفلونزا
النووي الأمريكي المدمر ، و
جنون بقر الحلفاء المهلك
، أي في نفس الزمن الذي
استقلت فيه بلادي العزيزة
شامستان و طردت الفرنجة
المحتلين ، شعرت بألم حاد صاعق
في أعلى البطن و كأنه طعنة سكين
، و تقيأت دماً غزيراً ، فعلمت –
من خبرتي الطويلة ، و إصاباتي
العديدة - أن قرحتي المزمنة قد
انفجرت مجدداً ، و صرخت بمن حولي
أن يسعفوني ، فحملوني إلى إسعاف
مستشفى أسدستان ، و إذا بأكثر من
خمسين مريضاً يصرخون و يتألمون
في غرفة صغيرة ضيقة متسخة ، تفوح
منها رائحة القيء و الدم و
الصديد ، و لا تصلح أن تكون
مذبحاً ( مسلخاً ) لذبح الخراف و
النعاج ، و فيها طبيب شاب وحيد ،
طويل القامة ، نحيل الجسم ، ظهره
محني كسنم الجمل ، و عيناه
غائرتان ، و يتصبب جبينه عرقاً و
قد تلطخت ثيابه و يداه بالدماء و
القيح ، و معه ممرضة هزيلة شاحبة
، صفراء اللون ، عيناها ناعستان
، توحي سحنتها أنها لم تذق طعم
المنام منذ أيام ، و المرضى
حولهما يصرخون و يستغيثون ، و
يتلوون و يتأوهون ، و عندما عجز
الطبيب وممرضته من تهدئة المرضى
و متابعة شؤونهم و أحوالهم ،
اتصل بدورية الأمن المخصصة
لمعالجة الأمر ، فآتت بلمح
البصر ، و اقتحمت غرفة الإسعاف ،
و فرقت المظاهرة بالقوة ، و
لأنني لا أقوى على الحراك من شدة
الألم ، صبرت على لسعات السياط ،
و صفعات المهاجمين ، و عندما
تفرق الجمع ، و هدئت الأمور ، و
جدت نفسي مع قليل من المرضى
بمواجهة الطبيب ، الذي عرفني
عندما رآني و الدم يخرج من فمي
فقال لي و هو يغرز أبرته الغليظة
في وريدي النحيل : ها قد عدت من
جديد ، ألم أقل لك لا تشاهد إلا
قنوات شامستان ؟، التي تطمئنك و
تريح بالك ، و لا تخدعك و تستفزك
كالقنوات الأخرى ، مما يثير
أعصابك و يسبب لك عودة النزيف .
فتحاملت
على نفسي و أشرت إليه أن أصمت ،
قبل أن يسمعك رجال الأمن فلا
يعرف طريقي حتى الذباب الأزرق
.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|