قصص
أقصر من القصيرة
كَذْبَةُ
تَمُّوز
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
جَلَسُوا على شكل حلقةٍ حول مدفأةٍ (حَطبيّةٍ)
كانت منتصبةً في مركز الغرفة
الطينيّة.. البرد في الخارج شديد
لا يُحتَمَل، والثلج ينهمر
بغزارةٍ لا يتوقّف.. قال (حسن)
وهو يفرك راحتيه :
ـ وعدونا بالنَّفط والغاز، ولم نستطع تأمين
أيٍ منهما، لفصل الشتاء البارد
جداً هذا العام !..
أجابه (سعدو) :
ـ وهل استطعنا تأمين الخبز والحليب، كي
نتحدَّث بالمحروقات.. وبقية
الكماليات ؟!..
دَسَّ (نعيم) قطعةً كبيرةً من الحطب داخل
المدفأة، مقترِحاً على
الحاضرين، أن يَتَسَلّوا
بحكايةٍ دورية.. كل منهم يحكي
حكايةً مُسَلِّيةً، إلى أن
يحلَّ الصباح، وقتَ خروجهم إلى
أعمالهم المختلفة.. فوافق جميع
الحاضرين، ووقعت القُرعة على (فهيم)..
الذي عدّل من جلسته، ومدّ يديه
إلى أمام، حيث النار المستعرة
في المدفأة الحَطبيّة، وأخذ
يقلّبهما، ثم بدأ بسرد حكايته :
ـ في عام (164) قبل الميلاد، كنتُ طفلاً
صغيراً لا يتجاوز عمري خمسَ
مئةٍ وسبعَ عشرةَ سنة، وكانت
عائلتنا قد انقرضت كلها وهي في
طريق هجرتها إلى كوكب (نبتون)..
ولم يبقَ غيري من العائلة على
قيد الحياة.. وبعد أن توقّف
القطار مراتٍ عِدة، ونحن في
طريقنا إلى بيتنا الواقع غربي (نبتون)..
وصلتُ بحمد الله وتيسيره
بالسلامة.. لكن كنتُ أعاني من
البرد الشديد هناك، فبيتنا في
فصل الصيف كانت (ترتفع) درجة
حرارته إلى ألفٍ تحت الصفر، لذا
كنتُ أمارس رياضة الجري يومياً
في الطابق السادس تحت (النبتون)،
لأشعرَ بالدفء قليلاً.. أما في
فصل الشتاء، فكنتُ أنضمّ إلى
أهل الحي هناك، الذين كانوا
يستخدمون (جهنّم) وسيلةً
للتدفئة، وكانت تعمل على الوقود
النووي، الذي كان متوافراً جداً
في محطات الوقود الأهلية،
وعندما..
ـ يخرب بيتك، ما هذه الكَذْبَة ؟!.. (قالها
حسن وهو ينفجر ضاحكاً).
جلس (نعيم) بعد أن انقلب على ظهره من الضحك،
وقال :
ـ الله أكبر عليكَ يا (فهيم)، تبدو أكذب من
صاحب الفخامة !..
لم يَكَدْ (نعيم) يُنهي كلامَه، حتى انبعثَ
من المذياع القريب صوتُ مُذيعة
النشرة الإخبارية الليلية :
ـ (.. ومن الجدير بالذكر، أنّ صاحبَ الفخامة
الجديد، كان قد وعد الأهالي في
شهر تَمُّوزٍ قبل ست سنوات،
بعمليات إصلاحٍ حثيثةٍ جذريّة..
سياسيةٍ واقتصاديةٍ وإداريةٍ و..)..
فاستدركَ (نعيم) على الفور
قائلاً :
ـ لا والله.. أقسم بالله العظيم.. بأنّ صاحبَ
الفخامة أكذبُ منكَ يا (فهيم) !..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|