الغطرسة
مستمرة والاعتقال حكاية وطن
إلى
فاتح جاموس
غسان
المفلح
بعد أن قضى ثمانية عشر عاما
بالتمام والكمال مع ألآف من
المعتقلين السياسيين في السجون
السورية الموزعة على أرض الوطن
ـ أم أرض مزرعة لم يعد أحد يعرف !!
تعود السلطات السورية لتعتقله
البارحة كما اعتقلت الدكتور
كمال اللبواني وبنفس الطريقة من
مطار دمشق الدولي وهو عائد من
رحلة إلى الخارج مارس فيها
نشاطا حواريا مع الكثير من
فعاليات الخارج سواء كانوا في
المعارضة أم غيرها . وكان محاورا
صعبا وعنيدا وكثير الشرح لموقفه
لدرجة وأنت تحاوره تسأل نفسك من
أين له كل هذه القدرة على الكلام
. كنا نمشي معا في ساحة الأوبرا
في باريس عندما قال لي قبل أن
يسافر إلى لندن : سيعتقلونني
عندما أعود إلى دمشق . فقلت له
مازحا :رفيق فاتح لماذا لا تكون
جبانا مثلي وتبقى هنا لأنني لم
أعد قادرا على تحمل التوقيف ولو
ليوم واحد بعد تلك الفترة
الطويلة التي قضيناها معا في
سجن واحد نختلف ونتعايش مع
الألم وحكايا الحزب وتفاصيل
التاريخ السوري . قال : تعرفني
أنا لست جبانا مثلك . وسأسمح
لنفسي أن اتلو عليكم جزء من حوار
دار بعدها عندما انتقلنا لمقهى
في ساحة الباستيل حيث علمنا
التردد عليه صديقنا ورفيقنا
يوسف عبدلكي .
كان الخلاف يتمحور حول الفارق
بين مشروع تغيير السلطة وبين
محاولة إلغاء احتكار السلطة
التدريجي للمستوى السياسي في
سوريا خوفا من انفلات الوضع
السوري ونشوء حرب أهلية داخلية
كان هذا الهاجس المرعب عند
الرفيق فاتح مدويا في تعبيراته .
مازحته وقلت له : لاتخف أخوانا
الحموية ـ تبعا لأن مدينة حماه
هي من أكثر المدن التي تعرضت
للتدمير والمجازر والنهب شعبا
وأبنية وشوارع في أحداث
الثمانينيات من قبل السلطة
السورية في صراعها مع تنظيمات
الأخوان المسلمين ـ
لن يقتربوا من [ بسنادة ] وهي
قرية فاتح التي ولد فيها ويعيش
فيها الآن وهي محاذية لمدينة
اللاذقية !! وهم يميزون بين
بسنادة وغيرها من القرى . لديه
احساسا أن ما فعلته هذه السلطة
على مدار أربعة عقود من حكم
البعث كما يقول سينفجر حربا
أهلية في حال فرطت عقد الدولة
أمنيا . كنت ولازلت رغم قناعتي
بأسباب الخوف وتفسيرها لكنها
ليست مبررة أبدا فالشعب السوري
لديه توزيعا وأسبابا لا تجعل
مأساة لبنان أو العراق تتكرر .
لهذا لست خائفا من أي تغيير في
سوريا وإن خوفي هو من قيام
السلطة بعمل أرعن في حال شعرت
بالتهديد الجدي في تغييرها .
وبقيت هذه نقطة خلاف بيننا .
النقطة الثانية : كانت حول التدخل
الأمريكي الكثيف في المنطقة
ودوره في قيام استقطابات طائفية
وغير طائفية في الشارع الإسلامي
والديني . مستشهدا بالحالتين
اللبنانية والعراقية خصوصا .
وفي سياق النقاش أشار إلى أن هذا
التدخل لن يكون مشروطا لحداثة
الخارج الغربي بل مشروطا
لتوضعات البنية المجتمعية في
البلدان المذكورة وسوريا أيضا
بحيث أن الاحتقان المجتمعي
سيولد حربا طائفية في حال شعر أن
التدخل الأمريكي سيكون في
مصلحته وسينفجر المجتمع لا على
التعيين في القتل على الهوية
وماشابه . وهذا الشرط المجتمعي
الموضوعي والذاتي هو الذي يريد
التدخل الأمريكي ـ الكثيف ـ كما
يحب استخدام هذه المفردة تماما
كمفردة ـ التباس والتباسية
والتباسات وباقي اشتقاقاتها
اللغوية ـ أن يحدث الفوضى
الخلاقة تماما كما حدث في
العراق . أجبته : تعال نستقصي أين
هو التدخل الأمريكي الكثيف وأين
يتجسد في سوريا ؟ وبين أخذ ورد
لم نتفق على هذه النقطة أيضا .
وقال لي :
لدي عرضا : لا تتحدثوا عن إيجابية
العامل الخارجي والأمريكي في
التغيير الديمقراطي ونحن لا
نتحدث عن سلبياته .. ما رأيك ؟
قلت له موافق شريطة ألا
تعتقل في حال عودتك . وأنا الآن
بحل من هذا التعهد لأنهم
اعتقلوه لماذا وهو الذي رفض
رفضا قاطعا انخراط الأخوان
المسلمين الطرف المؤثر في إعلان
دمشق للتغيير الديمقراطي
في جبهة الخلاص الوطني مع
السيد عبد الحليم خدام . وقال لي
هنالك عاملان التباسيان
يعرقلان عمل المعارضة السورية
من أجل إلغاء احتكار السلطة
والانتقال السلمي التدريجي نحو
الديمقراطية وهما الموقف من
العامل الخارجي والأمريكي
تحديدا لأنه عامل استقطاب خطر
ويسبب حربا أهلية وله أجندته
المتقاطعة مع المصالح
الإسرائيلية
والموقف من السيد عبد
الحليم خدام لأنه لايحق لها
المعارضة من داخل إعلان دمشق
فليبق معارضا من خارج هذا
الإعلان وعلى طريقته هو حر .
وبناء على هذه الحوارات وغيرها
قلت له السلطة لن تعتقلك أبدا
...لكني أكتشفت وبغض النظر عن
موقفي في مجريات هذا الحوار
الطويل جدا لأكثر من أربع مرات
وفي كل مرة ساعات طويلة .... كم
كنت غبيا ..!
كنت غبيا وكان حدسه أعلى في سلوك
هذه السلطة وفعلا اعتقلته من
المطار كما أكد لي أكثر من مرة
أنها ستعتقله من المطار . ومع
ذلك يبقى سؤالي له قائما وباتت
الآن مبرراته أقوى من الأمس :
كيف لهذه السلطة أن تقبل بكسر
احتكارها لكل الوطن باعتبار
أنها تعامل هذا الوطن مع كل
أبناءه ... كجزء من مزرعة موروثة
..؟ أرجو أن يخرج قريبا ليجيبني
عليه ..
ليس لدينا سوى الأمل بخروج من
يدخلون السجون السورية كما ماتت
والدتي وهي في هذا الأمل قبل
خروجي من السجن بعشرة أيام فقط
... الحرية لجميع المعتقلين
وللوطن السوري كله .
وهذه
لمحة عن حياة الرفيق والصديق
فاتح جاموس :
- فاتح محمد جاموس
- تولد : 1948 – بسنادة
– اللاذقية – سوريا.
- مهندس ميكانيك.
- عضو المكتب
السياسي في حزب العمل الشيوعي
في سوريا.
- عضو لجنة المتابعة
المؤقتة لمطالب المعتقلين و
الملاحقين السياسيين السابقين .
- عضو هيئة تحرير
نشرة " الآن " الناطقة باسم
حزب العمل الشيوعي في سوريا.
- متزوج و لديه
ولدان .
النشاط
- مارس العمل
السياسي في صفوف الحركة
الشيوعية السورية منذ بداية
السبعينيات .
- توارى عن الأنظار
لمدة ست سنوات بعد ملاحقة
السلطات الأمنية له بسبب
الانتماء الى حزب العمل الشيوعي
.
- عمل أثناء تخفيه
في تحرير جريدة الراية الحمراء
و مجلة الشيوعي الناطقتين باسم
رابطة العمل الشيوعي ( حزب العمل
الشيوعي لاحقا)
- قضى في المعتقل 18
عاماً إذ أعتقل منذ شباط 1982 و
حتى أيار 2000.
- جردته محكمة أمن
الدولة من حقوقه المدنية و
السياسية و منع بموجب ذلك من
العودة الى عمله كمهندس , كما
منع من العودة الى نقابة
المهندسين .
- عاد الى العمل
السياسي فور خروجه من المعتقل.
- أعيد اعتقاله مرة
ثانية و تمت محاكمته على ذمة
قضية النشطاء الأربعة عشر في
حلب .
- حكمت عليه المحكمة
بعقوبة السجن لمدة عام و ألغيت
العقوبة بموجب عفو من رئيس
الجمهورية .
- منع من السفر و
صودرت وثيقة سفره لأكثر من ستة
أشهر.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|