ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/07/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العرب.. و"النموذج الأميركي"

صبحي غندور*

عشيّة الحرب الأخيرة على العراق، أشار أكثر من مسؤول أميركي إلى أنّ واشنطن تريد أن يكون العراق في المستقبل نموذجاً لكلّ المنطقة العربية. وقبل هذه الحرب وبعدها، نجد الأوساط السياسة والإعلامية الأميركية تتعامل مع إسرائيل على أنّها "الدولة الديمقراطية الحقيقية" في الشرق الأوسط! وكلا النموذجين (الإسرائيلي القديم والعراقي المستجد) اللذين تطرحهما واشنطن لا يشكّلان فعلاً نموذجاً مرغوباً لمستقبل البلاد العربية.

فالنموذج "الديمقراطي" الإسرائيلي يقوم على عنصرية دينية يهودية. وهو "نموذج"، إن جرى الأخذ به، سوف يعني تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفية.

أمّا النموذج العراقي الذي تطرحه واشنطن، فهو يقوم حتى الآن على مزيج من عنف دموي، وتأجيج لصراعات داخلية، ووعود بدولة فيدرالية مجهولة الهوية .. كلّ ذلك في ظلّ عدم تحديد جدول زمني لخروج القوات الأجنبية من أراضيه.

طبعاً، إنّ عدم أحقّية "النموذج الديمقراطي الإسرائيلي"، وعدم الاستحقاق بعد للنموذج العراقي، لا يعني أنّ البلاد العربية هي بخير وأنّها لا تحتاج إلى إصلاح وتغيير.

وقد يكون أجدى للعرب، ما دامت الحلول لا تأتي إلا "معلّبةً" من الخارج، أن ينقلوا معركة "النموذج المطلوب" إلى داخل الساحة الأميركية، أي أن يطالبوا واشنطن بالعمل على تطبيق "النموذج الأميركي" نفسه في المنطقة العربية.

فالتجربة التاريخية للأمّة الأميركية فيها الكثير من الإيجابيات التي تحتاجها الآن الأمّة العربية. وقد أخذت الدول الأوروبية بالنموذجيِّ منها فعلاً حينما تحرّرت من المرحلة النازية/الفاشية، ثمّ حين بنت مجتمعات قائمة على أنظمة دستورية ديمقراطية، واتّجهت إلى التعاون والتكامل والاتحاد أملاً منها بالوصول إلى حالة "النموذج الأميركي"، كأمّة موحّدة قائمة على ولايات متعدّدة ونظام دستوريّ ديمقراطي يحفظ اتحادها.

العرب، أكثر من الأوروبيين، هم الآن بحاجة إلى هذا "النموذج الأميركي"، وإلى خلاصات التجربة التاريخية الأميركية.

فالأمّة الأميركية لم تكن موجودة أصلاً كأمّة قبل قيام الاتحاد الدستوري بين ولاياتها الثلاث عشرة التي شكّلت انطلاقة الولايات المتحدة الأميركية.

وإذا كان بعض العرب لا يقبلون بمنطق وجود (أمّة عربية) لأسباب إقليمية أو أممية، فليأخذوا العبرة من نشوء الأمّة الأمريكية وتحوّلها إلى أقوى وأعظم أمم العالم المعاصر.

لكن في التجربة "النموذجية" الأميركية محطات وخلاصات وأولويات من المهمّ التوقف عندها:

أولاً – مرحلة التحرّر: إذ قبل أن تكون "أمّة أميركية" كانت مستعمرات يُشرف عليها التاج البريطاني ويعيش فيها مزيج من المهاجرين الأوروبيين، وخاصّة أتباع الإمبراطورية البريطانية الناطقين باللغة الإنجليزية. وكان هؤلاء المهاجرون يدفعون الضرائب للتاج البريطاني ويخضعون لهيمنة وسلطة عسكره وممثّليه على الأراضي الأميركية. فكان التحرّر من التاج البريطاني والدعوة للاستقلال عنه، بقيادة الضابط جورج واشنطن وبمساعدة من الفرنسيين، هو البداية العملية لنشوء الأمّة الأميركية حيث اختار المستوطنون في المستعمرات الاستقلال عن بريطانيا وخاضوا حرباً شرسة من أجل انتزاع حرّيتهم تحت شعار: (عش حرّاً أو مت).

إذن الأساس في النموذج التاريخي الأميركي هو الحرّية بالتخلّص من الاحتلال ومن الهيمنة الخارجية، وبأنّ مقاومة الاحتلال من أجل الاستقلال هو حقّ مشروع لبناء أمّة حرّة.

ثانياً – مرحلة البناء الدستوري: صحيحٌ أنّ التحرّر من الهيمنة البريطانية صنع "أمّة أميركية"، لكنّه لم يكن كافياً ليصنع "أمّة عظيمة" قادرة على النموّ والاستمرار والتقدّم. وصحيحٌ أنّ الثوار المستوطنين قد قاوموا معاً جنود التاج البريطاني، ونجحوا معاً في حرب الاستقلال الأميركي، واتفقوا معاً على العيش المشترك على الأرض الجديدة في إطار اتحادي جمع ثلاث عشرة ولاية، لكن الصراعات سرعان ما ظهرت بين بعض الولايات، وجرى التنافس على الحدود والمياه والأراضي والثروات الطبيعية .. إلى أن حصل مؤتمر فيلادلفيا صيف عام 1787 الذي جمع بين الممثلين المنتخبين عن الولايات من أجل بحث الخلافات والحدّ من الصراعات، فإذا به كمؤتمر يتحوّل إلى "معجزة"، حسب الوصف التاريخي الأميركي، لأنّه أنتج الدستور الأميركي وما فيه من رؤى ثاقبة لكيفيّة الجمع بين الحفاظ على الاتحاد وبين البناء الديمقراطي السليم. وقد استطاع الآباء الدستوريون الأميركيون في مؤتمر فيلادلفيا ليس فقط حلّ الخلافات بين الولايات، بل ضمان استمرار اتحادها لاستيعاب ولايات أخرى مختلفة الموقع والأحجام إلى أن أصبحت الأمّة الأميركية مؤلّفة من خمسين ولاية تمتدّ من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي. وهي ولايات غير متساوية في المساحات وعدد السكّان والثروات، لكنّها متساوية بالحقوق والواجبات تحت مظلّة الدستور، ولا يخاف الصغير منها من الكبير المجاور.

ورغم النواقص الكثيرة – بمعيار الحاضر- بما كان عليه الدستور عند إقراره، لكنّه ترك المجال مفتوحاً للتطوّر مع مرور الزمن وحدوث المتغيّرات، حيث خضع الدستور لعدّة تعديلات ضمنت مشاركة المرأة والحقوق المدنية والحرّيات العامّة للأميركيين عموماً. وأصبح حكّام الولايات الأميركية منشغلين فقط بأمور ولاياتهم، وتولّت الدولة الفيدرالية أمور الخارجية والدفاع وغير ذلك من الأمور التي تدخل في نطاق مسؤولية المؤسسات الاتحادية، مع مشاركة كلّ ولاية في هذه المسؤوليات من خلال مندوبين عنها في مجلسيْ الشيوخ والنواب.

ثالثاً – مرحلة الدفاع عن وحدة الأمّة: لم يكن البناء الدستوري السليم وحده كافياً لضمان وحدة الأمّة الأميركية. فعلى الرغم من عدم وجود "مؤامرات خارجية" أو "أجهزة أمنية أجنبية"، فإنّ الاتحاد الأميركي هددّه خطر انفصال الجنوب عن الشمال، وحصلت الحرب الأهلية الأميركية عام 1864 التي استمرّت لسنوات وسقط فيها مئات الألوف من القتلى والجرحى، بعد حوالي ثمانين سنة على "المعجزة الدستورية" في فيلادلفيا.

وكما كان جورج واشنطن هو رمز معركة الاستقلال، كان أبراهام لنكولن هو رمز المحافظة على الاتحاد الأميركي. فلم يسمح الجيش الاتحادي بانفصال الجنوب، وقاوم ذلك بالقوة العسكرية في حرب أهلية مدمّرة لم تندمل بعد  كلّ جروحها. ولولا هذه الحرب لكانت أميركا الآن "أميركيات" متصارعة، ولانتهت "الأمّة الأميركية" وهي في المهد.

***

أين نحن العرب من خلاصات هذه التجربة الأميركية الزاخرة بالدروس والعبَر؟ ولِمَ يحقّ لأميركا ما لا يحقّ لغيرها؟

لِمَ لا تقوم المؤسسات المدنية العربية بحملة ثقافية وإعلامية في المنطقة العربية للتمثّل بإيجابيات النموذج الأميركي من حيث التلازم بين التحرّر والاتحاد والبناء الدستوريّ السليم؟

لِمَ يأخذ بعض العرب بمطالب واشنطن في جانب واحد فقط ولا يطالبون بكامل خلاصات تجربتها التاريخية العظيمة؟؟

لِمَ تحرّم واشنطن أيّة مقاومة للاحتلال، وهي عاصمة تحمل اسم من قاد معركة المقاومة والاستقلال ضدّ الهيمنة البريطانية؟

لِمَ هدّدت واشنطن القاهرة عام 1961 إنْ هي استخدمت القوّة للحفاظ على وحدة الإقليم الشمالي السوري مع الإقليم الجنوبي المصري في الجمهورية العربية المتحدة، بينما كانت الحرب الأهلية الأميركية مشروعةً حفاظاً على الاتحاد الأميركي؟!

طبعاً الإجابات عن الأسئلة المتعلّقة بالجانب الأميركي معروفة، لكن المحزن أنّ العرب لم يستفيدوا من دروس تجاربهم التاريخية، فكيف بهم وتجارب الآخرين؟!

----------

*مدير "مركز الحوار" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ