القابليّة
للعبَث :
أشمَـل
وأخطَر مِن القابليّة
للاستعمار!
عبد
الله القحطاني
القابليّة للعبَث مرَض (نفسي..أوعقلي..أوخُلقي..أواجتماعي..أوثـقافي..)
! وهو يشمل الأفراد والجماعات
والأحزاب والقبائل ، كما يشمل
الدول والشعوب والأمم..!
1- القابليّة
للاستعمارهي قابليّة للعبث ،
لأن استعمار الدول والشعوب
والأمم ، هو أخطر أنواع العبث
بها..! / وهذا هو الصنف الذي تحدث
عنه المفكر الكبير مالك بن نبي،
يرحمه الله ، وعليه نتّكيء في
استعراض أنواع القابليّات
السلبية..!/.
2- قابليّة
الفرد لعبث الآخرين ، بسبب (
حماقته ، أو كِبْره ، أو بَلادته
، أو ولَعه بالزعامة ، أو
ادّعائه ماليس له أوماليس فيه ،
أو تَطفّله على شؤون الآخرين ،
أو سفاهته ، أو جرأته على النيل
من كرامات الآخرين ، أو حِرصه
غير الطبيعي ،على أن يبدو
مُهمّاً ذا شأن..!)..هذه القابلية
هي نوع من الاستعداد السلبي،
لدى هذا الفرد، ليعبث به
الآخرون..! فهو يعطيهم ، بنفسه ،
المفاتيح التي يعبثون بها
بشخصيته ، في أي جانب من جوانبها
..! والثقافات الإنسانية ـ
لاسيّما الأدب والفنّ ـ مشحونة
بأنواع العبث الذي مارسه كتّاب
، وأدباء ، وشعراء ، ورسّامون ،
ومخرجون في فنّ الدراما..على
شخصيات معيّنة ، وعلى صفات
معينة تشمل شرائح من البشر..! ولو
كان بحثنا هذا في مجال الأدب
والفنّ ، لَعرضنا نماذج في غاية
الطرافة والإمتاع ، ممّا خلّفه
لنا الحطيئة ، والجاحظ ، وابن
الرومي ، والمتنبي، وموليير،
وبرناردشو، والمازني ، وغيرهم..
! إلاّ أن لهذا مجالاً آخر.
والمشكلة الأخطر، هنا ،
تكمن في مصير الناس المرتبطين
بهذا الفرد ، سواء أكان
الارتباط أسَرياً ، أم مالياً ،
أم سياسياً ، أم عسكرياً ، أم
اجتماعياً ، أم ثـقافياً ..! كأن
يكون هذا الشخص ربّ أسرة ، أو
مسؤولاً في مشروع مالي أو
اقتصادي ، أو عضواً ذا شأن في
تنظيم سياسي ، أو قائداً عسكريا
، أو زعيماً قبلياً ، أو مسؤولاً
عن مؤسسة ثقافية ...! لأنه ، في
هذه الحال ، يشكّل بلاءً أو
كارثة ، على الناس المرتبطين به
، أو الواقعين تحت إمرته ، أو
المقتدين به ، أو الخاضعين
لتوجيهاته ..! ويشكّل ثغرةً ـ على
سبيل اليقين ـ في الجدار الذي هو
لبنة فيه ، أيّـاً كان هذا
الجدار ..! وكلما ازدادت أهمية
الجدار ـ سياسياً .. عسكرياً ـ
وازدادت ضخامة هذه اللبنة
فيه ، ازدادت الخطورة، وازداد
حجم الكارثة ..! لذا ، تحرص الدول
، على العبث بأكبرالرؤوس ، في
الدول الأخرى ، ممّن هم في
المناصب العليا والحساسة ، بعد
أن تبذل جهودها ، للوصول إليهم،
والهيمنة عليهم ، من خلال نقاط
ضعفهم، النفسية والعقلية
والخلُقية..لتَعبث ،عَبرهم،
بما يقع تحت مسؤولياتهم ، من
بَشر، ومؤسسات ، ومصالح عامّة ،
وأوطان ..! (ومعلوم أن اليهود ، هم
أساتذة العالم في هذا الفنّ ،
وإنجازاتهم فيه ـ لاسيّما في
أمريكا ـ يعرفها كل من لديه
اهتمام بهذا الموضوع ..!).
كما أن الحكومات تحرص على
العبث بمعارضيها ، عَبر هذه
الثغرات ـ أي: الشخصيات التي
لديها قابليّة للعبث بها ـ
فتَـشقّ بعض الأحزاب المعارضة ،
وتشتري عناصر مهمّة من أحزاب
أخرى ، بالمال ، أوالمنصب ، أو
إسباغ الأهمية والشهرة على
الشخص المشترَى .. أو مداعَبة
إحساس غامض لديه ، بأنه حلاّل
للعقد المستعصية ، التي
لايستطيع حلّها أحد سواه .. أو
نحو ذلك ، ممّا بَرعت أجهزة
الدول في ممارسته ، والتـفنّن
فيه ..!
3- قابلية
الشعوب لأن يستبدّ بها حكّامها
، فينتهكوا حريّاتها وحرماتها ،
وينهبوا أموالها، ويُبيحوا
أوطانها لأعدائها .. هذه
القابليّة هي من أشنع أنواع
القابليّات ، وأشدّها فتكاً،
بالشعوب والدول والأمم ، على
مدار التاريخ الإنساني.. وهي
لاتقلّ خطراً عن القابليّة
للاستعمار ..! ومن أبرز نماذجها
التاريخية المعروفة ، شعب فرعون
الذي ( استَخفّ قومَه فأطاعوه)
فنصّب نفسه عليهم إلهاً، وفرَض
عليهم أن يقبلوا منه صفات
لاتكون إلا لله ربّ العالمين ،
مثل :( فعّال لِما يريد ) و ( لا
يُسأل عمّا يَفعل)..! ولو لم يكن
لدى الشعوب ، هذا النوع من
القابليّة ، لَما عبث بها
الحكّام هذا العبث..!
على أنا لاننسى ، أن الحكّام
يحرصون ـ بكل مالديهم من قوّة
ومكر وخبث ـ على صناعة هذه
القابليّة لدى الشعوب ، لأنها
هي وحدَها، التي تمكّنهم من
رقابها ، أطولَ مدّة ممكنة ..
وإذا ماتوا ، ورّثوا هذه الشعوب
لأبنائهم ، على أنها تَركة تمثل
مجموعة من العبيد ، يتصرف بها
الورثة بالصورة التي تريحهم ..!
وأيّة موازنة بين صورة الشعوب
العربية قبل نصف قرن ، حين كانت
تقارع الاستعمار، وتتصدّى
لأخطاء حكّامها في الشوارع
بالملايين ، في مظاهرات حاشدة ..
وبين صورتها اليوم ، توضح الجهد
( الرائع النبيل !) الذي بذله
هؤلاء الحكّام ( الرائعون!) في
صناعة هذه القابليّة (السامية
الجليلة! ) لدى شعوبهم ، التي
يتغنّون بخدمتها صباحَ مساءَ..!
4- ومن
المفيد أن نذكّرهنا ، بأننا في
عصر دخلت فيه السياسة في كل شيء
، بما في ذلك الماء والغذاء
والدواء.. ودخل التفكير السياسي
، في صميم التفكير الاقتصادي
والاجتماعي للأفراد والجماعات
، فكثرت الأحزاب السياسية ،
وتنوّعت مشاربها ومذاهبها ،
وصارت الهيمنة على الشعوب ،
تتمّ عبرَ الهيمنة على الكتل
والأحزاب السياسية فيها ، وصار
اصطياد الفرد الفاعل ، داخل
الحزب السياسي المعارض ، جزءاً
أساسياً من عمل أجهزة
الاستخبارات ، لدى الحكومة التي
تهيمن على مقدرات الدولة ..! ومن
خلال اصطياد الأفراد الفاعلين ،
في الأحزاب المعارضة ، تتمّ
الهيمنة على هذه الأحزاب ، ثم
تَجري عمليات توظيفها ، في
الأهذاف التي تخدم مصالح الحكم
القائم ..! أو تتمّ تَـشْظيتها
والهيمنة على بعض شظاياها ،
وتوظيفها في خدمة الحكومة
وأهدافها..!
5- وأساليب
الأجهزة الامنية ، في الهيمنة
على الأحزاب المعارضة ، أو
تشظيتها وتوظيف شظاياها .. كثيرة
متنوعة ، منها إغراء الأفراد
بمصالح خاصّة بهم ، ومنها
إقناعهم ـ أو
استغفالهم ! ـ إذا كانوا من
أصحاب المبادئ ، أن السلطة
الحاكمة ، تريد بسلوكها الفلاني
، خدمة وطنهم وأحزابهم ، وأنهم ـ
أي الافراد المعبوث بهم ـ هم
وحدهم ، المؤهلون لمساعدة
السلطة في تحقيق أهدافها (
الخيّرة النبيلة !) التي تتحقّق
بها مصالح الوطن ، بفئاته كلها ،
وأحزابه كلها..! بينما الآخرون ،
الذين يعارضون سياسات الحكومة ،
جهلة متخلفون ، أو أصحاب مصالح
شخصية ، يضحّون لأجلها بمصالح
الوطن والشعب..!
( ومن أخبث الأساليب التي
تمارسها الحكومات ، لشقّ صفوف
معارضيها، أسلوب تقديم /العروض..!/
التي ظاهرها فيه الرحمة ،
وباطنها من قِبَـله العذاب ..!
فيُخدع بعض قادة الحزب المعارض
، بالبريق الذي يعكسه عرض
السلطة ، ويتحمّسون لمحاورتها ـ
أو مفاوضتها ـ على أساسه ،
مردّدين القول الدارج : فلنتبع
العيّار إلى باب الدار ..! وينتبه
قادة ـ أو نشطاء ـ آخرون من
أعضاء الحزب ، إلى رغبة السلطة
في العبث بالحزب ، عبر العرض
الذي قدمته.. ويحذّرون
المتحمّسين ، من الفخّ الرامي
إلى شقّ الحزب وتَشظيته..! ويثور
النقاش ، ثم الجدال ، بين مؤيّد
لعرض السلطة ، ورافض له محذّر
منه ! ثم يتطور الأمر ، إلى خلاف
بين الفريقين ، يؤدّي في
النهاية إلى انشقاق، أو إلى
بلبلة شديدة داخل الحزب ، تسعى
السلطة إلى تعميقها وتوظيفها ..!
ثم يكتشف أفراد الحزب ، بعد
معاناة مريرة في دوّامات الجدل
والشَحناء ، مَدى ما يَتحلّى به
بعض قادته ، من حنكة وذكاء..!).
ومن الجدير بالذكر، أن لعبة
الصراع ، بين السلطات الحاكمة
والأحزاب المعارضة لها ، هي
ظاهرة عامّة ، منتشرة في العالم
كله..! وهي تبدو أشدّ سخونة ، وـ
ربّما ضراوةً ـ في الدول التي
تحكمها سلطات دكتاتورية
مستبدّة ، تَضيق ذرعاً بأيّ صوت
مخالف ، وتسعى إلى خنقه ، دون
هوادة أو رحمة ! وبلادنا العربية
تحظى بالقسط الأكبر، من هذا
الطرازالرائع من السلطات..!
6- قابليّة
الحكّام لأن يعبث بهم أعداء
أمتهم ( هم يسمّونهم حلفاء!)..هذه
القابليّة لاتقلّ فتكاً
وتدميراً ، للدول والشعوب ، عن
سابقتها..! فالعبث بالحاكم ،
الذي يهيمن على مقدرات شعب
ودولة ، هو بالضرورة ، عبث بهذا
الشعب وهذه الدولة ، وهو عبث
بالواسطة ، عَبر الحاكم نفسه ! ـ
وهذا العبث الخارجي ،
عبرالحكّام وأصحاب القوة في
الدولة ، يسمّى نفوذاً ! وهو ما
تميل إليه الدول القوية اليوم ،
بعد مضيّ عصر الاحتلال المباشر،
الذي كان يسمى استعماراً ..! ـ
وقد تحتاج الدولة العدوّة ،
المسيطرة على الحاكم ، إلى
التدخل المباشر ، للعبث المباشر
، بالأصالة لا بالوكالة ! فتعود
إلى عهد الاحتلال والسيطرة
المباشرة..!
وقد بدأت تباشير هذه
السياسة تظهر ، منذ سنوات قليلة
، في سلوك الامبراطورية الجديدة
(أمريكا).. ونماذجها في بلادنا ،
أوضح من أن تحتاج إلى دليل ..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|