حوار
مع صنم
أبو
عمر الأسدستاني
جلست في هدوء أتأمل
صنماً من الأصنام الكثيرة
المزروعة في بلادنا والذي بدا
منتصباً بقسوة في مدخل مدينتي ,
وراودني شعور غامر بالرضا إذ
وجدتها فرصة مثالية ًللتحدث معه
في جو ديمقراطي مفتوح دون خوف من
أجهزة أمنه الكثيرة , و لقناعتي
المطلقة بأنها فرصتي الوحيدة
لأطبق شعاره (لا أريد لأحد أن
يسكت عن الخطأ ولا أن يتستر عن
العيوب والنواقص) .
ولكن واجهني سؤال
محير هنا, فماذا
أقول وكيف أبدأ بالكلام وعن أي
خطأ بل أية كوارث سأتحدث ؟ أما
العيوب والنواقص فحدث ولا حرج ,
ثم خطرت على بالي فكرة لا بأس
بها باعتبار أن حواري مع الصنم
يتم بأسلوب الرأي والرأي الآخر
فسأطرح عليه الأسئلة على طريقة
الدكتور فيصل القاسم عند تقديمه
لبرنامجه , والصنم بعدها سُيجيب
و ستكون أيضاً فرصة مناسبة
لنسمع وجهة نظره عن بعض الأمور
فمن المحتمل أن نكون في وقت ما
ظلمناه دون أن ندري ؟ وبدأ
الحوار:
سيادة الرئيس الصنم
سأطرح على سيادتكم سؤالاً
وحيداًً:
لـــــــمــــــاذا
؟؟؟ لماذا فعلتم كل هذا في بلد
ٍجميل كان اسمه سوريا ؟ لماذا
فجّرتم بركان الحقد الطائفي في
بلد ضُرب فيه المثل منذ الأزل
بالتسامح والتعايش السلمي بين
طوائفه؟ لماذا استبحتم دماء
السوريين وأموالهم وأعراضهم ؟
لماذا قتلتم مئة ألف ٍمن أبنائه
واعتقلتم مئات الآلاف الآخرين ؟
لماذا هجّرتم وشردتم الملايين
من مواطنيكم في كافة أرجاء
المعمورة ؟ لماذا زرعتم أحزمة
الفقر حول مدننا ؟ لماذا نهبتم
ثروة الأجيال السابقة والحالية
واللاحقة ؟ لماذا وأدتم العلم
والتعليم ؟ لماذا... ولماذا وألف
لماذا ؟؟ ..
ولبثت برهة أتأمل
الصنم وكأني بذلك أعطيه الفرصة
للإجابة ولكن للأسف مثلما كان
في حياته سيكون أيضاً في مماته
أصماً متحجراً مجرداً من
الأحاسيس , تأملت وجهه الحجري
بعيونه الباردة وقسماته
القاسية وابتسامته السادّية ,
ووجدت نفسي أسأله بصوت عال
وبجرأة لماذا تبتسم ؟ هل تعتقد
أنك آمن على جسدك في قبرك ؟ ألم
ينسفوا بالديناميت قبر رفيق
دربك ومؤسس حزب بعثك ميشيل عفلق
؟ هل حقاً تعتقد أن أصنامك خالدة
؟ ألم تر وتسمع في قبرك ماذا
فعلوا بأصنام صدام , كيف هُدمت
وقُطعت رؤوسها وسُحلت في شوارع
بغداد ؟ هل أنت مسرورٌ أنك ورّثت
العرش لابنك من بعدك ؟ ألم تصلك
بعد أخبار عدي وقصي صدام حسين ؟
هل أنت راضٍ عن المليارات التي
نهبتها وأودعتها في المصارف
الأجنبية ؟ اسأل جموع الحجيج
المنافقين المتباكين على قبرك
عن بنك المدينة و عن أموال صدام؟
أم لعلك تبتسم لأنك
وأنت ميت ما زلت ترعبني وترعب
الملايين معي ؟ أعترف لك بأنك
على حق في هذا إذ جعلتني أتخذ
اسماً مستعاراً عندما أكتب
لأنني خائف على نفسي و أولادي
الصغار من بطش زبانيتك , وأعترف
أيضاً بخطأي في الماضي فقد خفت
على نفسي عندما كنت شاباً
وحيداً , وأنا الآن خائفٌ على
نفسي وأولادي , وغداً سأخاف على
نفسي وأولادي وأحفادي معاً , نعم...
نحن من جعلناك إلهاً جاهلياً
علينا ورفعنا لك الأوثان , لتسبغ
نعمتك على من تشاء وتسحق وتبطش
بمن تشاء , جعلناك إلهاً جاهلياً
علينا عندما رضينا بالذل
والهوان في شبابنا , رأينا
كرامتنا تمرغ بالتراب وسكتنا ,
رأينا ثرواتنا تُنهب جهاراً
وسكتنا, رأينا عُهر مسؤولينا
وسكتنا , رأينا أبناء هذا الوطن
يتسلى زبانيتك بتعذيبهم وذبحهم
وسكتنا , رأينا آباءنا وأمهاتنا
يُهانون أمام أعيننا وسكتنا,
ورأينا ... ورأينا ... ورأينا...
وسكتنا, لم
نقاوم... لم نعارض...لم نثور ,
اتكلنا على قلة شجاعة منا ..
قاومت ..عارضت ..ثارت , تركناهم
لوحدهم أو بالأصح ويا للعار
قدمناهم قرابين على مذبحك لننأى
بأنفسنا عن بطشك , ونمنا قريري
العين مطمئنين , نبحر بأحلامنا
معهم إلى برٍ خالٍ من القادة
الملهمين أمثالك ومن حالات
الطوارئ ومن حزب البعث ومن ألف
كارثة وكارثة حلّت علينا بسببك ,
ولما أفقنا من حلمنا الوردي
الجميل وجدنا ويا لهول ما
وجدناه ؟ ُملهماً آخر أصبح
ملكاً علينا , نعم أصبح المحروس
ملكاً علينا ؟ ووجدنا أنفسنا في
الدوامة من جديد نخر له ساجدين
مطأطئي الرؤوس
خانعين , إلى الأبد مبايعين ,
صامتين صمت القبور .
لا أعرف ...هل
يسامحنا الله جل جلاله على
ركوعنا وسجودنا لآل الحاكم ...نرجو
العفو والرحمة والمغفرة من
الغفور الرحيم ؟ هل
ستصفح عنا الأجيال القادمة
على تلذذنا بالذل والمهانة ؟ أو
على امتهاننا تسول الفُتات على
موائد آل الحاكم ؟ هل نستطيع بعد
كل ما حصل لنا ولديِِنِنا
ولبلدنا رؤية وجوهنا في المرآة
ثانية ً؟ حقيقة لا أعرف فأنا
مازلت خائفاً وما زال مثلي
الملايين خائفين .
ويستمر الخوف ......ويستمر
آل الحاكم في الحكم.......وتستمر
المأساة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|