أيها
المواطن السوري :
حقك
في الصراخ سقط بالتقادم
عبدالله
القحطاني
حين صرخت من ألم القهر
والجوع والتعذيب ، وفقدان
الحرية والكرامة ، صرخ في وجهي
الضابط المكلف بقهري وتعذيبي ،
قائلاً : اخرس ياوغد .. إن صراخك
يزعجنا !
وحين
قلت له : إن من حق المتألم أن
يصرخ . أجابني : هذا صحيح ، ولكنك
فقدت هذا الحق ، منذ سنين طويلة !
قلت : ولكنّ ضابطاً كبيراً
قال لي منذ مدة ، حين كنت أصرخ من
الألم والقهر والجوع وفقدان
الحرية والكرامة .. قال لي : اخرس
، فإن حقك بالصراخ لم يحِن بعد ..!
نحن الآن مشغولون بمعركة ،
ولاصوت يعلو فوق صوت المعركة ..!
وأيّ صراخ الآن ، منك أو من سواك
، سوف يضعف عزيمة الرجال الذين
يخوضون المعركة ، وهي معركة
مصيرية حاسمة ، لن نسمح لأحد أن
يضعفنا فيها، أو يوهن من
عزيمتنا في خوضها ، ضدّ أعداء
الأمّة الشرسين ، المتربّصين
بنا الدوائر، من الصهاينة
والمستعمرين ..!
قال : كلام الرفيق الضابط
صحيح ، وكلامي صحيح ، وعليك أن
توفّق بينهما ، وأن تخرس خرساً
مضاعفاً ..!
قلت
: ولكن كيف أوفّق بين حقّ لم يحن
وقته ، وحقّ سقط بالتقادم ،
وكلاهما حقّ واحد ..!؟
قال : سأهمس في أذنك كلاماً
لاتخبر به أحداً : إن سيادة
الضابط الرفيق ، الذي أخبرك بأن
حقك في الصراخ لم يحن وقته بعد ،
كان يسايرك ، ويأخذك على قدر
عقلك ، ويفتح لك نافذة أمل
بالصراخ ، ولو بعد سنوات طويلة
قادمة ..! وقد تموت قبل أن تحقّق
هذا الأمل ، وقد ننتصر على العدو
، ونقيم احتفالات للنصر ،
تستمرّ سنوات عدّة لامجال فيها
للصراخ .. وقد يهزمنا العدوّ ،
لاسمح الله ، فنبدأ بالاستعداد
لمعركة جديدة ، وفي هذه الحال
يكون العمل الجادّ، لكسب معركة
الثأر ، هو المطلوب من كل مواطن
، ولا مجال للصراخ ألبتة ، لأن
الصراخ سيكون عندذ ـ كما هو الآن
ـ خيانة وطنية ، لأنه يضعف من
عزيمة المقاتلين، ويؤدّي إلى
خسارة المعركة..!
.. فكلام الرفيق ذاك صحيح ،
من حيث كونه يفتح لك نافذة أمل ،
حتى لو كان أملاً خادعاً، لأن
الحياة بلا أمل صعبة جداً ..! لذا
كان رحيماً بك ، وعليك أن تشكره
شكراً جزيلاً..! أمّا الكلام
الذي قلته لك ، بأن حقك سقط
بالتقادم ، فهو عين الحقيقة ..!
ذلك أنك كان يجب أن تصرخ يوم
استلمنا السلطة في البلاد ،
فذلك هو الوقت الذي كان يحقّ لك
فيه الصراخ ..ولمّا لم تمارس حقك
في ذلك اليوم ، وأجّلته إلى الآن
.. فقد خسرته ، ولم تبق لك فرصة في
ممارسته.. والسبب واضح وبسيط ،
وهو أننا لسنا مَن فَرضَ عليك
هذا الواقع الذي تشكو منه الآن ،
فالذين فرضوه تركوه ومضوا ، كل
في حال سبيله ، منهم من ذهب إلى
القبر، ومنهم من ذهب إلى المنفى
، ومنهم من ذهب إلى السجن ،
ومنهم من ألزَمه المرض أوالعجز
بيته..! ومن تراهم أمامك الآن ،
لا ذنب لهم فيما أنت فيه ، فهم
مجرد استمرار، للجيل الذي صَنع
لك ماأنت فيه الآن ! وأيّ تغيير
في هذا الواقع الذي أنت فيه ،
يشكّل خيانة عظمى لجيل
المؤسّسين .. فهل تريدنا أن نكون
خونة يامجرم ياحقير..!؟
قلت : ولكني ، ياسيّدي ، صرخت
منذ اليوم الأول لاستلام الجيل
المؤسّس للسلطة ، فكيف أفقد حقي
في الصراخ ، اليوم ، بالتقادم ..!؟
قال
: يبدو أن صوتك كان ضعيفاً فلم
يسمعه أحد !
قلت : بل صرخت بقوّة ، وبصوت
مجلجل سمعه كل من كان حولي ..!
قال بغضب : كشفتَ نفسك ،
ياوغد يامجرم ياعميل..! وسجّلت
على نفسك تهماً خطيرة تقذف بك
وراء الشمس ، أولها: أنك كنت
عدواً لحكمنا منذ بدايته ،
معرقلا لمسيرة ثورتنا الميمونة!
وثانيها : أنك طمّاع جشع ،
لاتشبع من الصراخ ..! فقد اعترفت
بأنك صرخت منذ تلك الأيام،
وتريد الآن أن تصرخ مرّة أخرى ،
فتزعجنا من ناحية ، وتأخذ حقّ
غيرك في الصراخ ، من ناحية ثانية
! أم تظنّ أن جَدك خلّف لك عندنا
، مستودعاً مملوءاً بالصراخ ،
تنفق منه متى تشاء ، وكيفما تشاء
!؟ لولا حرصنا على أن يظلّ فمك
مفتوحاً لتأكل وتشرب ، لختَمنا
عليه بالشمع الأحمر! فاحمد الله
على أن لدينا من الرحمة ،
مايجعلنا نحفظ حياتك من الموت
عطشاً وجوعاً..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|