المليارات
لتنمية الشعارات
أبو
عمر الأسدستاني
مستنقع الفساد في
أسدستان عميق وواسع ,
قذرٌ موحلٌ ونتن , ستظل
رائحة العفونة التي تفوح منه
والأوبئة التي ينشرها تطارد و
تقتل لعقود طويلة قادمة أي أمل
أو حلم في بناء سوريا الكريمة
لأبنائها والحرة بمصيرها و
مستقبلها .
أعترف بداية أنني
لا أملك معلومات إحصائية دقيقة
عن حجم الفساد في أسدستان ولكن
سأحاول معكم و بطريقة تحليلية
بسيطة تحريك المياه في هذا
المستنقع الآسن .
سأبدأ أولاً
بالأمور الصغيرة والتي لا تلفت
الأنظار في العادة , وأسألكم
جميعاً كم مليون متر من القماش
في اعتقادكم استخدمت لمسيرات
واحتفالات البعث وآل الحاكم على
امتداد ثلاثة وأربعين عاماً ؟
علماً بأنه لدينا أربعة
احتفالات (قومية) رسمية سنوياً
هي : ذكرى التشرينين و آذار
ونيسان ؟ حسناً لنفترض نظرياً
وجود ألف منشأة حكومية بين شركة
ومؤسسة ومعمل ودائرة وقطعة
عسكرية وجامعة ومدرسة ومعهد
ونادي وصالة رياضية ومقرات
حزبية وأمنية ونقابية
...... الخ في أسدستان
, علماً أنه يوجد عشرات
أضعاف هذا الرقم ، ولكن سأكتفي
بألفٍ فقط , والسؤال الآن كم
متراً من القماش تحتاج الألف
منشأة هذه ؟ دعونا نقول بأن كل
منشأة ستحتاج إلى مئة متر فقط
يعني(20-30 يافطة) فيكون المجموع
مئة ألف متر من القماش ,
وإذا افترضنا أيضاً أن متر
القماش (أبو عرضين) بخمسين ليرة
سورية يصبح مجموع ثمن القماش
الخام خمسة ملايين ليرة سورية ,
نأتي الآن إلى تكلفة الطباعة
والرسم و كتابة الشعارات على
أمتار القماش هذه ولنقل
بأن كلفة كل متر خمسين ليرة
سورية أيضاً (على الرغم من يقيني
بأنها أضعاف هذا الرقم) فيصبح
المجموع عشرة ملايين ليرة سورية
تكلفة مئة ألف متر من القماش
والشعارات , يُضاف لهم بالحد
الأدنى عشرة ملايين أخرى هي
تكلفة حبال الإنارة لتزيين
الأبنية , يصبح المجموع الكلي
عشرين مليون ليرة سورية , نأتي
الآن إلى شوادر الفرح والصور
المطبوعة وهي من ملازمات
الاحتفالات ولنقل أن تكلفة
إيجارها وطباعتها عشرة ملايين
ليرة فقط , تصبح
الكلفة المبدئية لكل احتفال
ثوري ثلاثون مليوناً من الليرات
السورية , وطبعاً بما أننا نتحدث
عن أسدستان وليس عن سويسرا فمن
الضروري أيضاً احتساب هامش
السرقة والنهب في مثل هذه
المناسبات حيث لا رقيب ولا حسيب
بل أساساً لا أحد يجرؤ على
التحقيق في حسابات الاحتفالات
والمسيرات القومية وإلا اتهم
بالخيانة العظمى ومعاداة أهداف
الثورة ؟ ولنفترض جدلاً أن
الرفاق المسؤولين عن تنظيم
الاحتفالات قنعوا بهامش من
السرقة وقدره 100%. (أقل من ذلك ما
بتوفي معهم) فسنصل ببساطة إلى
ستين مليون ليرة , وحتى تكون
الحسبة مضبوطة يجب أن نحسب
أيضاً الخسارة الناجمة عن تعطيل
عمال وأفراد المنشآت السالف
ذكرها , ولنقل عشرة عمال من كل
منشأة فقط سيشاركون في
الاحتفالات أي ما مجموعه عشرة
آلاف هتيف علماً بأن هذا العدد
هو عدد المحتفلين في قرية
متوسطة الحجم في أسدستان ,
وسأختصر في احتساب عطالتهم ليوم
واحد فقط و بدون إطالة في
العمليات الحسابية الافتراضية
حول قيمة إنتاجهم في هذا اليوم
وكلفة مواصلاتهم لإيصالهم إلى
مكان الاحتفال سنقول بأنه في
حدود الأربعين مليون ليرة أخرى
مما يرفع المجموع النهائي إلى
مئة مليون ليرة سورية هي الحد
الأدنى لاحتفال عشرة آلاف شخص
فقط في مناسبة قومية مجيدة
واحدة , فإذا تذكرنا وجود أربع
مناسبات ثورية سنوياً وعلى مدى
ثلاثة وأربعين عاماً يصبح
الناتج سبعة عشر مليار ومئتي
مليون ليرة سورية أو ما يعادل
ثلاثمائة وأربعين مليون دولار
فقط لا غير ؟
علماً بأن مواسم تجديد
البيعة أو الاستفتاء واحتفالات
الطلائع والشبيبة والعمال
والمحبة....الخ , لم أتطرق لذكرها
ولن أذكر أيضاً كلفة الأصنام
والمقابر العائلية وشعراء
الثورة وُكتاب البعث.....الخ
لسبب بسيط أن ميزانيتهم
مفتوحة وشيكاتهم على بياض .
نعم ثلاثمائة
وأربعين مليون دولار هي الحد
الأدنى اللازم ليحتفل عشرة آلاف
هتيف بمنجزات البعث والثورة ,
فإذا علمنا يقيناً أن هناك
عشرات الملايين من الهتيفة
الذين شاركوا في الاحتفالات
القومية على امتداد العقود
الأربعة المنصرمة لحكم البعث
وحسبنا تكلفة احتفالاتهم فسنصل
إلى أرقام فلكية لا يمكن تخيلها
.
تخيلوا كم َصرف هذا
النظام وبسخاء
على الشعارات الجوفاء الفارغة
والمقيتة , ماذا لو تم استثمار
هذه المبالغ أو جزء صغير منها
في أي مجال من مجالات
التنمية سواءً في بناء البُنى
التحتية مثلا ً أو في الصناعة
والتقنية بالتأكيد
كنا تفوقنا على ماليزيا وكوريا
الجنوبية مجتمعتين , بل حتى لو
صرفت هذه المبالغ على التسليح (إضافة
لما نُهب باسم الصمود والتصدي)
لامتلكنا السلاح النووي منذ أمد
بعيد , أو في مجال السياحة
لسبقنا إيطاليا وإسبانيا معاً ,
أو في الثقافة والتعليم لأصبحت
دمشق عاصمة النور بدل باريس .
لو استثمرت هذه
المليارات من الدولارات في أي
مجال من مجالات التنمية لكنا
ربما أول دولة في العالم تدخل
القرن الحادي والعشرين ,
لكن الرفاق البعثيين فضلوا
الاستثمار في تنمية الشعارات
ليستروا بها عوراتهم
الإيديولوجية ويغطوا بها على
فسادهم ويسحقوا معارضيهم ,
مصرين وبكل ما أوتوا من قوة على
تسخير ثروات الوطن وطاقاته
لإعادتنا إلى ظلام القرون
الوسطى .
لن أتحدث هنا عن
فساد حافظ ورفعت وجميل وباسل
وبشار وبشرى ومجد وماهر وشيخ
الجبل وفواز وبديع ونمير وهارون
.....الخ وكلهم من آل الأسد ولن
أتحدث أيضاً عن فساد آل دوبا وآل
حيدر وآل فياض وآل طلاس وآل
مخلوف وشوكت وشاليش .....الخ أو عن
فساد رؤساء الوزراء والوزراء
والمدراء والموظفين والأصغر
منهم والنواب وضباط الأمن
وعناصره ........الخ , لن أتحدث عن
فساد هؤلاء الذين فرضوا أنفسهم
حراساً للوطن والثورة يمنحون
صكوك الوطنية لمن يشاءون
ويخونون من يشاءون , لأن فسادهم
الشخصي وفساد عائلاتهم
باعتقادي فاق كل تصور بل وأسوأ
من أسوء كوابيس الفساد عبر
التاريخ .
وما زال الرفاق
البعثيون إلى الآن مستمرون
بتنمية وتطوير الشعارات
القومية , أما إيصال حنفية مياه
إلى إحدى القرى فيُعد بحق
منعطفاً هاماً في تاريخ سورية ,
وهبة القائد البطل باني سورية
الحديثة لأبنائه , وطبعاً ستكون
الحفلات الغنائية والخطابية
المرافقة لتدشين الحنفية
والتي قد تفوق بتكلفتها المشروع
نفسه مناسبة ممتازة لاختبار
وإطلاق أحدث ما توصلت له
مختبرات البعث الثورية من
شعارات , وفي مناسبة تاريخية
كتدشين الحنفية لابد من حضور
الرفيق أمين الحزب مع الرفاق
أعضاء قيادة الحزب ومعاونيهم
وأمناء سرهم ومرافقيهم ,
والمحافظ ومعاونيه وأمناء سره
ومرافقيه , وقائد الشرطة
ومساعديه ونوابه وصف ضباطه
والمرافقين , ومسؤول الطلائع
والشبيبة والعمال والكادحين
والاتحاد النسائي ونوابهم
وأمناء سرهم , إضافة إلى المدير
العام لحنفيات المياه ومهندسيه
ومساعديه ونوابه ومرافقيه ,
وفرق العراضة والدبكة والشيش
وبعض النواب من أبناء المنطقة
ومئات الهتيفين وآلاف الصور
واليافطات والأعلام وعشرات
الذبائح ومذيع التلفزيون
والمصور والمخرج وطاقم الفنيين
والمهندسين وكتيبة من عناصر
الشرطة والأمن الجنائي والعام
والسياسي والعسكري ....الخ ,
لابد من حضور هؤلاء طبعاً
لسماع أحدث الشعارات القومية
التي تتناسب وضخامة المُنجز
وأهمية الحفل والتي تعكس دائماً
روح الصمود والتصدي التي عودنا
عليها الرفاق من نوع (ستقطع
حنفيات البعث الطريق أمام مياه
الامبريالية والصهيونية) ؟ (سنغرق
التتار بمياه بشار) ؟ (سوا ربينا
وسوا شربنا من نفس حنفية قائدنا)
؟ (من حنفية البعث شربنا ومن فكر
القائد نهلنا) ؟ (ماء الصمود
والتصدي ينقط من حنفية الأسد) ؟ (حنفيات
سوريا الله حاميها) ..........
صدقوني ...فقط لأن
البقرة السورية الحلوب أصيلة
وخيّرة فما زلنا ولله الحمد نجد
الخبز لنأكله عوضاً عن الشعارات
والهتافات والصور , ولو كانت في
مكانها بقرة هولندية أو
دانمركية لجفت ضروعها وماتت منذ
أمد بعيد بعد كل هذه الشفط
الجائر والمستمر لحليبها من قبل
أبنائها اللقطاء .
أخيراً ولكي تكتمل
الفصول المسرحية لتراجيديا
البعث والتي يستمر عرضها
بالإكراه للعام الثالث
والأربعين على التوالي , يأتينا
هتيف قديم ورئيس وزراء حالي هو
مهاتير العطري ليتغنى بانجازات
ماليزيا ويستعين بخبرائها
لتحقيق الإصلاح طالباً منا
الصبر والمزيد من الوقت بدل أن
نجلده بحديثنا عن الفساد ؟ عن أي
إصلاح تتحدث يا مهاتير ؟ وكم
قرناً من الزمان تريد لتحقيقه ؟
كفاك سخرية من نفسك فنحن منذ زمن
بعيد غسلنا أيادينا منكم جميعاً
, فلا
إصلاح بوجود البعث وآل الحاكم
ولا إصلاح بالشعارات فقط
كما تريدون ولا إصلاح عن طريق
أمثالك من المسئولين ولا إصلاح
من دون النية الصادقة والإرادة
القوية في القضاء على الفساد
وفي الشفافية ومحاسبة الذات
وهذه شيم أعترف بأنها دخيلة على
الرفاق البعثيين .
أما إذا كنت خائفاً
على جلدك الناعم وآذانك المرهفة
من الجلد بالحديث عن الفساد ,
فلا تخف فلن نجلدك بل سنقبرك
قريباً إنشاء الله أنت وشعاراتك
وبعثك وأولياء نعمتك في مزبلة
التاريخ السوري
.
ويستمر الفساد ......ويستمر
آل الحاكم في الحكم ......وتستمر
المأساة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|