قصص
أقصر من القصيرة
خَبِيصَسْتَان
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
استيقظ (كهرمان) صباحاً بعد ليلةٍ حافلةٍ
بالملل والكسل، لا يدري ماذا
يفعل لتسلية نفسه.. فاتصل بصديقه
اللدود (شحرور) ليستلهم منه بعضَ
الأفكار، لطرد هذه الحالة التي
يمرّ بها.. فأشار عليه الصديق
العزيز، بأن يشاركه في تأسيس
حزبٍ سياسيٍ مُعارِضٍ عتيد!..
استغرب (كهرمان) في بداية الأمر، وظنّ أنّ (شحروراً)
لا يريد له الخير، وإنما يهدف
إلى تكريس حالته النفسية
العابرة.. بتأسيس حزب، لكنه
سرعان ما اقتنع بالفكرة
الرائعة، خاصةً بعد أن طَمْأنه
الصديق، بأنّ صديقهما الثالث (قارون)
الذي يمرّ بنفس حالة الملل
والكسل.. مستعد لمشاركتهما في
ولادة الحزب العتيد الجديد،
فضلاً عن تمويله الكامل!..
اجتمع الأصدقاء الثلاثة للتداول في أفضل
الطرق لتأسيس الحزب المعارِض
الجديد :
- قال (كهرمان) : أرى أنّ الأمر صعب، لاسيما
أننا نعيش في بلاد القاق قاق،
البعيدة جداً عن بلادنا.
- أجاب (شحرور) على الفور : بل الأمر سهل جداً
يا صديقي.. فكل ما نحتاجه: بعضَ
الكلام الحلو، والشتائمَ التي
نوجّهها للنظام الحاكم
والمعارضة معاً، ولساناً أطول
بقليلٍ من لسان الحكومة، وصوتاً
جَهورياً مدوِّياً،
ومايكروفوناً يعمل على بطاريةٍ
قويةٍ يابانيةٍ أصلية، ولقاءاً
ساخناً على إحدى القنوات
الفضائية، وبعضَ الكنافة..
والألعاب النارية والصحفية..
وبذلك نُشكِّل نحن الثلاثة
تياراً هادراً لا يعرف الملل
ولا الكسل.. ولا الخجل.
- تدخّل (قارون) قائلاً : أستطيع شراءَ
المايكروفون ودفعَ بقية
التكاليف، لكن أهم شيءٍ هو
الهدير.. ومعلومكم أنني قادر على
أن أهدر كهدير نهر (العاصي) في
فصل الشتاء، بل أستطيع أن أهدر
في الصيف أيضاً، وبشكلٍ أشدّ من
هدير نَهرَيْ (دجلة) و(الفرات)
معاً.. وكل ما أطلبه، هو أن نحافظ
على وحدتنا.. تحت قيادتي،
وسنُسقِط النظامَ خلال أقل من..
- قاطعه (كهرمان) بامتعاض : كنتُ أظن أنني أنا
الذي سأقود حزبنا الرشيد.. لكن
لا بأس، فكرتكَ مقبولة، وعلينا
ألا نختلف أو نتسبّب في أي
انقسامٍ أو انشقاقٍ لحزبنا
الجديد!..
- علّق (شحرور) بامتعاضٍ أشد : إذن سنحتشد
اليوم في الساحة العامة،
لنُعلِنَ تأسيس حزب: (توكّلنا
على الله)، لإسقاط الحكومة
الباغية، واستعادة حرية الشعب
المضطهَد.
في اليوم التالي، اشتدّ امتعاضُ (كهرمان
وشحرور) من (قارون)، لأنه اشترى
للحزب مايكروفوناً يعمل على
بطاريةٍ عادية، على الرغم من
أنهما طلبا منه شراءه من النوع
ذاتيّ الشحن، أي المزوَّد
ببطاريةٍ تُشحَن ذاتياً على
الصوت، فكلما صرخ المتحدث باسم
الحزب، واشتد صياحه، وهدر صوته..
كلما شُحِنَت البطارية أكثر
وأكثر، وبذلك تبقى البطاريةُ
والنفوسُ مشحونةً طوال الوقت..
حتى إسقاط الحكومة بأقل
التكاليف.
بعد أسبوعٍ واحدٍ فقط، فوجئ المارّون
بالساحة العامة لعاصمة (القاق
قاق)، بثلاثة أشخاصٍ، يحمل كل
منهم (مايكروفوناً)، ويَشتُمُ
الحكومةَ، والمعارَضَةَ..
وصَديقَيْهِ الآخرَيْن!..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|