السلطة
السورية ..
وجِمالُ
بَنيْ أُقَـيْـشٍ
عبد
الله القحطاني
قال النابغة الذبياني قصيدة
، يهجو فيها أحد الزعماء
القبَـليّين في عصره ، ويَصفه
بالخفّة والرعونة والطيش .. لن
نذكر اسمه لأنه لايهمّنا ..! فما
يهمنا هنا ، هو أن نَسحَب مضمون
القصيدة ، على نظَرائه
المتزعّمين في سورية اليوم..!
ولن نذكر منها سوى بيت واحد ،
نراه بيت القصيد ، في حديثنا عن
زعماء سورية الأفذاذ..! وقد
لايكون هو بيت القصيد في حديث
الشاعر عن صاحبه..! ومن أراد
القصيدة كاملة ـ وهي طريفة
بديعة ، شكلاً ومضموناً ـ
فليرجع إليها في ديوان النابغة..!
قال النابغة ، يصف صاحبه ،
في بيت الشعر ذاك:
كأنّـكَ مِن جِمالِ بَنيْ
أُقَـيْـشٍ
يُـقَعْـقَعُ خَـلْفَ
رِجْـلَـيْهِ بِـشَـنِّ !
وبنو أقيش هم قبيلة اشتهرت
جمالها بالطيش والرعونة.
والقَعقعَةُ بالشنّ خلفَ الجمل
، هي الطَرق بالأيدي أو بالعصيّ
، على قِربة بالية يابسة ،
لإحداث صوت مزعج ، مثير لأعصاب
الجمل الطائش..!
ومَن أحبّ أن يرى صورة
كاريكاتورية ، مجسّدة لمجموعة
حيّة من جمال بني أقيش ، وهي في
حالة هياجها واضطرابها ونزقها ..
فلينظر إلى المجموعة الحاكمة في
سورية اليوم..! ليراقب حركاتها
وتصرفاتها وانفعالاتها .. إزاء
كل نقد يوجّه إلى سياسة من
سياساتها ، أو موقف من مواقفها ،
أو سرقة لصّ من لصوصها ، أوتصريح
مضحك لغبيّ من أغبيائها..!
ليراقبها وهي تهجم على صحفي
ينصحها بالحكمة ، أو التعقل ، أو
الاتزان ، في معاملة مواطنيها..!
فتداهم بيته أو مكتبه ، ليلاً أو
نهاراً ، وتعبَث بموجودات البيت
أو المكتب ، من أثاث وكتب وأوراق
وأشرطة..! ليراقبها بإمعان ، من
لحظة هجومها على المواطن ، إلى
لحظة إصدار الحكم عليه ، مروراً
بالتفتيش ، وإهانة حرمة المكان
والموجودين فيه ..! وأسلوب
اعتقال المواطن ، وأخذه إلى
المعتقل والتحقيق معه ..! وتشكيل
المحكمة التي تحاكمة..! ثمّ
التصريحات التي تصدرها ـ عبر
وسائل إعلامها ـ حول التهم
الموجّهة إلى المواطن المعتقل ،
من خيانة ، وعمالة ، وإعاقة
لمسيرة الثورة ، ونيل من النظام
الاشتراكي، وسعي إلى تمزيق
الوحدة الوطنية ، وإهانة رموز
النضال ، والصمود ، والتصدي،
والتحرير..!
ليراقبها وهي تتنصّت بذعر،
وقلق ، وتحفّز، على المكالمات
الهاتفية ، والاتصالات
بالقنوات الفضائية .. وتَرصد
دخول الناس إلى مواقع الإنترنت
، وتسجل أسماء المشتبه بهم ،
وتشكّل الدوريات ، للمداهمة ،
والمطاردة ، والتفتيش ،
والاعتقال..!
ليراقب ساسَتها
وإعلاميّيها ، كيف يصرّحون ،
وكيف يردّون على أسئلة الصحفيين
..!
ليراقب
، ويرصد ، ويدقّق ، ويتأمل بعمق
..! حتى لولم يكن ذا بصيرة نافذة ،
فالأمر لايحتاج إلاّ إلى حواسّ
عادية سليمة ، وفكر عادي سليم ،
غير معوجّ ، أو مشوّه ، أو
مرهون، أو مؤجّر..! وليستعمل
مالديه من مواهب ، إذا كانت لديه
مواهب ممّا تحتاجه الحالة،
لرسْمها ـ وفق أيّة مدرسة من
مدارس الرسم.. ويحبَّذ الرسم
الكاريكاتوري هنا ! ـ أو تصويرها
( شمسياً .. أو تلفزيونياً ) ، أو
وصفها بمفردات اللغة وجملها
وتراكيبها ، شعراً أو نثراً..! ثم
ليعرضْ حصيلة جهده على مَن حوله
مِن بشر عقلاء ، ويتأمل ردود
أفعالهم ..!
(
وقد تستفزّ الصورة
الكاريكاتورية المتخيّلة ،
لأحد هذه الجمال ، وهو يرغي
ويزبد ، ويتلـفّت ، ويَثِب ،
ويعضّ .. قد تستفز ذاكرةَ أحد من
الحاضرين، فتستعيد صورة ذلك
الوجيه الآخر، الذي صوّره شاعر
آخر، فشبّهه بمجنون ، هارب من
مشفى قديم للأمراض العقلية ،
اسمه دير حِزقِـل ..! إذ قال
الشاعر، في وصف ذلك الوجيه :
فكأنّه مِن دَير حِزقِـلَ
مُـفْلِتٌ
حَرِدٌ.. يَجرّ سَلاسِلَ
الأقيادِ !) .
هذه الاقتراحات كلها ، لمن
يحبّ أن يبقي نفسه بعيداً عن
دائرة الخطر؛ خطر المداهمة،
والتفتيش ، والاعتقال ،
والتحقيق ، والمحاكمة ..!
أمّا مَن لديه الجرأة وروح
المغامرة ، فننصحه أن يبادر
بنفسه إلى استفزاز ( الجمال
الأقيشية!) ، بأن ينقد شيئاً ـ
أيّ شيء ممّا له صلة بهذه الجمال
ـ ، ثم يرصد ردود فعلها عن كثب ،
وفي العمق ، وعبر تجربته
الشخصية واحتكاكه المباشر مع
هذه الجمال ..! وعندئذ سيحظى بكنز
من العلومات ، عن حقيقة هذه
الجمال ، تفوق قيمته العلمية
والفنية والأدبية والتاريخية ،
بكثير، الكلفةَ التي سيدفعها من
صحته البدنية والنفسية ، إذا
كتب له الله الحياة حتى يُطلع
العالمَ على هذا الكنز الثمين..!
فدراسةُ نفسيات هذه الجمال
الأقيشية ، عن قرب، ومن خلال
حالة الاستنفار والاستفزاز
والقلق والتوجس والتحفز
والاضطراب والتوتر .. دراسة
نفسياتها ضمن الحالة ـ باطنياً
، إضافةً إلى مظاهر السلوك
الخارجية ، المنعكسة عن
التفاعلات الداخلية الباطنية ـ
ستعطي الدارس سبقاً علمياً
عالمياً مميّزاً ، تفوق قيمته ،
يقيناً، قيمةَ وصفِ النابغة
للجمال الأقيشية القديمة ..!
وربّما تفوق قيمةَ الكنز الذي
قدّمه الجاحظ ، في رصده لنفسيات
البخلاء ، عبر المعايشة
والمخالطة ، وملاحظة دقائق
السلوك ، التي تعكسها حركات
النفس وانفعالاتها الباطنية..!
وإذا
كان كان كنز الجاحظ المذكور،
تثقيفياً ترفيهياً .. فإن الكنز
المتوقّع هنا، يحمل إضافة رائعة
، متعدّدة الوجوه ، فوق التثقيف
والترفيه ..! إنها كَشف الصورة
الكوميدية المأساوية، الكامنة
في تلافيف هذه المجموعة من
الجمال.. ! تلافيف أدمغتها ،
وتلافيف نفوسها ، وتلافيف
مؤسساتها ، وتلافيف تركيبتها
الخانقة ، التي عاش شعب سورية
تحت حكمها ثلاثة وأربعين عاماً (
منها خمسة وثلاثون في عهدَي
الأب والابن .. وهما عهد واحد ،
حسبَما يصرح به الابن بشكل دائم
، ويسمّيه الاستمرار مع التطوير
..! مضيفاً إلى حكمه الفاشل
الفاسد ، جرائمَ حكم أبيه ، التي
لم يكلفه الله بحمل أوزارها مع
أبيه..!) .. عاش شعب سورية ثلاثة
وأربعين عاما، وهو يعاني من
الاختناق..! نقول : كشْف هذه
الصورة ، بكل ماتحمله أعماقها
من مضحكات مبكيات .. أمام شعب
سورية أولاً، ليعرف
مَن يتحكّم في حياته ، ورزقه ،
ومائه ، ودوائه ، وهوائه ..! ثم
أمام العالم كله .. لعلّ بعض
الشرفاء فيه ، يرفعون أصواتهم
في وجه القوى الخبيثة ، المصرّة
على بقاء هذه الجمال الأقيشية ،
(بارِكةً ) على صدر الشعب السوري
..! ويقولون لهذه القوى الخبيثة :
كفاكم لؤماً.. ولا تعيقوا هذا
الشعب السوري الصابر، عن التخلص
من هذه المخلوقات الشاذّة ،
الجاثمة على صدره ..! أو ..
فجرّبوا أن تكونوا مواطنين
خاضعين لحكمها ، يوماً واحداً..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|