ـ

ـ

ـ

الاثنين 05/06/2006

سوريا أول بلد عربي

د.هشـام الشـامي

من خلال مراجعتنا لبعض الأحداث التي سبقت سوريا المعاصرة ( زمنياً و ليس حضارياً ) فيها بقية الدول العربية تاريخياً ، نلاحظ أن سوريا البرلمانية كانت السبّاقة للاستقلال و الحرية و الديمقراطية و التعددية و الوحدة و الإيثار و الخير و البركة  و الكرامة للمواطن و الوطن ؛ بينما سوريا الديكتاتورية العسكرية ابتدعت الانقلابات و الانفصال و التشرذم و الظلم و الطغيان و الشمولية و تأليه الرئيس الفرد و الإجرام المنظم و المجازر و الطائفية و العشائرية و السجون و التصفيات و القوانين الاستثنائية و الفساد و الجمهورية الوراثية ( أو الجمهورلكية ) ، و لنستعرض معاً بعض هذه الأحداث و ذلك لاستخلاص العبر ، فالتاريخ عبر و مواعظ  و كما يقول الشاعر :

- من لم يعِ التاريــخ في صدره ** لم يدرِ حلو العيش من مرِّه

- و من وعى أخبار من قد مضى ** أضاف أعماراً إلى عمـره.

• سوريا أول بلد عربي استقل بعد الحرب العالمية الثانية ، و تم الاحتفال الرسمي بالاستقلال بتاريخ 17/4/1946م ؛ و ذلك بعد اعتراف فرنسا رسمياً باستقلال سوريا في 17/8/1943م 0 

• أول انقلاب عسكري حدث في المنطقة ، كان انقلاب قائد الجيش الزعيم ( العقيد ) حسني الزعيم على النظام البرلماني و الرئيس شكري القوتلي ، بتاريخ 30/3/1949م 0 ( ثم تم تصدير الانقلابات إلى الدول العربية و دول المنطقة )0

• أول بلد عربي تنجح فيه ثلاث انقلابات عسكرية في عام واحد ، و بذلك تبدل أربع رؤساء على حكمها خلال عام 1949م ، فبعد انقلاب حسني الزعيم الذي أطاح بالرئيس شكري القوتلي ، حدث انقلاب الزعيم سامي الحناوي بتاريخ 13/8/1949م ، ثم كان انقلاب العقيد أديب الشيشكلي ( انقلاب العقداء ) بتاريخ 19/12/1949م0

• أول بلد عربي يعود رئيس منتخب برلمانياً و هو الرئيس الوطني شكري القوتلي  ليحكمه لفترة أخرى جديدة بعد توالي الانقلابات العسكرية ، و رفضها شعبياً ؛ فبعد أن غادر أديب الشيشكلي البلاد بتاريخ 25/2/1952م ، وسقط حكمه ، اتجهت القيادات السورية يومئذ لقيام حكم ديموقراطي من جديد ، و إجراء انتخابات عامة ، لمجلس نيابي وحكومة منبثقة عنه0 و أُسندت رئاسة الجمهورية ثانية إلى هاشم الأتاسي لاستكمال مدته الدستورية فاستمر حتى انتهت مدة ولايته في أيلول/ 1955م، و رأى الوجهاء و القادة الشعبيون من مختلف التيارات ضرورة ردّ اعتبار المكانة الشعبية للرئيس شكري القوتلي ، الذي أطاح به حسني الزعيم ، و قد قويت إرادة الجماهير الشعبية بضرورة العودة إلى الحكم الوطني ، إذ فشلت الإدارات العسكرية القائمة على الاستبداد و العنف و القسوة ، في تحقيق ما تطمح إليه الجماهير ، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، و كان القوتلي حينئذ لاجئاً سياسياً في مصر، مقيماً في الإسكندرية0 فرأى الوجهاء و القادة الشعبيون تشكيل وفد شعبي يسافر إلى الإسكندرية ، و يدعو الرئيس القوتلي إلى العودة إلى بلده، ليشارك في عودة البلاد إلى الحكم الديموقراطي، و قد زال المانع الذي بسببه لجأ إلى مصر0 فتشكل وفد من مختلف طبقات الشعب، و غير متسم بسمة حزبية معينة، و دعي بعض العلماء المسلمين و المسيحيين للمشاركة في هذا الوفد ، كان منهم الشيخ حسن حبنكة الميداني والشيخ هاشم الخطيب 0 و استجاب القوتلي لدعوة الوفد، وعاد إلى دمشق، و استقبلته الجماهير الشعبية و السياسية في مطار دمشق، و توافدت إلى داره الجماهير مسلمة عليه ، و محتفلة بعودته إلى بلده و أهله، و انتخب  رئيساً للبلاد  بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس هاشم الأتاسي ( الذي اعتكف في داره بحمص بعد ذلك ، إلى أن توفي في 6/12/1960م ) ، ليتسلم رئاسة سوريا ثانية بتاريخ 6/9/1955م 0

• أول بلد عربي يتخلى فيها رئيس منتخب ديموقراطياً عن الرئاسة ، و ذلك عندما تنازل الرئيس شكري القوتلي عن كرسي السلطة بملء إرادته ، غير مكره و لا مطرود، حياً قبل أن يموت ، لصالح قرار الشعب ، و إرادة الأغلبية , التي أوصلته إلى الرئاسة ، ليبقى بذلك في ذاكرة الوطن مثال القائد الشعبي المخلص و الراعي لطموحاتهم و المقدر لإرادتهم و أحلامهم ، و لم يكن ليفرض نفسه على الشعب حباً و طمعاً بالسلطة و الرئاسة ، كما فعل غيره فجرّ على شعبه و وطنه الدمار و الويلات0 فقد قصد الرئيس القوتلي مصر على رأس وفد من سورية ، و اتفق مع رئيس الجمهورية هناك الرئيس جمال عبد الناصر على توحيد القطرين وتسميتهما (الجمهورية العربية المتحدة)،و تنازل عن منصبه لصالح الوحدة، وانتخب عبد الناصر رئيساً لها، وقد أُطلق على الرئيس القوتلي لذلك لقب المواطن العربي الأول، و تم إعلان الوحدة في 22شباط 1958م، بعد نجاحها في الاستفتاء الشعبي ، و توقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة من قبل جمال عبد الناصر و شكري القوتلي0

• أول وحدة عربية حدثت بين قطرين عربين في العصر الحديث ، كانت بين سوريا و مصر ، و أعلنت في 22/2/1985م ، باسم الجمهورية العربية المتحدة 0

• أعلنت حالة الطوارئ في سوريا منذ عام 1962م ، و فُعلت بالبيان الثاني الصادر في يوم 8 آذار 1963م بعد نجاح الانقلاب العسكري ، و الذي ما زال ساري المفعول حتى الساعة ، كأطول فترة لقانون طوارئ مفروض على قطر عربي 0

• أول دولة عربية و ربما في العالم ، يعلن المسؤولون فيها – و هم العسكريون طبعاً – سقوط قطعة من أرضهم بيد معتد محتل  و ذلك قبل سقوط هذه الأرض ، فقد أعلن وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد في البلاغ رقم 66 صباح يوم العاشر من حزيران عام 1967م سقوط القنيطرة عاصمة الجولان السوري و ذلك قبل دخول الصهاينة لها بأكثر من أربع و عشرين ساعة !!0 و الأغرب من ذلك أنه بعد هزيمة سوريا و العرب القاسية في تلك الحرب ( النكسة !! ) ، و التي أصبح فيها طريق دمشق سالكاً أمام الصهاينة ، لولا تدخل الدول الكبرى و الأمم المتحدة لإيقاف الحرب ، يخرج الرفاق المسؤولون في سوريا ليعلنوا أنهم خرجوا منتصرين في تلك الحرب لأن هدف إسرائيل كان سقوط البعث و ثورته، و هذا لم يحدث، فالأرض ستعود، ولكن متى و كيف ستعود ؟ حتى الآن لم يجبنا الرفاق  على ذلك ، و المؤكد أنهم لن يجيبونا أبداً 0

• أول بلد عربي يسن قانوناً استئصالياً يقضي بإعدام كل من يشك بانتمائه إلى حزب أو جماعة ( و هي هنا جماعة الأخوان المسلمين ) ، و القانون الذي صدر بحقهم رقم 49 و ذلك لمجرد الانتساب أو الرأي الفكري ، وتمّ إقراره في 7/7/1980م، وطبق بمفعول رجعي خلافاً للقوانين ، واستمر العمل به طوال ربع قرن، ومازال يعمل به حتى يومنا هذا. ونخص بالذكر منه المادتين الأولى: (1 ـ يعتبر مجرماً، ويعاقب بالإعدام كلّ منتسب لجماعة الإخوان المسلمين). والمادة الخامسة : (لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة) ، و من المعلوم أنه لا يوجد مثل هذا القانون الإجرامي حالياً في كل دول العالم ( براءة اختراع و ماركة مسجلة للبعث الأسدي ) 0

• أطول فترة هدنة تعلنها دولة ( و تلتزم بها تماماً ) محتل جزء من أرضها مع عدو محتل مغتصب ، فمنذ انتهاء حرب تشرين عام 1973م و حتى الآن لم تطلق من جهة سوريا و لو طلقة واحدة باتجاه الجولان السوري المحتل 0

• أول بلد عربي يقضي سجناء الرأي في سجونه عقوداً عديدة ، فقد لبث عشرات آلاف السجناء السياسيين في سجون المزة و تدمر وصدنايا و غيرها من المعتقلات ، لأكثر من عقدين أو ثلاثة ، قضى معظمهم داخل السجون بالإعدامات و المجازر و التعذيب و المرض و التجويع ، و لم يفرج إلا عن قلة منهم بعد تلك العقود العجاف ، و لا يزال حتى الآن بعض  منهم داخل السجون ، ينتظر أن يتعطف عليه الرئيس الشاب المنفتح !! بعفو رئاسي !! ، و بعض هؤلاء السجناء دخل السجن بعد انقلاب الأسد الأب على رفاقه في 16/11/1970م و أغلبهم من البعثيين ، و الآخرون دخلوا السجن نهاية السبعينات أو في الثمانينات – و خصوصاً بعد مجزرة حماة في شباط 1982م - من العقد الماضي وأغلبهم من الإسلاميين إضافة للشيوعيين والبعثيين و بقية الاتجاهات السياسية 0

• أول بلد عربي يسن و يبدع فكرة الجمهورية الوراثية ، و ذلك بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10/6/2000م ، الذي حكم سوريا لثلاثة عقود ، و كان يحضر ولده الكبير باسل لخلافته ، فلما تُوفي باسل أوائل عام 1994م إثر حادث سير على طريق مطار دمشق الدولي ، أستدعي ولده الثاني بشار ، الذي كان يدرس طب العيون في بريطانيا ،و بُدأ بتحضيره للرئاسة ، و قد تم تعديل الدستور الذي وضعه الأسد الراحل نفسه خلال دقائق – بلمسة من لمسات البعث السحرية - ليصبح على مقاس ولده بشار الذي كان عمره يوم وفاة والده 34 سنة  0و لا شك أن هذه الفكرة التي ابتدعها حافظ تداعب و تدغدغ عقول أكثر الرؤساء العرب الآن 0

من أجل تلافي سلبيات ما سبق و غيره الكثير الذي لا يخفى عن أي مواطن سوري حر ، يجب أن تتكاتف الجهود المخلصة و تتضافر ، من أجل الهدف الأسمى ، و هو إنهاء احتكار السلطة و الديكتاتورية و الشمولية و عودة الحياة البرلمانية و الديمقراطية لوطن جميع السوريين ( و ليس سوريا الأسد ) بلا استثناء.

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ