الخامس
من حزيران ... مصيبة المصائب
د.نصر
حسن
الخامس من حزيران عام 1967 كانت هي
المحطة الأكثر كارثية على
العالم العربي بشكل عام وعلى
سورية على وجه التحديد , ومنها
بدأت كل حالات الإنهيار التي
نشاهدها الآن في طول الوطن
العربي وعرضه , وفيها ضاعت هوية
الأمة وكُسرت إرادتها وتحطّمت
أحلامها وكانت أسوأ ضربة إلى
وجدانها في تاريخها الحديث .
كان المد الوطني والثقافي
والسياسي فاعلا ًفي مرحلة
الخمسينات , وكان التماسك
الإجتماعي والشعبي في أفضل صوره
في تاريخ العرب الحديث والقديم ,
وكان العرب من محيطهم إلى
خليجهم توحدهم الآمال في التقدم
والتطور وفي تحرير فلسطين وفي
إقامة الوحدة العربية , كانت
تمثل إرادة
شعبية متماسكة إجتماعيا ً
ومتوافقة ًسياسيا ً , ومتجانسة
وطنيا ً تحت هدف التقدم والحفاظ
على الأهداف الوطنية والقومية ,
كانت تمثل حالة نهوض على كافة
المسارات.
الخامس من حزيران هو اليوم
الأسود في تاريخ العالم العربي ,لأن
خسارة النظام السياسي العربي
كله للحرب كانت المقدمة اللعينة
لإعادة رسم حياتنا كاملة ً
وملامحنا جميعا ً ,ولإعادة
ترتيب العقل العربي والواقع
العربي وتوليفه على مفاعيل
الهزيمة , وأصبحت هي الحالة
المعيارية السلبية الوحيدة
التي تنظم كل مظاهر حياتنا
ومفاصل حركتها , كانت نقطة
الإرتكاز الأساسية المتقدمة
للنظام الدولي الجديد.
كانت ضربة خطيرة كبيرة بحجم حلم
عربي شعبي كبير أيضا ً ,
وخطورتها أن النظام السياسي
العربي الذي ورّط الأمة بها
وتلقت هي الضربة القاصمة بدلا ً
عنه لم يستوعب درس الهزيمة
الجريمة , بل ليس من التجني
القول بأن النظام السياسي
الرسمي العربي هو الذي أسس لها
بكل أفعاله وتفاعلاته .
ننتقل من الماضي إلى الحاضر حتى
نستطيع أن نتحسس ماأحدثته لحظة
الإنكسار والعارفي حزيران ,
ننتقل من الماضي الذي
يكمن فيه سبب كل عللنا
وأمراضنا الإجتماعية والسياسية
والثقافية وحتى الأخلاقية ,
ننتقل إلى الحاضر الذي نفتش
عبثا ًعن بعض ماتبقى من ملامحنا
الفردية والإجتماعية والثقافية
والحضارية إن بقى منها شيء
تخبئه بعض مددنا العربية , نبحث
عن شخصيتنا التي مسختها الخامس
من حزيران وأصبحنا لانرى إلا
ركاما ً من البؤس واليأس
والهزيمة والتخلف والإنحطاط
والفقرممتدا ً بشكل مخيف على
مساحة هذا الوطن العربي الكئيب ,
وتغطي الإنسان العربي شكلا ً
وعقلا ً وسلوكا ً وشرفا ً وأملا
ً وحصرته في فشلها وانحرافها
وحطمت أمله وحلمه في الحياة
الحرة الكريمة .
الخامس من حزيران كانت أشبه
بحاضنة فرخت الهزائم بوتيرة
متصاعدة توائم
...توائم مختلفة
الأشكال والألوان والأحجام ,
عمت كل شيء على مدى أجيال
وطبعتهم بكل صفاتها التي هي
صفات الإنسان المهزوم أمام نفسه
وأمام حلمه وأمام شعبه وأمام
الآخرين , ونظمت تفكيره على
أساسها المهين.
ليس غريبا ًخسارة معركة ضمن
موازين قوى غير متكافئة , وليس
عجيبا ً خسارة أرض ضمن حسابات
عسكرية خاطئة , وليس عيبا ً عدم
القدرة على السير في طرقات
سياسية وعرة شائكة , لكن كل
العيب هو في عدم احترام
المسؤولية من قبل قيادة تعتبر
أنها في مهارة الحرب فائقة , وكل
العيب بل وقلة الشرف الوطني
والعسكري هو استمرار النظام
العربي الرسمي نفسه بعد الهزيمة
المهينة لهم ولشعوبهم , وقلة
الحياء والكذب في اللعب على
عقول الناس وبشكل
يثيرالإشمئزاز بربط الهزيمة
ببقاء هذا الرئيس أوذاك ,وكل
الإنحطاط الأخلاقي والوطني
والسياسي بالضحك على النفس
والشعب بتصوير الهزيمة على أنها
انتصار , وأن الهزيمة مرتبطة
ببقاء الرئيس المهزوم والملغوم
والمشؤوم أيضا ً .
هنا بدأت مفاعيل الهزيمة
والمهزومين تمد خيوطها السامة
إلى عقول الشعب وبدأت تنخر فيها
بما يشبه عملية مسح ذاكرتها
الوطنية والإنسانية , ترافق هذا
مع مسلسل طويل من الإهانة وكسر
الرؤوس والعقول ومسخ الآدمية
وتعميم الجاهلية حتى تتمكن قوى
الهزيمة من زرع بذورها الخبيثة
في العقل العربي والواقع العربي
وهذا أخطرنتائجها وأشدها فتكا ً
على الإنسان العربي في حاضره
ومستقبله , ولعل كل مانشاهده
اليوم في حياتنا العربية من
انهيارات وهزائم ونكبات وتخلف
على كافة المسارات هو من صنع
قادة الخامس من حزيران أفرادا ً
وأحزابا ً من كل المواقع
والإتجاهات , إنها هزيمة
الهزائم والأغرب
من كل هذا هوأن مهندسو وصناع
الهزيمة لازالوا يعزفون على
شعبهم موسيقى الإنتصار .....!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|