ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
كتـائـب
الشـطب في
سـرايا الدفـاع الدكتور
خالد الأحمد* هل سمعت بهذا
المصطلح ، لقد عرفته للمرة
الأولى في حياتي كأحد أقسام
المحاسبة في مديرية التربية ،
وأظن الهدف منه التأكد من وصول
المستحقات المالية إلى أصحابها
، والتأكد من ذلك ، وألح على
كلمة التأكد ... وكتائب الشـطب
كانت بعض كتائب سرايا الدفاع
التي يقودها كبير المجرمين رفعت
الأسد ، والتي دخلت حماة في
المجزرة الكبرى ( 1982) للتـأكـد
من قتل المواطنين الحمويين ،
وللتأكد من تنفيذ التعليمات
الصادرة من حافظ الأسـد شخصياً
بقتل الحمويين ،
من أجل التغيير الديموغرافي
في مدينـة حماة ، كما تفعل
العصابات الصهيونية في فلسطين
المحتلة ، بل أشـد من ذلك بآلاف
المرات . ولنستمع إلى
التقرير ( سوريا في عشرين عاماً
للمحامي محمد عنجريني ) جزاه
الله خيراً كثيراً ، وهذا
التقرير من إصدار اللجنة
السورية لحقوق الإنسان ... يقول
التقرير :
الأربعاء الثالث
من شباط (1982م) : المدينة تحت
الحصار الكامل مكممة مطوقة،
ألوف الناس داخل البيوت
المستسلمة الآمنة، وقد أطبق
عليهم الجحيم رجالاً ونساء
وأطفالاً. السلطة الحاكمة
بجيوشها الجرارة تدخل من كل
أطراف المدينة. . لقد حانت
الساعة.. وها هي جهنم تبدأ
بابتلاع المدينة الشهيرة. منذ صباح هذا
اليوم استطاعت كتائب الجيش
التابع للسلطة، والقابع على
أطراف المدينة منذ سنوات أن تضع
يدها على كل شارع وكل زقاق، وكل
بيت. لقد استطعنا نحن
المحاصرين - ومن شقوق النوافذ
المغلقة أن نرى أرتال الجيش
الزاحف والراجل والراكب.. عشرات
الألوف من الجند - وبأشكال
متنوعة من اللباس. - اللواء 47 المدرع. - الفرقة الثالثة
التابعة للجيش النظامي. - آلاف من جنود
سرايا الدفاع بلباسهم وسلاحهم
المميز. - آلاف من جنود
الوحدات الخاصة. - مجموعات من
سرايا الصراع. - قوات سريعة
التحرك تابعة لسرايا الدفاع
برئاسة علي ديب. كل هذه الفرق، وكل
هذا العدد الوفير من الجيش..
أعدّته السلطة الحاكمة لاقتحام
المدينة، ولملاحقة عدد محدود من
المعارضة، حسب زعمها. كان من الواضح في
تلك اللحظات.. أن هذا الجيش قد
احتل البلد ليسدّد إليها الضربة
القاضية، [ التي خطط لها منذ
عشرات السنين ] ،عند هذا قد يكون
مفيداً أن نورد الحادثة
الواقعية التالية التي جاءت على
لسان مسؤول حكومي كبير.. هو عضو
في الجبهة التابعة للسلطة
الحاكمة.. يقول هذا المسؤول : "أثناء أحداث
حماة، زارني أحد الأصدقاء
المقربين من السلطة، وكان قلقاً
من الحد اللامعقول الذي وصلت
إليه السلطة في قمع المدينة،
لما سيترتب على ذلك من نتائج
مستقبلية خطيرة. وكان قد اجتمع
مع بعض ضباط سرايا الدفاع،
وهؤلاء حدثوه عن حضورهم
اجتماعات قيادية في مدينة حماة،
وقبل عدة أيام من المذبحة،
وبالتحديد (الثامن والعشرين من
كانون الثاني) عرض عليهم فيها
الضابط المسؤول خرائط ميدانية
مسبقة معدة لاقتحام المدينة من
كافة جهاتها وشوارعها. وقد سأل بعض
الضباط أثناء الاجتماع: هل هي
معركة مع أهالي المدينة أم مع ما
بقي من المعارضة؟ فأجاب الضابط
المسؤول حرفياً -ويدعى (علي ديب)
قائد اللواء المتحرك التابع
لسريا الدفاع، والمتواجد داخل
المدينة-: لقد أعطانا الفريق
حافظ أسد أوامر صريحة بضرب كامل
المدينة - الأهالي قبل
المقاتلين -وعلينا تنفيذ هذه
الأوامر- والغاية قتل وتهجير
أكبر عدد ممكن من أهلها. يتابع العضو
المذكور: وعند هذا الحد أيقنت أن
المطلوب تدمير المدينة. هذه الواقعة
صحيحة.. وقد ورد مثلها في أحاديث
كثيرة، بعضها كان يرد على ألسنة
الجنود أنفسهم.. لقد سمعناهم
يقولون بوضوح وبشكل صريح معلن: "طلب إلينا
الضابط أن نقتل كل الأهالي دون
تمييز. كانوا يحددون لنا
الشوارع، ويطلبون منا الدخول
إلى كل بيت فيها، تاركين لنا
حرية التصرف من قتل ونهب
واعتداء، وكل ما نفعله لسنا
مسؤولين عنه، وكل ما نحصل عليه
ملك لنا.. لقد سرق رفاقنا الكثير
من الذهب. أما الضباط الكبار،
فلم يتركوا شيئاً، نقلوا
مسروقاتهم على الشاحنات.. ولم
نصدق جميعاً أن حماة غنية على
هذا النحو!!!" وهكذا دون مواربة
أو خجل، ودون حاجة لإخفاء
العورات، كان هدف السلطة واضحاً.. هذا النظام يريد
أن تصبح حماة مدينة أخرى، لذلك
غيّر معالمها، وهدم شوارعها
وأسواقها، ومسح تاريخها، وقضى
على المتحف والبيوت الأثرية
فيها، وقوّض جوامعها وكنائسها.
حتى المقابر درسها، فمات
الأموات مرتين، حتى النواعير لم
تسلم من حقده. لو تسنى له لغيّر
اسم المدينة دون شك.. ولبدّل
بسكانها ناساً آخرين، وكنّا
نقول: هل كان يغيّر مجرى نهر
العاصي لو استطاع؟! اعتقادنا، بعدما
رأيناه، أنه كان يفعل. الجمعة: الخامس من
شباط (1982م) : يلاحظ سكان
المدينة أن أعداداً إضافية من
الجنود أخذت تفد على المدينة من
فجر هذا اليوم. كانت الدبابات
تهدر فوق الشوارع المزفّتة،
ترافقها أصوات الطائرات
المروحيّة التي لم ينقطع صعودها
أو هبوطها.. ومظهر الجيش على هذه
الكثافة أخذ يطرح أمامنا ألف
سؤال عن طبيعة مهمته القادمة..
كان معظم الجنود يرتدون الدروع
الواقية، وبعض الجنود ارتدوا
أقنعة بيضاء على وجوههم. كما لفتت الأنظار
كتائب مميزة تعتلي سيارات مصفحة
سريعة وصغيرة الحجم، وكانت تضع
هي الأخرى الدروع والأقنعة
البيضاء.. وعرفنا فيما بعد.. أن
هذه تسمى (كتائب الشطب) وأنها
تتلقى الأوامر مباشرة من
القيادة العليا لسرايا الدفاع. وهكذا تدخل
المدينة حمام الدم.. وفي تلك
اللحظات الرهيبة من صباح هذا
اليوم.. كانت السكاكين فوق أعناق
الجميع ودون استثناء. ظهر الجمعة: ينهمر
وابل الصواريخ بجنون على منطقة
السوق.. إنه الإنذار ببدء عمليات
الذبح. أدى إطلاق الصواريخ إلى
تهديم عدد جديد من البيوت، مما
دفع بعض الناس إلى الهرب
والتجمع في بعض الأقبية القديمة. تجمعات الأهالي
المذعورين سهّلت على كتائب
الشطب المهمة.. فكانوا يدخلون
الأقبية ويعدمون الجميع على
الفور. في هذا اليوم بدأت
عمليات الإعدام الجماعي بصورة
فعلية، وقبل أن ندخل في
التفاصيل الرهيبة، نقف عند
ملاحظة هامة جداً.. يوم الجمعة
الخامس من شباط.. بدأ النظام
الحاكم يستبيح الأرواح ويحصدها
بلا هوادة وفي هذا اليوم بالذات
كانت المدينة في قبضة النظام
بصورة كاملة. كان الجنود قد
سيطروا على الشوارع والأزقة
والبيوت، ونهبوا الأسواق في
اليوم السابق.. وكان من المفترض
أن يرفع الحصار، ويسحب الجيش -على
الأقل- من منطقة السوق.. وتتوجه
الجهود بعد ذلك للسيطرة الكلية
على منطقة (الحاضر) القديمة. في
هذا اليوم تصور البسطاء من أهل
المدينة أن الحياة الطبيعية
ستعود، لأن الجيش قد سيطر
كلياً، ولا حاجة لمزيد من
الرصاص والصواريخ.. فلقد تهدم ما
تهدم من المدينة.. ويكفي السلطة
ذلك. لكن الذي حدث..
رهيب وعجيب ومخيف.. ونقلاً عن ضباط
سرايا الدفاع الذين تسربت على
ألسنتهم بعض الروايات.. عرفنا أن
الأوامر قد صدرت عن رئيس
الدولة، بمباشرة أعمال
الإعدامات، بعد أن استتب الأمر
للجيش بصورة كاملة. وبهذه
الغاية، فقد قسمت المدينة إلى
أقسام، ووضعت تحت إمرة كتائب
الشطب، وطلب منها أن تنفذ بكل
الأهالي الإعدام الفوري، مع
استخدام كل الوسائل التي من
شأنها أن تشيع الحد الأقصى من
الإرهاب.. وإعطاء الضوء الأخضر
لممارسة كل الانتهاكات أثناء
عمليات الإعدام.. من نهب
واعتداءات على النساء مع حرق
البيت وهدمه كلياً إذا اقتضى
الأمر.. وهكذا استبيحت
المدينة، وهي مستسلمة كلياً
للجيش، ودون أن يكون في شوارعها
مقاتل واحد . في هذا اليوم
ارتكبت المجازر في حي الدباغة،
وشارع أبي الفداء ونترك
للتفاصيل أن تتحدث. مجزرة حي الدباغة: هذا
الحي تسكنه أعداد وفيرة من
الأسر الميسورة والمتعلمة،
ويقع هذا الحي في قلب المدينة
تماماً، ويتفرع عن هذا الحي
شوارع جانبية.. كانت بأكملها ذلك
اليوم هدفاً للموت الجماعي، تطل
معظم البيوت على السوق التجاري
الرئيسي.. هذا السوق الذي تم
نهبه في اليوم السابق.. يروي الأهالي
مشاهد الرعب المروعة.. يقولون..
انتشر الجنود الغاصبون في
الشوارع كالجراد.. وأخرجونا نحن
النساء من البيوت، وجمعونا في
الشوارع، وقالوا: سنحرقكم
جميعاً ونحرق بيوتكم... وبالفعل..
صبّوا المازوت أمامنا على أبواب
الدكاكين، وأخذوا يشعلون النار
من حولنا.. ونحن نصيح ونتوسل..
طلبوا منا بعد ذلك الدخول إلى
البيوت.. مرة أخرى.. وكانوا قبل
ذلك قد جمعوا كل الرجال..
رأيناهم.. يُساقون أمامنا
كالأغنام.. كان معظمهم بثياب
النوم، وبعضهم لم يرتد حذاءه..
كانوا يمشون مع الجند صامتين..
وبعد دخولنا إلى البيوت بدقائق..
انهمر الرصاص بجنون، واشتعل
الجحيم في الحي كله.. عرفنا
جميعاً.. أن كل الرجال قد
استشهدوا وحتى اليوم سيظل بناء
الأوقاف الرابض في أول هذا
الحي، شاهداً على الجريمة.. ففي
داخله تكدّست جثث الشهداء، وكان
عددهم يناهز المئة. ولم يكتف الجنود
بذلك، بل عمدوا إلى بعض
الحوانيت الفارغة، وأدخلوا
الرجال إليها، وهناك صبّوا
عليهم الرصاص.. وحين اطمأنوا إلى
مصرعهم.. أحرقوهم وظلّت الجثث
المتفحمة داخل الحوانيت حتى
نهاية الأحداث.. من مجازر هذا الحي
نسوق قصة واحدة: عائلة (مفتاح)
تسكن في منتصف هذا السوق،
وأصحابها من تجار الأحذية
المعروفين في المدينة.. دخل
الجنود عليهم، فأعدموا كل
الرجال.. استطاع بعض الأهالي
إدخال الجثث إلى المنزل.. لكن
الجنود، حين عمدوا إلى حرق
السوق، والجثث داخل الحوانيت،
امتدت النار إلى منزل هذه
العائلة المنكوبة.. فاضطر من بقي
على قيد الحياة إلى الهرب..
تاركين جثث الشهداء تتهاوى
وتحترق في لهيب النار. وحتى يكون الحريق
أشد شمولاً في هذا الحي، عمد
الجنود إلى سكب كميات كبيرة من
المازوت على أثاثات البيوت من
الداخل.. وهكذا تحوّلت منطقة (الدباغة)
بفعل الموت والدمار والحريق إلى
جدران سوداء مهدّمة. مجزرة شارع أبي
الفداء أما في شارع (أبي
الفداء) الموازي لحي (الدباغة)
تماماً.. فقد تمت المجازر بصورة
أبشع وأشدّ همجية. كان الجنود
ينتقلون بنظام من بيت إلى بيت،
وبالتتابع.. وعلى الجانبين، على
طول الشارع الجميل الممتد من
ساحة العاصي حتى القلعة،
ويقومون بعملية الإعدام داخل
البيوت ذاتها.. رجالاً ونساءً
وأطفالاً.. ويخلّفون البيت
وراءهم مليئاً بالجثث، منهوباً
في معظم الأحوال. من مآثر ضباط
سرايا الدفاع في هذا الحي نروي
الوقائع التالية: - يقول شاهد عيان
استطاع أن ينجو من المذبحة
بأعجوبة، حين اختبأ فلم يره
الجند المنهمكون في عملهم:
قتلوا ابنتي وزوجتي أمام عيني..
وبعد الانتهاء استدار أحد الجند
إلى الجثتين، فرأى الذهب، فعاد
وسحبه من الأيدي والأصابع.. لكن
الأقراط (الحلق) استعصت عليه،
فقطع بكل بساطة الأذن وحملها في
جيبه مع الأقراط. كان مشهداً
خرافياً ظللت وقتاً طويلاً
أتخيّل أنه كابوس وليس حقيقة. - مأثرة أخرى..
بناء طابقي يسكنه إخوة عديدون
من عائلة "الموسى".. دخل
عليهم الجنود وقتلوا الجميع..
حتى الطفل الرضيع على ثدي أمه..
لم ينج من المذبحة أحد، وتكوّمت
الجثث من الرجال والنساء
والأطفال داخل المنزل المنكوب. - جريمة أخرى تبعث
على الذهول والتساؤل: تجمعت
حوالي أربعين امرأة من نسوة
الحي مع الأطفال داخل عيادة أحد
الأطباء.. التي تقع في قبو أحد
الأبنية الحديثة في هذا الشارع..
لكن ماسورة المياه انفجرت عليهم
من تأثير القصف.. فاضطروا
للانتقال عبر النوافذ الداخلية
إلى قبو مجاور لعائلة طيفور..
وفي هذا القبو حدثت المجزرة..
دخل الجنود وأخذوا يشتمون
ويضربون بأعقاب البنادق، ثم
فتحوا النار على جميع النسوة مع
أطفالهن.. بعض النـسوة ظللن فـي
حـالـة نـزف ساعات طويلة.. قبل
أن يسلمن الروح. من المفارقات
الرهيبة.. أن طفلاً رضيعاً نجا
من المذبحة ووقع تحت جثة أمه..
لكنه ظل يرضع الدم من ثديها طوال
يومين قبل أن يعثروا عليه.. من شهيدات هذه
المجزرة: الشهيدة ميسّر سمّان.. .
والشهيدة زوجة المقدم فيصل
دهيمش مع بعض أولاده. وينتهي يوم
الجمعة الأسود، والدم يغسل قلب
المدينة، والليل يرخي سدوله على
جثث شهداء مظلومين ما كان لهم من
ذنب سوى أنهم مواطنون في عهد
حافظ أسد. السبت: السادس من
شباط يوم جديد ومجازر
جديدة. هذا (السبت) لن يكون خيراً
من (الجمعة) السوداء. ستعمل
كتائب الموت بهمة ونشاط، وستسيل
الدماء أنهاراً.. في حي (جنوب
الملعب)، و(سوق الشجرة). مجزرة جنوب
الملعب [1]: سمي الحي بهذا
الاسم لوقوعه فعلاً جنوب الملعب
البلدي.. والبيوت في هذا المكان
يجب أن تكون آمنة.. لوقوعها على
أطراف المدينة وبُعْدها عن
المراكز المشتعلة.. يضاف إلى ذلك
قربها من المستشفى الوطني.. الذي
عسكر جنود السرايا والوحدات
حوله منذ اللحظات الأولى، بل
كانوا ضيوفاً في معظم الأوقات
على بيوت هذا الحي، حيث يقدم لهم
الأهالي الطعام والشراب. وكانت المكافأة
يوم السبت.. بعد أيام أربعة من
الأحداث.. وبدأ الجنود
عملهم كالعادة، بقرع الأبواب،
واستدعاء الرجال (كل الرجال)
بحجة إلقاء بعض الأسئلة حول بعض
القضايا الأمنية. خرج الأهالي
الآمنون، وقد صدقوا أقوال
الجنود.. وكان الرصاص هو السؤال
الوحيد الذي تلقاه هؤلاء
الشهداء. ويسقط الجميع
صرعى.. وتتكوم الجثث في الأزقة
الحديثة والطرقات المزفتة.. في جنوب الملعب لم
يبق اليوم سوى الأرامل
واليتامى، والإحصاءات تقول: إن
عددهم يتراوح ما بين (1800 - 2000)
منهم الشهيد النقيب (أحمد عزيز)
من سلاح الصواريخ لم تشفع له
رتبته فقتله عناصر سرايا الدفاع
وهو بلباسه العسكري والشهيد
القاضي محمد الواهب مع زوجته
التي استغاثت فقتلوها على الفور.
والشهيد مدير السجن المدني في
حماة وهو مواطن من مدينة دير
الزور.. لم تشفع له أيضاً طبيعة
عمله كمقدم في سلك الشرطة. أما الأسر..
فبعضها فقدت كل الرجال.. وبعضها
الآخر فقد معظمهم، مثل عائلة
اللاذقاني (فقدت تسعة عشر
شهيداً). عائلة الريس (سبعة
شهداء). عائلة قوجة (تسعة
شهداء بينهم سبعة إخوة). وعند هذه العائلة
الأخيرة المفجوعة قصة تروى: "يقول الأب
الشيخ الفاني، والباقي الوحيد
على قيد الحياة: (لقد اقتادوا
أولادي السبعة مع اثنين من
الأقرباء، قتلوا الجميع أمامي
أنا ابن السبعين، توسلت إلى
الجنود أن يقتلوني معهم.. لكنهم
لم يفعلوا.. بل ضحكوا وقالوا
هكذا أفضل.. حتى تموت ببطء"!!! الأب المفجوع هام
على وجهه منذ ذلك اليوم، وقد
تركته المذبحة شبه فاقد العقل. مجزرة سوق الشجرة: هذا الحي يقع داخل
منخفض من الأرض، ويمتد عبر طريق
طويل متعرج آخذاً في العلو حتى
منطقة المحطة. يتصل من الجانب
الآخر بحي المرابط، وفي الوسط
يقوم جامع أثري قديم (لم يبق منه
اليوم سوى ساحة ترابية واسعة). دخل الجنود هذا
الحي المكتظ بالسكان، حيث
تتداخل البيوت القديمة بصورة
كثيفة داخل أزقة ضيقة متعرجة..
وجمعوا كل الرجال من معظم
البيوت، وطلبوا إليهم الوقوف
جانباً.. كانت العملية تتم على
أيدي عدد كبير من (جنود السرايا
واضعي الأقنعة والدروع) توازعوا
كل أطراف الحي وأنحائه، بدءاً
من مدخله وحتى نهايته. وقف الرجال على
الحائط بحراسة الجنود المدججين.
ودخل عدد آخر من الجنود إلى
البيوت بحجة التفتيش عن مقاتلين
مختبئين. كان الحي فعلاً
خالياً من السلاح.. مع ذلك ادعت
السلطة أن المقاتلين قد مروا
منه.. ووزعوا السلاح على بعض
ساكنيه. وبعد التفتيش لم
يقع الجنود على شيء.. لكن
حصيلتهم من الذهب كانت وافرة..
وبعد أن اطمأنوا إليها.. أخذوا
يضربون الرجال العزل بأعقاب
البنادق، ويطلبون من النسوة
البقاء على أبواب المنازل،
للتفرج على ما سيحصل.. بعد دقائق..
أعدم الجنود الرجال واحداً بعد
الآخر.. سقط معظمهم على عتبات
البيوت.. وظل بعضهم ينزف ساعات
قبل أن يسلم الروح.. ودون أن يسمح
لواحد من الأهالي بالاقتراب.. آخر هذا اليوم..
غادر الجنود أزقة الحي.. ماخلا
بعض الدبابات الرابضة على
مداخله، وظلت جثث الشهداء مرمية
على الأرض المبللة بالأمطار،
بعض الأهالي يقرؤون الفاتحة على
أرواحهم.. وبعد أيام عشرة حملتهم
الجرافات إلى الحفر الجماعية.. يقول شهود العيان:
(في الحي هناك أمٌّ قتلوا لها كل
أولادها على عتبة الدار.. وظلت
الجثث أمام عينيها طوال أيام
عشرة يهطل عليها المطر،
ويغطّيها التراب وهي لا تستطيع
شيئاً سوى البكاء أحياناً،
وقراءة القرآن أحياناً أخرى.
كانت تخرج كل يوم تغطيهم وتعود..
إلى أن جاءت الجرافات ونقلتهم
مع الجثث الأخرى.
هذا بعض مافعـله
النظام الأسدي في أهالي حماة ،
بأمر به حافظ الأسد شخصياً ،
ونفذه رفعت الأسد وعلي حيدر
وعلي ديب وغيرهم ... هذه كتائب
الشطب التي كلفت بتنفيذ عمليات
الإعدام الجماعي ، ضد الشيوخ
والنساء والأطفال في مدينة حماة
، هذه الكتائب التي
تنتقل بالطائرات العمودية ،
والسيارات المصفحة الحديثة ،
والتي لم يسبق لها أن مارست هذه
الهواية إلا في مديـنة حمـاة
الصابـرة ... اللهم ارحم شهداء
حماة ، وبارك لهم في حسناتهم ،
واجعلهم مع الشهداء والصديقين ،
وحسن أولئك رفيقـاً ، واحفظ من
بقي من أهالي حماة ، وأرهم عدلك
وقوتك في محاكمة هؤلاء المجرمين
، والقصاص العادل منهم في
الدنيا قبل الآخرة ...إنك على كل
شيء قدير ... *كاتب سوري في
المنفى [1]
ـ
عندي موضوع خاص بهذه المجزرة
، فيه تفاصيل كثيرة مرعبة ،
نشر في عدة مواقع ، منها :
أدباء الشام ، ومركز الشرق
العربي ، وموقع حماة الخالدة
، وغيرها ..
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |