متى
يُحال القضاء السوري إلى القضاء
؟
د.هشام
الشامي
تكلمت في مقال سابق
( تحت عنوان القصر العدلي ) عن
مشكلة القضاء في سوريا ؛ و عن
صورته المهزوزة في أعين
السوريين ؛ حيث أصبح مثالاً
للظلم و الفساد و الرشوة و قلب
الحقائق و نصرة الظالم و إدانة
المظلوم و تمييع قضايا كبيرة و
تلميع أخرى نتيجة تسييس القضاء
و تحوله إلى ورقة في يد السلطان
يغلقها متى شاء و يفتحها في وجه
من يشاء ...
و قلنا أن وطننا
العزيز لن يكون بخير حتى يكون
قضاءنا بخير ، و لن يكون قضاءنا
بخير حتى يستقل عن السياسة ، و
يتعافى من رهاب الخوف من السلطة
، و من داء الرشوة و الفساد ، و
يصبح السياسي و المفسد و السارق
و المرتشي من يحسب حساب القضاء و
ليس العكس ، و تصبح سوريا دولة
القانون و العدل و المساواة لا
دولة المخابرات و الظلم و
المحاباة .
و نحن عندما نقول
هذا الكلام لم نفشِ سراً دفيناً
، و لم نأتِ بجديد ، بل هي
الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في
رابعة النهار ، و التي يعرفها
أبسط البسطاء في أسدستان .
و لكنّ استمرار
الباطل لا يعني أنه أصبح حقاً ،
و طول مدة الظلم لا يعني أننا
سنتعود عليه و نقبل به و نتعايش
معه ، و تفشي الفساد و تبنيه و
رعايته من رأس هرم السلطة لا
يعني أنه أصبح القاعدة والأساس .
لأن ما بني على باطل
فهو باطل ، و لأن الحق يعلو و لا
يعلى عليه ، و لأن المساواة أساس
العدل و العدل أساس الملك ، و
لأن جولة الباطل ساعة و جولة
الحق إلى قيام الساعة ، سنبقى
نتكلم ، و ننتقد
، و نفضح ، و نشرح و نصرخ في
وجه الظلم :
لن يخيفنا قضاءكم العادي
المسيّس و لا قانونكم العرفي
الذي عقدتم معه عقداً
كاثوليكياً أبدياً و مقدساً !! .
و سنورد مثالين
قريبين عن الصراع القائم بين
الحق و الباطل في ساحة القضاء
المدني في أسدستان ، و نترك
الحديث عن القضاء العرفي لمقال
آخر فللحديث فيه شجون و شجون :
المثال الأول : نشر
الصحفيان بسام علي و سهيلة
إسماعيل في
آب العام 2005 تحقيقات في صحيفة
محلية عن الفساد و الهدر
الكبيرين في الشركة العامة
للأسمدة ومنها تحقيق بعنوان
( هدر بالمال العام ، 300
مليون خسائر الأسمدة خلال 45
يوماً ) ثم أتبعاه بموضوع آخر
تحت عنوان ( مرة أخرى خسائر
الأسمدة وصلت إلى مليارات
الليرات، كيس البلاستيك يبتلع
شركات القطاع العام وأجهزة
الرقابة تنام عليه سنوات) ، فقام
مدير عام شركة الأسمدة عبد
الصمد اليافي برفع دعوى على
الصحفي بسام علي ، والصحيفة
سهيلة إسماعيل بتهمة "احتيال
وذم وقدح وتشهير وافتراء
ومقاومة النظام الاشتراكي"
أمام محكمة بداية الجزاء في
مدينة حمص..
وجاء في نص دعوى
اليافي: " حيث أن القطاع العام
الاقتصادي يشكل شوكة في عين
أعداء النظام الاشتراكي ، وأن
تجريح القطاع واتهامه بالتهم
جزافاً بدون دليل وبمعلومات
مختلقة بغاية تهديمه في ظل
الدعوات المتكررة من جهات حاسدة
حقودة تنادي بمبادئ: تخصيص
القطاع العام، أو استثمار شركات
القطاع العام الناجحة إنما يشكل
جرم مقاومة للنظام الاشتراكي
المعاقب عليها بالمادة 1/15 من
قانون العقوبات الاقتصادية".
مع العلم أن
الإجراءات القضائية كانت تجري
غيابياً بحق الصحفيين و دون أي
إبلاغ رسمي لهما ، ومن خلال
عمليات تزوير لدعوة المحكمة ، و
قد أكد الصحفي
بسام علي لموقع سيريا نيوز
الذي نشر الخبر : " أنه سيزود
المحكمة بأكثر من 400 وثيقة من
تقارير تفتيشية ووثائق، إضافة
إلى شهود".
وتساءل العلي "
إذا تكلم صحفي عن محاربة الفساد
مستندا إلى وثائق وأدلة ، هل
يتهم بمقاومة النظام
الاشتراكي؟ ".
و يبقى أن نعرف أن
عقوبة معاداة النظام الاشتراكي
في القانون السوري حسب المادة
المذكورة هي إما السجن المؤبد
مع الأشغال الشاقة أو الإعدام .
كما ينبغي أن نذكر
أن المحاكمة هذه تجري بعد أكثر
من سنة من إعلان السلطة في
شامستان انتقال البلاد من العمل
بالنظام الاشتراكي إلى نظام
اقتصاد السوق الاجتماعي ، فهل
سيحاكم القضاء السوري ( بالسين
أو بالصاد سيان ) الحكومة بتهمة
معاداة الاشتراكية ؟ ، و تحقير
أهداف و منجزات ثورة الثامن من
آذار المجيدة !! ، و ينفذ فيها
حكم الإعدام حتى الموت الحقيقي
بدلاً من الموت السريري التي هي
فيه الآن ، و يقطع بذلك رأس
الأفعى ...
المثال الثاني : منذ
أربع سنوات نشرت صحيفة الوطن
الخليجية خبراً غير عادي من حيث
دلالته على قيم النزاهة والشرف
التي نفتقدها في زماننا وكنا
نظن أنها لم تعد موجودة بمثل هذا
الصفاء والنقاء . خبر يتحدث عن
قاضٍ ( و هو المستشار علي الآغا
رئيس الغرفة المدنية بمحكمة
النقض و المعروف بنزاهته ) حاول
ضابط شرطة ( برتبة عميد ) رشوته
بمبلغ من المال ( بلغ 250 ألفاً من
الليرات السورية و ضعت في ملف
قضية ) فثار القاضي عليه وطرده
من مكتبه أمام أعين المتفرجين
ومنهم وزير العدل ( نبيل الخطيب )
الذي اضطر للنزول من مكتبه بعد
سماعه صوت الحق من القاضي يعلو
على باطل ذلك الضابط فشاهد
الوزير بأم عينيه مشاهد من هذا
العراك .
انتهى خبر صحيفة
الوطن ، و السؤال هو ما المكافأة
التي حصل عليها هذا القاضي
النزيه ؟، و التي ستشجعه و تشجع
أمثاله من القضاة الشرفاء على
الاستمرار في طريق النزاهة ، و
التشبث بقيم الشرف و الشهامة و
المروءة ، و عدم الحنث بقسم
القضاء المقدس .
الجواب جاء في نشرة
النزاهة بتاريخ 29/5/2006م التي
قالت تحت عنوان ( بمثابة فضيحة
في وزارة العدل : اتهام قاضٍ
شريف ) :" بناء على قرار وزير
العدل أحيل العام الماضي
المستشار علي الآغا إلى المحكمة
بتهم تمس النزاهة والشرف !!!".
و تساءلت النشرة
سؤالاً بريئاً : " هل لهذا
العميد الراشي الذي ذكره الخبر
دور في كل ذلك على افتراض أنه
يريد الانتقام مثلاً ؟ " .
و لهذا أعود فأكرر :
أنه لن يكون هناك إصلاح حقيقي في
سوريا ، قبل إلغاء قوانين
الطوارئ ، و رفع يد السلطة
المتحكمة ( العائلة الحاكمة و
المخابرات ) بكل شاردة و واردة
في أسدستان عن القضاء . فهل
سيلغي رئيس مجلس القضاء الأعلى
رئيس الجمهورية قوانين الطوارئ
؟، و هل سيرضى أن يكون القضاء
فوق رؤوسنا و رأسه على السواء ؟.
أم أنه سيبقى يردد
مع الشاعر :
" صلاحي سألت
اليأس عنه فردّني ** إلى أمل
يقتات بشوك جهنـم "
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|