ملاحظات
أولية
على
مشروع قانون تنظيم الأحزاب في
سوريا
المحامي
غـزوان طاهر قرنفل*
" حين توضع العربة أمام
الحصان فذلك مسلك لايبشر بالخير
من حيث أنه يقطع
الطريق
على كل أمل في إمكانية التحرك
للأمام “
ولعل مشروع قانون
الأحزاب المطروح للنقاش على (
أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية
) الحاكمة في سوريا ، يمثل تلك
العربة التي وضعت أمام حصان
المجتمع السوري ، ومن ثم يراد
لنا أن نقتنع أن ذلك الحصان قادر
على الإقلاع بها والسير نحو
الأمام في مسيرة إصلاح مزعوم لم
يلمس هذا المجتمع أي أثر ذو قيمة
من آثاره المفترضة بعد !.
وعلى الرغم من
أهمية الخطوة المتعلقة بإصدار
قانون ينظم العمل الحزبي
باعتباره مدخلا يؤسس لحياة
سياسية نشطة في الشارع السوري ،
إلا أن تنشيط
الحياة
السياسية وإخراج المجتمع
السوري من مستنقع السكونية
والصمت واللامبالاة لاتنحصر
اشكاليته فقط في عدم وجود أحزاب
سياسية – بالمعنى الدقيق
والقانوني للكلمة – تعبر عن
حقيقة الفئات والقوى
الاجتماعية المكونة لعموم
الشعب السوري ، ولا في مجرد
قانون ينظم العمل الحزبي ويقرر
الأطر القانونية للحراك
السياسي ، لأن الأمر يحتاج إلى
أكثر من مجرد قانون للأحزاب ...
إنه يحتاج إلى إحداث تغييرات
جذرية في البنية الدستورية
للسلطة السياسية وأدوات
ممارستها وآليات الرقابة عليها
، ذلك أنه لايمكن تصور حياة
سياسية وحراك حزبي دون الغاء
كامل ونهائي لحالة الطوارىء
المعلنة منذ مايقارب النصف قرن
مع ماخلفته من شلل تام لفاعلية
المجتمع السوري وقواه ، وعطلت
تطوره الطبيعي ، ودون تفعيل
العمل بالقانون الوضعي الطبيعي
وإلغاء كافة القوانين
الاستثنائية وافرازاتها وأدوات
تطبيقها ، وكذلك تفعيل نصوص
الدستور بعد ادخال تعديلات
جوهرية وجذرية عليه تأتي في
مقدمتها الغاء المادة الثامنة
منه والتي لم تحصر السلطة بيد
حزب سياسي بعينه فحسب بل أممت
العمل السياسي بكليته وحرمت
المجتمع السوري من فرصة
الارتقاء والتطور الطبيعي الذي
هو محصلة طبيعية للتفاعل الحي
والصراع الديمقراطي بين قواه
السياسية والمجتمعية .
إن مشروع قانون
الأحزاب الحالي وبالصورة
المطروح فيها لايلبي حاجات
المجتمع السوري ، ولاينسجم مع
الحدود الدنيا لما يجب أن تكون
عليه
الحياة
السياسية بمفهومها المعاصر ...
فهو لم يشر لامن قريب ولا من
بعيد إلى مسألة احتكار حزب
البعث للسلطة ولا إلى المادة
الدستورية التي تمنحه هذا
الاحتكار ، وهل سيتم الغاؤها أم
أن قانون الأحزاب سيصدر في ظل
عبئها الثقيل ؟؟ كما أن هذا
القانون العتيد لم يتطرق إلى
حالة الطوارىء والحاجة الملحة
إلى وقف العمل بالقانون المشرع
لها باعتبارها على نقيض تام مع
حرية العمل السياسي والحزبي ومع
مايمنحه الدستور نفسه
للمواطنين من حقوق وحريات
سياسية ... كما أن مشروع القانون
المذكور ، وفي الوقت الذي حظر
فيه على الأحزاب السياسية
المفترض تكوينها في ظله – وحسنا
فعل – قبول العسكريين وموظفي
الأمن والشرطة والقضاة في
صفوفها ، فإنه لم يقارب مسألة
انضمام كل هؤلاء إلى صفوف حزب
البعث ، ولم يشر إلى وجوب
استقالتهم جميعا من صفوف الحزب
المذكور الذي ينتمون إلية بل
وحل كافة الفروع والشعب الحزبية
التي ينتظمون فيها لتبقى القوات
المسلحة فوق العمل الحزبي
والانتماءات الحزبية درعا
للوطن أيا كان الحزب الحاكم فيه
، ولتبقى قوات الأمن درعا
لحماية
المواطن
ين .. كل
المواطن
ين ولحرياتهم العامة
والخاصة بصرف النظر عن
انتماءاتهم الحزبية ، ولتكون
السلطة القضائية مستقلة ومنزهة
عن كل انتماء سياسي ، قوية على
الحاكم قبل المحكوم .
إن المجتمع
السوري الذي عاش في غيبوبة
سياسية طوال مايقارب النصف قرن
يستحق قانونا ينقله إلى مرحلة
الإفاقة ويبعث فيه روح المبادرة
والقدرة على مباشرة حياته
العامة والسياسية بالأصالة عن
نفسه عبر قوى وأدوات ومنظمات
قادرة على العمل والمنافسة
السياسية والديسمقراطية تحت
سقف الوطن .
*عضو المنظمة الوطنية لحقوق
الانسان في سوريا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|