"سعد
محيو" .... من صحفي فاشل
إلى
"داية" يموت المولود بين
يديها.
الطاهر
إبراهيم*
عندما
يفشل الصحفي في مهنته كصحفي
ويبحث عن مهنة أخرى، لا بد أن
تكون المهنة الجديدة تتصل بنسب
إلى مهنته الأولى كأن يعمل
مراسلا تلفزيونيا أو إذاعيا أو
حتى بائع جرائد، فهو في النهاية
يدور ضمن دائرة واحدة، ولا
يستغرب ذلك منه في زمن أصبحت
مهنة الصحافي مهنةَ من لا مهنةُ
له.
غير أن
هناك من وجد أن هذه المهنة التي
يصفها البعض بأنها "مهنة
المتاعب" لم تعد تؤمن من
الخوف من أجهزة المخابرات، ولا
تغني من فقر، ولا تسمن من جوع،
بعد أن نزل مستوى الصحافة في عهد
الإنترنت إلى أن تكون بين أيدي
الذين يجيدون استعمال أجهزة
الكمبيوتر، وكفى الله
الصحافيين شر أوراق الكتابة
وأقلام الحبر.
الصحفي
"سعد محيو" الذي تنشر له
صحيفة "الخليج"
الإماراتية، وجد الحل في العمل
في مجال آخر أكثر ربحية، وسوقه
رائجة، خصوصا في البلاد
الإسلامية. فقرر أن يعمل "داية"
أي بالتعبير الطبي قابلة
قانونية، حيث ما يزال الناس
يرغبون في كثرة الإنجاب تطبيقا
لسنة الرسول محمد (صلى الله عليه
وسلم ) وتخليدا لذكر الآباء بعد
الموت. ولكن لسوء حظ "محيو"،
فإن المواليد الذين يعلن عنهم
يولدون ميتين كما أعلن هو نفسه
في صحيفة الخليج يوم 8 حزيران
"يونيو" الجاري، عندما جاء
مقاله هكذا "جبهة الخلاص هل
ولدت ميتة؟".
لكن
"محيو" قد يجد نفسه ملاحقا
بتهمة الكذب لإعلانه الكاذب عن
وفاة من لا يزال حيا بين الأحياء
وفي الصحافة والتلفزيون. حيث ما
تزال أخبار المؤتمر الذي عقده
أعضاء الأمانة العامة لجبهة
الخلاص يوم الاثنين 5 حزيران
الجاري في فندق "دروشيستر"
في لندن، تذاع من الشاشات
الفضائية ووكالات الأنباء.
وماتزال الصحف تفرد أعمدتها
لمناقشة هذا الحدث وصحف المنطقة
العربية على وجه الخصوص بما
فيها صحيفة "الخليج".
بل
،وهذا هو الأهم، فإن مؤتمر "جبهة
الخلاص" في لندن اعتبر خبر
الشهر عند السوريين، ولم يكن
المؤتمر بعيدا عن اهتمام النظام
السوري الذي كان فاجأه تحالف
"البيانوني– خدام"، ما
جعله يسارع إلى اعتقال أكثر من
عشرة من المثقفين السوريين
الذين وقّعوا على إعلان "دمشق–
بيروت" ،ما اعتبر في حينه صدى
عن "إعلان دمشق" الذي وقعته
قوى معارضة داخل سورية والإخوان
المسلمون من خارجها. ما نأخذه
على "سعد" ليس لأنه مجندٌ
من قِبَلِ النظام ليهاجم
المعارضة، بل لأن مقاله ابتعد
عن الموضوعية ولم يلامس الحقيقة.
فالمقال
الذي كتبه "سعد محيو" في
الخليج وأشرنا إليه آنفا،
العنوان فيه لايعطي صورة عما
تحته من كلام. وهو،على كل حال،
"صف كلام" ينقض بعضه بعضا،
وخبط ناقة عشواء في غابةٍ ملتفة
في بهيم ليلٍ حالك، يتيه فيه
المبصر فكيف بالأعشى. فهو يبتدئ
مقاله بمدح المتحالِفَيْن "البيانوني،
والخدام" بأنهما أكبر الكتل
المعارضة للنظام من خارج النظام
وداخله. ثم يزعم أن التحالف قوبل
"بالكثير من الشكوك والقليل
من التعاطف". فهو يستعمل
أسلوب الدس الرخيص ليوغر صدور
الإخوان المسلمين تجاه الأستاذ
عبد الحليم خدام، "...بأنهم
يتحالفون مع الشخصية نفسها التي
شاركت بنشاط في ذبحهم في
الثمانينات، والتي كانت اليد اليمنى الرئيسية للرئيس
الراحل حافظ الأسد في تثبيت نظامه".
يلتفت
بعد ذلك نحو جماعة الإخوان
المسلمين مشككا بديموقراطيتها،
ثم يعود مرة ثانية إلى امتداح
الجماعة "..وأنها طوّرت خلال
ربع القرن الأخير العديد من
مفاهيمها حيال مسائل التعددية
والديمقراطية وحقوق الإنسان،
إلا أنها فعلت ذلك على حساب
تماسكها ووحدتها الداخلية..". ليثير بعدها زوبعة
الخلاف، وأن الإخوان المسلمين
"أجنحة عدة لا يزال العديد
منها يدعو إلى العنف ويرفض كل ما جاء في البيان
التأسيسي للجبهة حول بناء دولة
مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على
التعددية والتداولية
والمؤسساتية، مرجعيتها صندوق
اقتراع حر نزيه". وقبل أن نبتعد عن قضية الأجنحة
نؤكد أن الأستاذ "عدنان سعد
الدين"، المراقب العام
الأسبق، والمعروف بأنه كان يقود
الجناح الآخر أثناء الانشقاق
عام 1986 ، -قبل أن تتوحد الجماعة
مرة أخرى في عام 1993 -كان حاضرا
المؤتمرَ التأسيسي وقدّم
إسهامات مفيدةً في صياغة البيان
السياسي ... فأين هي هذه الأجنحة
يا أستاذ "محيو"؟.
ولا
ينسى الأستاذ "محيو" أن
يزعم: "..أنها –الجبهة- تشكلت من لون مذهبي
واحد (السّنة)، برغم ادعائها
بأنها تضم في صفوفها شخصيات
علوية... ولكان يفترض بها أن تطل
على التركيبة الاجتماعية
السورية ليس من زاوية الطوائف ومخاوفها، بل من زاوية
المواطنة وحقوقها وضماناتها".
ففي
حين أكدت الجبهة في البيان
الختامي أن العلويين... "تجمعهم
مع جميع المواطنين حقوق
المواطنة وواجباتها" لم تزعم
أنها تضم في صفوفها علويين، ولا
هي من لون مذهبي واحد. ففيها
المسيحيون وفيها الأكراد وفيها
العلمانيون واليساريون، وكلهم
يقفون على قدم المساواة مع من
حضر من (السنّة). ومن يقرأ أسماء
"الأمانة العامة" وهي
المؤسسة العليا في الجبهة يجد
الموزاييك الذي أشرنا إليه،
وسيعلم عندها أن "محيو"
يزوّر في سجلات رسمية.
وإذا
كنا قد أكدنا أننا لا نتهم "محيو"
بأنه مجندٌ من قِبَلِ النظام
السوري، إلا أن أسلوبه في
الاتهام هو نفس أسلوب النظام
السوري. فهو يقول: "فليس صدفة
أنها -الجبهة- عقدت مؤتمرها
التأسيسي قبل أيام من صدور بيان المحقق الدولي "براميرتس"
تقريره الأول حول اغتيال الرئيس
"رفيق الحريري"، ممنيةً النفس على الأرجح
بأنه سيؤدي إلى إعادة تسليط
الأضواء الدولية على النظام
السوري، وحين يحدث ذلك (إذا ماحدث) ستكون هي–الجبهة-
مستعدة لعرض خدماتها على القوى
الخارجية الدولية كما
العربية". هذا الاتهام
الممجوج لا يستحق أي تعليق، وهو
يكشف عن ضحالة في التفكير،
وانسداد في الأفق السياسي، ولا
ينبئ أن "محيو" يحمل رؤية
تؤهله لكي يحلل الأحداث.
ولا
ينسى "محيو" أن يذكّرنا في
ختام مقاله بأنه ليس "داية"
فاشلة يموت بين يديها المواليد
فحسب، بل إنه يبدو مزهوا
بتحليلاته الضحلة وكأنه قد
اكتشف أمريكا من جديد، ولاينسى
أن يسب ويشتم عندما يقول: "السمعة
الشعبية السيئة لبعض أركان
الحركة الجديدة، ضمنتا ولادة
الجبهة شبه ميتة".
يبقى
أن نشير أن بعض الصحف تفسح
لكتابها بمهاجمة المعارضة
السورية على صفحاتها خصوصا
جماعة الإخوان المسلمين، وهي لا
تنشر الردود على تلك الكتابات،
وهو أقل الحق على تلك الصحف،
علما أن بعضا ممن يهاجم
المعارضة قد لا يتقيد بآداب
النقد.
*عضو
الهيئة التأسيسية لجبهة الخلاص
الوطني
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|