محمد
رشيد الطويل " أبو أيمن "
رحمه الله تعالى
حمامة
المسجد
هل تعرفون شيئاً عن شجرة النخيل
التي كلما علت تواضعت ، وكلما
نضجت زاد خيرها ؟ هكذا أخي
الحبيب أبو أيمن محمد رشيد
الطويل رحمه الله رحمة واسعة .
عرفته شاباً نحيلاً يقرب أن يكون
طويلاً كاسمه ، وعملاقاً في
فكره وأخلاقه . دخلنا كلية
اللغات في العام الدراسي 1965- 1966
حين فتحت أبوابها للدارسين تلك
السنة في جامعة حلب، وكان رحمه
الله قد أنهى دراسة الصف الثالث
في دار المعلمين في حلب
والشهادة الثانوية في آن معاً.
ولم يستطع الدوام في الجامعة
لأنه كان طالباً في السنة
الأخيرة في دار المعلمين ، كان
ألمعياً استطاع أن يجوز السنة
الأولى في الجامعة على الرغم من
غيابه الكبير عن المحاضرات
بالإضافة إلى نجاحه الممتاز في
أهلية التعليم فتخرج معلماً
للمرحلة الابتدائية ينهل
التلاميذ من علمه ويرشفون من
نمير أخلاقه .
ومرت الأيام وسبقني إلى الخدمة
الإلزامية بستة أشهر ، فكان في
مدرسة الأسلحة المضادة للطيران
. وكنت في مدرسة المدفعية
الميدانية .
ويعجب به أستاذه – في المرحلة
الابتدائية الأستاذ غسان
الخليلي، فيربيه على عينه في
قرية الأخ محمد رشيد " كفر
داعل " غربي حلب ، ويتابعه في
دراسته الإعدادية ودار
المعلمين ليتوج علاقته الحميمة
به حين زوجه كريمته الكبرى .
ويسافر محمد رشيد الطويل وأسرته
إلى المغرب إذ أُعير إليها
مدرساً للغة العربية مدة خمس
سنوات ليعود عام ثمانين وتسع
مئة وألف إلى مدينة الزرقاء
الأردنية ، فقد منعه الظالمون
من العودة إلى حلب بالقانون 49
لعام ثمانين الذي يحكم بالإعدام
على الإخوان المسلمين ومن
يساعدهم ويقدم العون لهم
ويشاطرهم أفكارهم " وما نقموا
منهم إلا أن يؤمنوا بالله
العزيز الحميد " .. كان يعمل مع
عمه أبي زوجته" أبي بشير "
في نسج الثياب الصوفية
والقطنية فيرزقهما الله تعالى
رزقاً طيباً حلالاً . وكانا
عصاميين لا يمدان أيديهما لأحد
، فأكرمهما الله تعالى بالرزق
الوافر المبارك .
وتعاقدت والأخ أبو أيمن رحمه
الله تعالى مدرسَيْن للغة
العربية في مدارس دولة الإمارات
العربية المتحدة ، وكنت جاره
ستة عشرعاماً في مدينة الشارقة
أراه صباح مساء أنعم بصحبته
الطيبة وأخلاقه الكريمة ، فقد
كان لطيف المعشر، حلو الابتسامة
، عفّ اللسان ، زكي الفؤاد .
وكانت غدواتنا وروحاتنا معاً في
أكثر الأحيان ، وكان أبناؤه –
وكلهم ذكور – يختلفون بين
البيتين وكانوا صورة صغيرة
لأبيهم رحمه الله تعالى أدباً
وذكاء وأخلاقاً . وكان الناس
لكثرة ما يرونهم في بيتنا ومعنا
في زياراتنا للأحباب والأصدقاء
أو في النزهات والرحلات
يحسبونهم أولادنا ، وقد كانوا
كذلك ..
ويبتلي الله تعالى أخانا أبا
أيمن في ولده " أيمن " توأم
" يمان " – وقد كان عروساً
– فتنقلب به سيارته وهو متجه
إلى " أبي ظبي " فيقضي شهيد
الآخرة – إن شاء الله – ويصبر
أبوه محتسباً ابنه ، فلا تراه
إلا مردداً : حسبنا الله ونعم
الوكيل .. إنا لله وإنا إليه
راجعون ... ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا ......وإذا به يعزّي الناس في
ولده بدل أن يعزّوه ، ويبتسم لهم
، ويخفف عنهم .
كان مثال الجندي المجهول في
ميدان الدعوة والتربية سمته سمت
العالم ، قليل الحديث فيما لا
يعني ، فإذا طُلب إليه أن يوضح
أو يحاضر أو يعظ كان الفارس
المجلّي في ميدانه والمتحدث
اللبق الذي يقنع الحاضرين ويدخل
إلى قلوبهم وعقولهم .
ويشاء الله تعالى أن يستوفيه
إليه – سبحانه- فلا يلبث سوى
أشهر ثلاثة في مرضه الخطير "
السرطان " يذبل سريعاً بين
أيدي أسرته صابراً مطمئناً إلى
قدر الله وأمره ليكون من أهل
الجنة إن شاء الله تعالى – ولا
نزكي على الله أحداً – إلا أنني
أشهد له بدوام الصلاة في جماعة
المسجد أغلب الأوقات .. فقد كان
حمامة المسجد .. رحمه الله رحمة
واسعة ، وغفر له ذنوبه ، وأسكنه
فسيح جناته ،
اللهم اغسله بالماء والثلج
والبرد
ونقّه من الخطايا كما
يُنَقّى الثوب الأبيض من الدنس.
وزد في إكرامه ، وبدل سيئاته
حسنات .
واجعله في عبادك الصالحين
الأبرار .
وارحمنا إذا صرنا إلى ماصار
إليه .
وحين كتبت كتابي " قصص رواها
الصحبة رضوان الله تعالى عنهم
" وتحدثت عن فضل الصلاة كتبت
تحت عنوان " فضل المسير إلى
المسجد "
حفظك الله أبا أيمن ، وبارك فيك ،
وجعلك من خاصته ، وأهل طاعته .
هكذا استقبل أبو حسان أخاه أبا
أيمن حين رآه قادماً من المسجد
في حرّ الرمضاء ، وقد أدى صلاة
الظهر في المسجد جماعة ، لا
يثنيه عن ذلك بُعدُ المسجد ، ولا
ظلمة الليل ، ولا هجير الظهر
وشدة الرطوبة التي يلفح حرُّها
وجهه المشرق بالإيمان . ثم قال
له : ما الذي يشدّك إلى الجامع
على الرغم من هذا الجو الذي
يُحيلُ حرُّهُ الجسمَ عرقاً ،
ولهيبُهُ الرملَ جمراً ؟
قال أبو أيمن : قولُ رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " من غدا إلى
المسجد أو راح أعدّ اللهُ له في
الجنة نزلاً كلما غدا او راح "
. وسكت قليلاً يمسح العرق عن
جبينه ثم قال : وقولُ رسول الله
صلى الله عليه وسلم " من تطهّر
ثم مضى إلى بيت من بيوت الله
ليقضي فريضة من فرائض الله كانت
خطُواتُه إحداهما تحطُّ خطيئة ،
والأخرى ترفع درجة " .
ألا ترى يا أخي أننا كثيرو الذنوب
والآثام ؟ وليس لنا من العمل
الصالح إلا القليل ؟ وكثرة
خطانا إلى المساجد ومنها تمحوها
وتكسبنا الحسنات دون عناء يُذكر
؟.
قال أبو حسان : كتب الله لك
العافية وجمّلك بالصبر ، أفلا
استأجرتَ سيارة إلى المسجد أو
انتظرتَني لآخذك في طريقي إليه
؟.
قال أبو أيمن : إذاً فاستمع إلى
هذه القصة لتدرك زهدي فيما
رميتَ إليه يا أبا حسان :
كان رجلٌ من الأنصار لا أحد أبعد
عن المسجد منه ، وكانت لا تخطئه
صلاة . فقيل له : لو اشتريت
حماراً تركبه في الظلماء وفي
الرمضاء إلى المسجد .
قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب
المسجد ؛ إني أريد أن يُكتبَ لي
ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا
رجعت إلى أهلي . وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم جالساً
يستمع إلى حديثه فقال : " قد
جمع الله لك ذلك كلَّه " . وأنا
مثله أرجو هذا الثواب يا أخي .
قال أبو حسان : صدقتَ يا أخي ،
متعك الله بالصحة والعافية ،
وكتب لك ولنا هذا الأجر العميم ،
فقد روى جابر رضي الله عنه فقال :
خلتِ البقاع حول المسجد ، فأراد
بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد
، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله
عليه وسلم ، فقال لهم : " بلغني
أنكم تريدون أن تنقلوا قرب
المسجد ؟" . قالوا : نعم يا
رسول الله ، قد أردنا ذلك . فقال
" بني سلمة:
ديارَكم تُكتبْ آثارُكم ،
ديارَكم تُكتبْ آثارُكم ." ..
فقالوا : ما يسرّنا أنا كنا
تحوّلنا .
قال أبو أيمن : أما المسير في ظلمة
الليل إلى العِشاء وصلاة الصبح
فأجره عظيم جداً ، نور في البصر
والبصيرة ، وأمان على الصراط
يوم الحشر ، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم :
" بشّروا المشّائين في
الظُّلَم إلى المساجد بالنور
التامّ يوم القيامة " .
أفرأيتَ أحسن من هذا يا أخي
وأفضل؟ .
قال أبو حسان : لا؛ والله ، نبذل
الجهد القصير في هذه الدنيا
الفانية ، فننال الأجر الدائم
والثواب القائم في الدار
الباقية .
فهنيئاً
لك يا أخي الحبيب ممشاك إلى
المسجد في الأوقات كلها .
وهنيئاً
لك صلاة الجماعة ذات الأجر
المضاعف .
وهنيئاً
لك رضى الله سبحانه وبشرى نبيه
الكريم .
أخوك المحب الداعي
لك بالمغفرة عثمان
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|