سوريا
و إسرائيل في كأس العالم !!؟؟
د.
هشـام الشـامي
حلمت أنني أشاهد
مباراة في كأس العالم ؛ طرفاها
سوريا و إسرائيل ، كانت
المدرجات ممتلئة بالجمهور ، و
كنت جالساً مع الجمهور السوري
في الجهة الشمالية من الملعب ،
كان الجمهور السوري – بمن فيهم
أنا – من العسكريين ، حيث جلست
في صدر المدرج قوات سرايا
الدفاع و الحرس الجمهوري ثم
الوحدات الخاصة و سرايا الصراع
و بعض المدنيين الذين يضعون
العدسات السوداء ، و أخيراً
جلست أنا - بثيابي العسكرية
الرثة التي سُرحت بها من الجيش
منذ عشرين عاماً - مع الجيش
النظامي ( و بلغة أهل شامستان :
جيش أبو شحاطة ) ، و هذا لا يمنع
أن بعض المدنيين أصحاب السحنات
المميزة و الخاصة و النظارات
السوداء المعتمة قد تناثروا
بيننا هنا و هناك كما يتناثر بعر
البعير في العرصات الخضراء ، و
كان الجمهور السوري يرفع صور
الرفيق القائد و علم البعث ، و
بعض اللافتات الكبيرة التي كتب
عليها :
- سنسحقك يا إسرائيل
.
- من أقوال الرفيق
القائد : إنني أرى في الرياضة
حياة ؛ و قد طال انتظارها لهذا
النزال ، و أرجلنا على الكرة .
- سوريا الأسد ستحطم
مقولة : الفريق الإسرائيلي الذي
لا يُهزم .
- اليوم اليوم و ليس
غداً ، أجراس النصر سوف تقرع .
و كان الجمهور
السوري يردد الأهازيج و الأغاني
و الهتافات الحماسية مثل :
- قسّم و اطرح *
سوريا بدها تربح .
- حاجه قيل و حاجه
قال * هذا الملعب بدو رجال .
- إلى الأبد ، إلى
الأبد ، يا حافظ الأسد .
- بالروح بالدم
نفديك يا حافظ .
- حلك يا الله حلك *
تحط حافظ محلك .
- حافظ أسد ، زعيم
الأمة العربية .
- هذا اليوم الحنا
نريدوا * حافظ أسد ياعكيدو .
- بعثية و نزلت
عالملعب * الله أكبر علي بيلعب...
و كان المذيع
السوري عدنان بوظو بصوته
الجهوري الذي يتردد في جنبات
الملعب ، يحيّي قائد المسيرة و
الحزب القائد ، و يعلن قرب
انطلاق المباراة التاريخية و
يبشر بالنصر الأكيد و الحاسم
لسوريا الأسد ، و يقول بحماس :
- لقد تخلف العرب
جميعاً عن منازلة الصهاينة ، و
لم يبقَ إلا سوريا الأسد ، أمل
العرب الواعد جميعاً .
- هؤلاء هم رجال
الأسد الأماجد الذين سيسحقون
فئران بن غوريون و كولدمائير و
موشي ديان و نتياهو و شارون
الجبناء الأوغاد .
- هذه هي المباراة
المصيرية التي طال انتظارنا لها
، و التي ستضع حدّاً نهائياً
للغطرسة الصهيونية .
- لن نقبل إلا
بهزيمة هؤلاء اليهود الجبناء .
ثم بدأ بتعريفنا
على لجنة الحكام الدوليين و
التي كانت بقيادة الحكم الدولي
جورج بوش و عضوية توني بلير و
خفيير سولانا ، أما الحكم
الرابع فكان كوفي عنان .
ثم علا التصفيق و
الهتاف حتى ملأ عنان السماء ،
عندما بدأ بتعريفنا بأبطال
الفريق السوري الأشاوس ، و خاصة
عندما قرأ اسم كابتن الفريق و
قلب الدفاع الرفيق الفريق حافظ
الأسد الذي يحمل الرقم المميز (
13).
بينما علا التصفير
و أصوات الاستهزاء و الاستخفاف
عندما قرأ أسماء الفريق
الصهيوني ، و خاصة عندما وصل إلى
اسم كابتن الفريق و قلب الهجوم
الجنرال موشي ديان .
و أعترض الفريق
الإسرائيلي على إشراك اللاعبين
السيد حسن نصر الله و أحمد جبريل
مع الفريق السوري ، على اعتبار
أن الأول لبناني ، و قد مثل
سابقاً الفريق الإيراني أيضاً
في مباريات دولية ، و الثاني
فلسطيني الجنسية ؛ و بالمقابل
اعترض الفريق السوري على إشراك
سيدات مع الفريق الإسرائيلي (
ككولدمائير ) ، و بعد مشاورات
بين لجنة الحكام و الفيفا ، وافق
الفريق الإسرائيلي على
إشتراكهما مع الفريق السوري ( من
باب التحدي ) ،كما وافق الفريق
السوري على إشراكهن مع فريق
العدو( على أساس أنهن دخلن سن
اليأس )، فعلت الهتافات و
التصفيق في المدرج السوري ، و
اعتبر عدنان بوظو - بذكائه
المعهود و سرعة بديهته - أن هذه
أول تباشير النصر المؤزر الأكيد
.
كنت انظر باستغراب
إلى لاعبينا ، و كانت تدور في
نفسي تساؤلات كثيرة ، ما هذا
الفريق ؟ متى أصبح هؤلاء من
يمثلون سوريا ؟، من الذي شكل هذا
الفريق ؟، أين أبطال سوريا
الحقيقيون ؟، هل حافظ و رفعت و
جميل و عدنان و السويداني و
المير و فياض و حيدر و دوبا و
مخلوف و طلاس
هم الأحق في تمثيل سوريا
الحضارة و التاريخ ؟ ، كل هذا و
غيره كان يجول في نفسي ، و لكنني
لا أجرأ على الكلام ، بل لا
أستطيع إلا أن أستمر في التصفيق
و الصراخ كبقية الجماهير ،
لأنني كلما فتر حماسي
قليلاً ، نظر أحد الجالسين
المدنيين قربي إليَّ بطرف عينيه
من تحت نظارته السوداء ، فشحن
قوتي ، و عدت من جديد إلى الصراخ
و الهتاف بنشاط و حماس لا يوصفان
.
و بعد أن تبادل
رئيسا الفريقين ( حافظ و ديان )
الأعلام ، فأخذ الأسد نجمة
داوود ، و تناول موشي الأعور علم
سوريا ، تصافحا و تعانقا ، و بدا
الأعور و كأنه يهمس في أذن الأسد
بضع كلمات ، فهز الأسد رأسه
بالإيجاب !! .
ثم أعلن بوش انطلاق
المباراة ، و علت الهتافات و
أشتد التصفيق و خاصة من جهة
الجمهور السوري ، و ما هي إلى
لحظات حتى اتضحت الصورة ، و بدا
فريق العدو منظماً منضبطاً يلعب
بخطة و استراتيجية هجومية ، و
يتبادل فريقه الكرة بتعاون و
سلاسة ، بينما كان فريقنا
فوضوياً و مشتتاً ، يلعب بلا خطة
و لا تركيز ، و همّ اللاعبين
الوحيد هو إيصال الكرة إلى قائد
الفريق و قلب الدفاع الأسد ،
الذي بدا عصبي المزاج يُكثر من
الشتائم و السباب لأعضاء فريقه
المرتبك .
و بدأ هجوم العدو
يخترق دفاعاتنا الضعيفة بسهولة
، و بدأت الكرات تمزق شباك
مرمانا ، و بدت المباراة و كأنها
من طرف واحد ، و كان لاعبونا
يكتفون بالاحتجاج على قرارات
الحكام ، و يدّعون أن أهداف
العدو كلها تسلل ، و غير صحيحة .
و شيئاً فشيئاً خف
حماسنا نحن الجمهور ، و خمدت
أصواتنا و هتافاتنا ، و جلسنا
صامتين مندهشين متفاجئين
مستغربين مما يحصل ، لقد شعرنا
أنها ليست مباراة حقيقية ، بل هي
مهزلة و تمثيلية ، كان لاعبونا و
كأنهم يدخلون الملعب لأول مرة ،
و كانت مهمتهم الوحيدة هي إيصال
الكرة إلى رئيس الفريق الأسد ،
ثم يخطف قلب الهجوم الإسرائيلي
الكرة منه بسهولة ، و يضعها في
مرمانا المكشوف ، و تكررت
الأهداف في مرمانا حتى لم نعد
نعرف كم أصبح عددها ، و كان
المذيع المفوّه عدنان بوظو ، و
قد خفت صوته ، يتابع تعليقه
قائلاً : صحيح أننا خاسرون ، لكن
المهم اللعب الجيد و الأخلاق
الرياضية ؛ و لا زال هناك متسعاً
من الوقت و سنردّ على العدو في
الوقت المناسب ؛ لا بد أن هناك
مؤامرة دولية تستهدف فريقنا
البطل و صمودنا ...
و بينما نحن غاضبون
و حزينون و الدمع ينحصر في
عيوننا حسرة و آسى ، ألتفت إلينا
رئيس فريقنا و قلب دفاعه و أشار
إلينا بكلتا يديه و رفعهما إلى
الأعلى ، و كأنه يأمرنا أن نستمر
في التشجيع ، و بلمح البصر
استجاب رؤساء رابطة المشجعين له
، فأطلقوا هتافاتهم من جديد ، و
رددنا معهم ، و علا الصراخ و
العويل و
نحن نردد : معليش شو صار * الأسد
مثل النار ، مكتوب على سلاحنا *
نفدي الأسد برواحنا .....
و بينما الصهاينة
منشغلون بتسجيل الأهداف ، بعد
خطف الكرة من الدفاع ، استطاع
الأسد أن يباغت العدو و يمرر أحد
الكرات إلى السيد حسن نصر الله
الذي سار بها مندفعاً ، و سددها
بقوة نحو المرمى الإسرائيلي ،
فخاف حارس المرمى الصهيوني أن
ترتطم الكرة به ، فحمى رأسه
بين يديه ، و خصيتيه بين فخذيه ،
فاخترقت الكرة المرمى معلنة أول
أهداف الفريق السوري ، و هنا علت
الهتافات من جديد ، و ارتفع صوت
عدنان بوظو ، و هو يشرح كيف صنع
هذا الهدف التاريخي القائد
البطل الرمز المفدى حافظ الأسد .
و بينما كنا نحتفل
بهذا الهدف الذي أنسانا عشرات
الأهداف التي دخلت مرمانا ، سقط
الأسد مغشياً عليه على الأرض ، و
طلب الحكم من الطاقم الطبي حمله
خارج الملعب ، و بدأنا نتساءل ،
من هو القائد الذي سيحل مكان
قائدنا التاريخي الرمز ؟، من
الذي سيملأ هذا الفراغ الخطير ؟
...
و بينما نحن في
حيرتنا ، إذ دُفع إلى الملعب و
هو يلبس قميص الأسد الذي يحمل
الرقم (13) ابنه الشاب الطبيب
بشار ، و وسط حيرتنا و استغرابنا
و تساؤلاتنا ، كيف استلم هذا
الشاب قيادة الفريق ؟ ، و ما هي
مؤهلاته ؟، و هل لم يبقَ إلا آل
الأسد في سوريا ؟ . ..
صرخ رؤساء رابطة
المشجعين ، فصرخنا معهم ، و على
مبدأ تفاءلوا بالخير تجدوه ،
تفاءلنا بهذا الشاب ، الذي
سيحرك الفريق و يدعمه بطاقات و
حيوية الشباب ، و خصوصاً أنه كان
يدرس في بريطانيا ، ذلك البلد
الخبير في كرة القدم و صاحب
الباع الطويل في هذا المجال ،
فربما سينقل لنا خبراتهم و
تجاربهم ، و ربما و ربما ..
و سرعان ما بدت
الحقيقة جلية و واضحة وضوح
الشمس في رابعة النهار ، و سارت
الأمور على ما كانت عليه ، بل
إلى الأسوأ ، و تواصلت أهداف
العدو تخترق و تمزق مرمانا ، و
استمر مسلسل الهزيمة ، و استمر
هتافنا و تشجيعنا و تصفيقنا و
عواءنا حتى النهاية ...
هذا هو حُلُمي الذي
حلمت يا سادتي ، فهل من مفسر له
؟؛ بعد الصلاة على النبي .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|