السياسة
الحميرية
أبو
عمر الأسدستاني
في مقهى من مقاهي
أسدستان انهمك عجوزان في لعب
الطاولة, بينما جلس بجوارهما
شاب لم يتجاوز سن السادسة عشر من
العمر هو حفيد أحد العجوزين
يقرأ جريدة البعث باهتمام
وتفكير؟ وفجأة
سأل الشاب العجوزين : ماذا تعني
الخطة الخمسية العاشرة ؟ و بدون
مبالاة رد الجد (يعني راح يصير
لهم خمسين سنة قاعدين على قلبنا)
, واستغرب الشاب الذي ُولد وأمضى
حياته كلها في السويد من منطق
الإجابة , فما علاقة الجلوس على
القلب بالخطة الخمسية ؟ لكنه لم
يعلق على إجابة جده بل أرجع ذلك
لعدم معرفته الجيدة بمفردات
اللغة العربية , وواصل القراءة
ثم عاد بعدها ليسأل بعفوية : جدي
هل الحرية لديها سقف ؟ وهل يوجد
لديكم في سوريا سقف للحرية ؟ نظر
الجد إلى الصفحة التي يقرأ فيها
حفيده فوجد صورة وزير الإعلام
وهو يلوح بيديه , فأجابه : بالطبع
كل بيت وله سقف ...وبيت البعث
عندنا جدرانه الوحدة وأرضيته
الاشتراكية وسقفه الحرية و قبل
أن تسألني أين يقع بيت البعث
سأجيبك بأنه يقع في أظلم وأحلك
بقعة من تاريخ سورية عبر العصور
, أما سقفه فهو حذاء عسكري قديم
لم نر منه غير نعله لأنه لا
يتزحزح أبداً من على صدورنا .
وعاد الجد ليرمي
النرد تاركاً حفيده يتخبط في
حيرته , فما علاقة كل ما سمعه
بسؤاله؟ وقرر
في نفسه أن يطلب من جده تفسير ما
قاله بعد انتهائه من قراءة
الجريدة , واستمر في القراءة حتى
قطع على العجوزين متعة اللعب
بقوله : يا سلام أنتم هنا في
سوريا لا توجد لديكم معارضة ؟
ياااي ...ما أروع هذا ؟ عندنا في
السويد المعارضة موجعة راسنا ,
نيالكم على راحة بالكم ؟ بس شو
عملتوا حتى اختفت المعارضة ؟
فأجابه الجد وهو يرمي النرد :
الموضوع في منتهى البساطة بكره
وأنت راجع على السويد خذ(الصايغ)
مدير التلفزيون معك , وأنا أضمن
لك من لحظة وصوله ستختفي
المعارضة في السويد ؟ وسيصبح
اسمها سويدستان ويبايع
السويديون آل الأسد إلى الأبد ؟
وغرق العجوزان في الضحك ولكن
الشاب أصر هذه المرة على فهم
الإجابة فسأل من جديد : وما
علاقة الصايغ بالتلفزيون ؟
فأجاب العجوز لأنه عمل أنتينات
الإذاعة من ذهب ؟ وازداد الضحك
حتى دمعت أعين العجوزين , فيما
حار الشاب في أمره فكلما سأل
سؤالاً جاءه الجواب محيراً
وغامضاً أكثر من سابقه , فهو لم
يفهم العلاقة بين أنتينات الذهب
والصايغ والتلفزيون وآل الأسد
والمبايعة ..؟ إذ لم يسمع في
حياته أصلاً عن كلمة أو فعل أو
اسم اسمه مبايعة؟ على الأرجح
أنها (نكرة) هذا ما قاله في نفسه,
وعاد من جديد للقراءة فيما
استمرت أكتاف العجوزين
بالاهتزاز نتيجة الضحك , واستمر
الشاب في قراءته وقد عزم العقد
على مفاجأة العجوزين بسؤال
يحارون في الإجابة عليه يعيد من
خلاله ماء وجهه أمامهم و.....وجدتها
؟ هذا ما كنت أبحث عنه ... همس في
نفسه.. ثم قال بصوت عال فيه نبرة
انتصار وتشفي الحمد لله قضاؤنا
بخير إذاً بريطانيا بخير هذا ما
قاله تشرشل للبريطانيين وهذا ما
قاله سفيرنا في لندن سامي
الخيمي للسوريين؟
ونظر العجوزان في آن واحد
باتجاهه وأشار العجوز الثاني
للجد بأنه سيتولى هذه المرة
الإجابة على السؤال , وتناول (البعث)
من يد حفيده وألقى بها في صندوق
القمامة القريب من طاولتهم , ثم
قال للشاب : بني ...صباح كل يوم
نتعوذ بالشيطان الرجيم ألف مرة
قبل أن نفتح الراديو أو
التلفزيون أو نقرأ مقالة على
الانترنت فتفاجئنا على حين غرة
تصريحات أحد المسؤولين الأشاوس
من الذين تملأ تصريحاتهم سماء
وفضاء أسدستان وتنغص علينا
صباحنا ومسائنا , فمن الناحية
البيئية تعتبر تصريحاتهم ضارة
بالبيئة بما تحمله عبر الأثير
من (هراء) تفوح رائحته النتنة
وتلوث الجو الملوث أصلاً (بالهراء)
وتقضي على ما تبقى من البيئة ,
أما من الناحية الطبية فتعتبر
مضرة بالصحة إذا تم الاستماع
إليها (على الريق) فالضحية
غالباً لا تستطيع تناول الطعام
لفقدانها الشهية ,
كما تزداد إفرازات المعدة
الحامضية نتيجة الحالة النفسية
الناجمة مما يؤدي لاحقاً إلى
الإصابة بالقرحة والتشنجات
المعوية عدا عن حالات الاكتئاب
و فصام الشخصية المرافق عادة
لسماع شعاراتهم الثورية , أما
إذا وقع بيدنا مقتطف من صحيفة
حكومية بعد أن ننهي سندويشة
الفلافل الملفوفة فيها
فالإقياء دائماً هو العَرض
المصاحب لقراءتها , وفيما يتعلق
بالناحية الثقافية والفنية
للتصريحات فثقافة مسؤولينا
ليست بأي حال من الأحوال أفضل من
ثقافة نانسي عجرم وهيفاء وهبة
علماً بأنهم يؤدون نفس الدور
ويمارسون نفس المهنة .. وانفرجت
أسارير الجد لدى سماعه بأسماء
الفنانتين وتبسم عن طقم أسنان
صناعي أصفر من كثرة التدخين ,
وتابع العجوز : طبعاً السبب لا
يتعلق بسطحية التصريحات أو
بُعدها عن الحدث فنحن بداهة لا
نتوقع منهم أن يتكلموا بأي شيء
مفيد , ولكن استمرارهم في إتباع
ما يسمى بالسياسة الخشبية في
حواراتهم وفي أسلوب حديثهم جعل
نعت هذه السياسة بالخشبية غير
منصف وغير كاف وأصبح من الضروري
قيام (حركة تصحيحية) لتصحيح
المسمى والاستعاضة عنه بمصطلح
السياسة الحميرية ؟ حيث تجدهم
ينهقون بأعلى وأقبح صوت
لديهم ليغطوا على فشلهم وفسادهم
ولكي يعلموا القاصي والداني
بأنهم مسؤولين والمبدأ واضح (أَنهق......إذاً
أنا مسؤول) ,
آملين أن يسمع نهيقهم صاحب
المزرعة فيبارك أصالتهم
ويتركهم َيرعَون من خيرها , أما
عن مراعاة شعور الآخرين والذين
يضطرون أحياناً لسماع نهيقهم
فهذا أمر لا يهمهم البتة لأن
همهم الأول والأخير فقط هو
إرضاء (المزارع الأول) والذي
بدوره ألبسهم بناطلين وجعل منهم
مسؤولين تعبيراً عن إعجابه
الشديد بنهيقهم ورضاه عن ولائهم
.
بُني هل فهمت الآن
الفارق بين حمير السويد وحميرنا
...؟ وهز الشاب رأسه دلالة على
عدم الفهم ؟ فأجاب العجوز :
الحمير عندكم في السويد مكانها
في حديقة الحيوانات ليتفرج
عليها الناس , أما حميرنا في
أسدستان فتلبس بدلات رسمية
وربطات عنق فاخرة (و بتفرجي
عليها الناس) ....
وهنا تدخل الجد في
الحوار وسأل صديقه العجوز
ضاحكاً : يعني إذا نهقنا الآن
أمن الممكن غداً أن نصبح
مسؤولين ؟ بالتأكيد...أجابه
العجوز , وبدأ الاثنان وسط دهشة
الشاب وذهول رواد المقهى في
النهيق بصوت نشاز هيهاااا.....
هيهاااا....هيهاااا.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|