جند
الشام و أبو القعقاع و فتة الحمص
د.هشـام
الشـامي
بعد حوالي شهرين من
التعذيب الجسدي و النفسي في أحد
فروع المخابرات ( و ما أكثرها في
أسدستان ) ، و بعد استعمال كل
أساليب التعذيب ( الطائفية و
البعثية ) اللا إنسانية
و اللا حيوانية ، من الدولاب
الوطني إلى الكرسي الألماني إلى
بساط الريح الروسي... ، و الجلد
بالكرابيج و أسلاك الحديد و عصا
الخيزران و بنود الخشب ... و
تعرية الجسد و دفق المياه عليه -المثلجة
تارة و الحارة تارة أخرى- ، و وضع
أسلاك الكهرباء على المناطق
الجنسية و الحساسة من الجسد و
توصيل الدارة الكهربائية في
الجسد المتلف من الجَلد
المتواصل على كل مناطق الجسم ،
بعد ربط اليدين خلف الظهر ، و
تعصيب العينين بعصابة سوداء (
طميشة ) ، و رغم أن هذا السجين
فقد وعيه عدة مرات من شدة
التعذيب ، و كسرت ساقه اليمنى ،
و فتحت أخمصا قدميه ، حتى أصبحت
في كل منهما حفرة تتسع لبيضة
دجاج ، بعد هذه الحملة الشعواء
المستمرة ، كان المطلوب منه شيء
و احد فقط و هو أن يعترف أنه منظم
، و كانت الأسئلة التي تتكرر : من
نظمك ؟ ؛ متى التحقت بالتنظيم ؟
؛ من كان معك بالتنظيم ؟ ؛ من هو
أميرك بالتنظيم ؟ . و لأنه لا
يعرف شيئاً عن التنظيم ، و لأنه
يعرف أن إقراره بهكذا تنظيم
يعني الإعدام ؟ ؛ حاول أن يصبر و
يصبر على الضغوط الكبيرة ، و
حملات التعذيب المستمرة ، و
الإهانات الفظيعة و ألفاظ
السباب التي لم يسمع بمثلها في
حياته ، و لم يكن يتصور أن هناك
قلوب بشرية تحمل مثل هذا الحقد
الدفين ، و لا ألسنة بشرية يسيل
منها مثل هذا الفحش و القبح ، و
لم يصدق أنه أستطاع أن يتحمل كل
هذا العذاب اللامعقول و اللا
منطقي و الذي لا يستطيع أن
يتحمله أقوى كائن غير بشري على
الإطلاق ، و كان في كل مرة يخرج
فيها للتعذيب يظن أنها المرة
الأخيرة ، و أن جسده لم يعد
يتحمل أكثر من ذلك ، و كثيراً ما
أغمض عينيه و لفظ الشهادتين و ظن
أنه سيسلم نفسه إلى بارئها ،
لكنه يصحو بعد ساعة أو ساعتين و
ربما يوم أو يومين – لا يدري –
ليجد نفسه مرمياً في أرض زنزانة
إفرادية ضيقة مضرجاً بدمائه
ممزق الثياب أشعث أغبر لا يجد
قطعة من جسده المتورم لا تألمه .
بعد كل حملات
التعذيب هذه ، دُعي أخيراً إلى
غرفة الذاتية ، و لأول مرة رفعت
العصابة عن عينيه ، و وجد أمامه
مساعداً ضخم الجثة ، مفتول
الشاربين ، جاحظ العينين ، أحمر
بياضهما ، ينفخ أمامه كرشاً
مقذعاً ، طلب منه أن يوقع على
ورقة قدمها له ، و لأنه يأس من
حياته ، و لم يعد يحتمل أكثر مما
رآه و عاناه ، لم يسأل ما كتب بها
، و حاول أمساك القلم بأطراف
بنانه المتورمة لكنه لم يستطع ،
فأخذ المساعد بيده و ساعده كي
يمرر القلم في مكان كتب اسمه
فوقه ، و هنا دخل ضابط عليهما ،
فوقف المساعد و قدم له التحية ،
فقال الضابط : وقّع هذا الكلب .
فأجابه : نعم سيدي . فالتفت
الضابط إلى السجين المحطم
قائلاً : يا حمار ، أكلت فتة حمص
مع هؤلاء المناي.. و تقول لست
منظماً . و الله لأعدمك من
بيضاتك ، خذوه إلى جنة الرضوان
في تدمر ، خذوه إلى النعيم
المقيم مع الأنبياء و الصالحين .
و خرج و هو يقهقه . فوجه المساعد
كلامه للسجين بلهجة أقل حدّة :
ما لقيت تاكل فتة حمص إلا مع
هالعرصات ؟. فأجابه السجين :
هؤلاء زملائي في المدرسة . فقال
المساعد : بتعرف أنو ثمن هالفتة
الموت ، روح يا حمار الله لا
يقيمك .
نعم يا سادة هكذا
كانت نهاية التحقيق المأساوية
مع مواطن سوري شاب في معتقلات
أسدستان في السبعينات من القرن
الماضي ، و لم تكن قصة خيالية ،
أو رواية أسطورية ، و ليست من
قصص الأدباء ، أو من كتب الحكماء
و الفلاسفة ، أنها تكررت مئات بل
آلاف المرات في فروع المخابرات
العديدة في شامستان ، فهؤلاء
ثبتَ عليهم التنظيم لأنهم
تناولوا فتة الحمص في منزل
زميلهم ، و آخرون كان دليل
الإدانة بحقهم أقوى و أكثر حجة ،
لأنهم خرجوا يوم الجمعة معاً
إلى مزرعة زميلهم في الغوطة و
تناولوا صفايح اللحم و السبانخ
و الجبن و الزعتر ، و بذلك تجمعت
قرائن الإدانة أكثر ، و آخرون
أعدموا بتهمة التنظيم لأنهم
خرجوا إلى النزهة و الاستجمام ،
و نصبوا الخيمة ( التنظيمية ) على
شواطئ بانياس للتدرب على
السباحة و استنشاق الهواء النقي
المحرم بعثياً . ألم تسمعوا
بالطبيب البيطري الذي حكم عليه
القاضي العسكري الرائد سليمان
الخطيب بالإعدام ؟، لأن الخطيب
ذكّر الطبيب ببقرتهم المريضة
التي جاء بها والده و التي ماتت
على يديه عندما كان الطبيب يعمل
في الوحدة البيطرية في دريكيش
بلد الخطيب ، و دارت الأيام ، و
وقف الطبيب البيطري أمام
المحكمة الميدانية في سجن تدمر
الرهيب برئاسة هذا الرائد
الحاقد ، و عضوية رفيقه الكاتب
فقط ، فاكتفى بتذكيره بتلك
الحادثة ، و قال له : اذهب سوف
أعدمك من بيضاتك .
كل هذه القصص
المأساوية و أكثر منها بكثير
بإمكانكم قراءتها من الكتب التي
صدرت عن بعض المساجين الذين
قُدّر لهم أن يخرجوا ناجين من
سجون الحقد الطائفي البعثي (
ككتاب تدمر شاهد و مشهود للسجين
الأردني محمد سليم حماد ، و كتاب
خمس دقائق و حسب - تسع سنوات في
سجون سوريا للسجينة السابقة هبة
الدباغ ، و سنتان في القاع
... ) ، أو حتى بإمكانكم
سمعاها مباشرة من أحد الخارجين
من كهوف سجون أسدستان ، إن قُدر
لكم الاجتماع به ، و إن تجرأ على
شرح بعض معاناتهم التي لا تحيط
بها الكلمات ، و لا تصفها أبلغ
العبارات .
ذكرت بعض التهم
التي وجهت لعشرات الآلاف من
الذين قضوا في سجون قمعستان
لأتساءل معكم
: كيف يعدمون طلاباً ثانويين
لمجرد أنهم تناولوا فتة حمص مع
بعضهم ؟؛ أو آخرين نصبوا خيمتهم
للنزهة في شواطئ طرطوس أو
بانياس ؛ ثم يسمحون للمجاهد
الكبير و العلامة الفاضل و ناصر
الدين و حامي حماه الشيخ الحلبي
/ أبو القعقاع بإعلان الجهاد و
تدريب المقاتلين على السلاح و
الكاراتيه و فن القتال الفردي
في قلب مدينة حلب ثاني مدن
شامستان ، و في حي الصاخور
الشعبي ؛ حيث كنا نجد خطب و
مواعظ أبو القعقاع الحماسية
تباع في المكاتب و على الأرصفة و
أمام المساجد ، مع العلم أن
الشيخ المجاهد أبا القعقاع كان
يستلم من عنصر الأمن المكلف ما
سيقوله ( كبقية خطباء سوريا ) قبل
خطبة الجمعة ، لكنه لجرأته
النادرة و شجاعته الفريدة و
لتفانيه في حب الجهاد ولشوقه
إلى الشهادة في سبيل الله كان لا
يهتم بإملاءات المخابرات و
البعثيين ، و لا يخاف من أحد إلا
الله !!!؟؟؟؟...
هذا المجاهد العظيم
و الفريد من نوعه ، كانت خطبه و
نصائحه و كتبه في حوزة تلاميذه و
مريدينه ( الأطفال العشرة )
الذين استشهدوا و جرحوا و
اعتقلوا و هم يجاهدون في سبيل
الله متسللين إلى بناء مهجور في
ساحة الأمويين وسط دمشق فجر
الجمعة الثاني من حزيران الماضي
، و كان بحوزتهم – إضافة لخطب و
مواعظ و كتب المجاهد الأعظم أبي
القعقاع – أسلحة أمريكية !! (
وصلتهم من دولة مجاورة جغرافياً!!
) و بعض الكتب التي تشرح كيفية
استعمال السلاح ، و كيفية
الهجوم على الأماكن المهجورة و
الكهوف المظلمة في ساحة
الأمويين ، أو في أعالي جبل
قاسيون ، أو في محيط قرية
كفرروما قرب معرة النعمان ؛ أو
في قرى حماة النائية ؛ أو في
المناطق الصحراوية في الحسكة و
الرقة ؛ هذه الأماكن التي
أكتشفت فيها قواعد تنظيم جند
الشام كلها كانت بعيدة و مهجورة
، و للعلم فإن كل الأسماء التي
عرفت ممن قضوا في هذه الحوادث ،
كانوا من المهربين و المجرمين و
المطاردين و المطلوبين جنائياً
و بعضهم كان مطلوباً من الأردن
وفق طلب رسمي مقدم للانتربول
كما فضح ذلك الأمن الأردني ( و هو
المسؤول عن حادثة جبل قاسيون )،
لكن مشيئة المخابرات في سوريا
أن تجعل منهم شهداء رأي قضوا في
سبيل الله ، في أوقات نوم الناس (
قبيل الفجر ) و في أماكن بعيدة عن
البشر ( أي في الوقت و المكان
المناسبين للرفاق حسب تعبير
الرفيق مصطفى طلاس وزير الدفاع
السابق ) ، تماماً كما قضى
الشهيد ( أبو العدس ) و هو يدافع
عن فلسطين أثناء تفجير موكب
اليهودي رفيق الحريري !!! .
هذه بعض حكايا و
بطولات تنظيم جند الشام أو
غرباء الشام أو قل جند مخابرات
أسدستان ، أو شهداء أبو القعقاع
الأسدي الذي كان يقبض على كل رأس
من الشباب المتحمس الذاهب إلى
الجهاد ، و بذلك يكون الشباب
المجاهد قد حقق أمنيته بالشهادة
؛ و يكون شيخ المجاهدين أبو
القعقاع قد مارس هوايته في
الخطابة و الحماسة ، و بيع رؤوس
البشر ؛ أما السادة الأفاضل
الأذكياء الساهرين على أمن
الوطن و المواطن فيكونون قد
ضربوا عدة عصافير بحجر واحد ،
حيث كشفوا و تخلصوا من الشباب
المسلم المتحمس للجهاد أولاً ،
و أظهروا للعالم أجمع و
للأمريكيين خصوصاً أنهم
مستهدفون من الإرهاب العالمي
مثلهم ، و كأنهم يقولون لهم :
تعالوا إذاً نضع أيدينا بأيديكم
لمحاربة الإرهاب
ثانياً ، و أوصلوا لإسرائيل
رسالة مفادها :أن هؤلاء هم الذين
سيشعلون جبهة الجولان بعد أن
استطعنا حمايتها لكم و إخمادها
و إسكاتها تماماً منذ حرب تشرين
و حتى الآن ثالثاً ، و برروا
استمرارهم في فرض قوانين
الطوارئ و القوانين
الاستثنائية التي ما زالت مسلطة
على رقاب شعبنا المظلوم و
المغلوب على أمره منذ أكثر من
أربعة عقود رابعاً ..
هذه هي ( فتة الحمص )
التي طُبخت في كهوف الظلم و
الظلام الأسدية ، فهل استطاع
أحد أن يهضمها ، رغم كل ما وضع
عليها من الكمون و التوابل و
البهارات ، و الحقيقة أنها زكمت
أنوفنا بروائحها الكريهة ، و
نفخت عقولنا و قلوبنا
قبل أن نسمم أمعاءنا بها .
فمتى سينتهون من
طبخ الحمص و العدس و بقية
البقوليات في مطابخهم الأمنية
المفضوحة ؟!!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|