من
يحكم سوريا اليوم ؟
د.
هشـام الشـامي
عندما يعدُ الدكتور
بشار حافظ الأسد منذ خطاب القسم
قبل ست سنوات بجملة من الوعود
الوردية و الإصلاحات ، و يعترف
بوجود أخطاء و قضايا فساد و
تجاوزات ، و يقول أنه سيعمل على
معالجتها و إنهائها ، و يرفع
شعارات الإصلاح و التطوير ، و
لكن و بعد ست سنوات من استلامه
السلطة لا يتحقق شيء مما وعد به .
و عندما يعد الرئيس
بشار في أكثر من مناسبة ، و في
خطبه الرسمية ، و مقابلاته
الصحفية ، بمحاربة الفساد و
المفسدين ، و معالجة مشاكل
الفقر التي لا ترحم و لا تنتظر
التأجيل حسب تعبيره ، و يجعلها
من أولياته ، و لكن الفساد يستمر
في طغيانه ، و نهب ما تبقى من
خيرات هذا الوطن ، و تتفاقم حالة
الفقر و الجوع و البطالة في
المجتمع أكثر و أكثر ، حتى أصبح
أكثر أفراد المجتمع السوري تحت
خط الفقر حسب التصريحات الرسمية
، و ما خفي كان أعظم .
و عندما يعد الرئيس
أكثر من مرة ، بحل مشكلة الأكراد
، و الاعتراف بهم شركاء في الوطن
، و لهم كل الحقوق
و عليهم كل واجبات المواطنة
، و إنهاء مشكلة البدون منهم (
بالتكرم عليهم و إعطائهم
الجنسية السورية ) .
و عندما تكثر
الوعود من الرئيس بحل كل مشكلات
المواطنين السوريين داخل و خارج
الوطن ( و ما أكثرها ) ، و يصفه
أبواق نظامه بالرئيس الشاب
المنفتح ، الذي سيحل كل المشاكل
الإدارية و الاقتصادية و
السياسية ( و يجيب الديب من ديله
) ، و لكن لا يتحقق شيء مما وعدنا
به ، بل تتفاقم المشاكل و تزداد
و تترعرع و تتفاقم ...
كل ذلك يدعونا
للتساؤل : لماذا لم يتحقق شيء
مما وعد به الرئيس خلال ست سنوات
كاملة من حكمه ؟ ( و هذه الفترة
تعتبر أكبر بسنتين من الفترة
الرئاسية الكاملة لرئيس
الولايات المتحدة الأمريكية و
التي هي أربع سنوات فقط ).
لن نقول أن الرئيس
غير واع لما يقول ، و يصرح
تصريحات طائشة غير مسؤولة ، و
أنه ما زال صغيراً و غير مسؤول
عن تصريحاته و تصرفاته ، فهذا
الكلام لا يستقيم مع رجل تجاوز
الرابعة و الثلاثين من عمره عند
تعديل الدستور قبل ست سنوات (
باللمسة السحرية العجيبة !!)
ليتثنى له خلافة والده في رئاسة
الجمهورية !!! ، و هو طبيب و جراح
عيون ، و مثقف ( و لو أن ثقافته
مفلترة بعدسات خاصة هداها له
أبوه ) ، و كانت جهود دولة الأسد
كلها منصبة
في تحضيره لرئاسة بلد الحضارة و
التاريخ سوريا منذ مقتل أخيه
باسل بحادث مروري في أوائل عام
1994م.
فما هو تفسير هذا
النكث في العهود و الوعود
الإصلاحية إذاً ؟
- هل أن الرئيس أراد
أن يكسب الوقت ، و يخدع
المواطنين ، بوعوده الإصلاحية
الخلبية ، فهو يعبث و يلهو
بأحلام المواطنين المساكين ،
حتى يتمكن من السيطرة الكاملة و
الكلية على أجهزة الدولة ،
تماماً كما فعل أبوه في بداية
السبعينات ، عندما انقلب على
رفاق حزبه و دربه ، بوعود
إصلاحية خلبية ،أي على مبدأ
إخواننا المصريين ( عم يتمسكن
حتى يتمكن ) ؟؟!! .
- أم أن الرئيس هو
بالأساس غير مؤمن بإصلاح الدولة
و المجتمع في سورية ، و بالتالي
ما وعود الرئيس الدكتور إلا
كحقن المورفين المسكنة التي
تعطى لمريض انتشر السرطان
الخبيث في جسده و غزا
الأعضاء الهامة و الحساسة
كالكبد و الرئتين ، و لم تعد
تنفع معه المعالجة السببية ،
فانتقل إلى المعالجة العرضية ،
بإعطاء المريض حقن المورفينات
المسكنة ؟؟!!.
- أم أن الرئيس يقول
عكس ما يفعل عن قصد و إصرار و
تصميم ، و هو مدمن على الكذب ، و
قلب الحقائق ، و قد أعد من أجل
ذلك مطبخ لطهي البحص و دكان لبيع
الكلام ، أما حقيقة فهو يؤمن
بالمثل القائل : " جوّع كلبك
يتبعك " ، أو " القط يحب
خنّاقه ".
- أم أن الرئيس نيته
إصلاحية فعلاً ، و لكن الأمور
ليست بيده ، و ما هو إلا واجهة
لحكام فعليين يحكمون من خلف
ستار ( أي لا يغني مواله من رأسه )
، و هؤلاء الحكام الفعليون
يرفضون الإصلاح ، و قد أدمنوا
على النهب و السلب و يريدون
الاستمرار في نهب الدولة و
المجتمع حتى الثمالة ، و يمنعون
الرئيس الواجهة من تحقيق أهدافه
الإصلاحية ؛ و هؤلاء الحكام
الفعليون ليسوا أحزاب "الجبهة
الوطنية التقدمية" التي هي
أيضاً واجهة تعددية لحكم شمولي
ديكتاتوري ، و ليس هو الحزب
القائد حسب الدستور
"حزب البعث المصادر" ،
و لا "الطائفة العلوية
المصادرة " أيضاً لصالح شلة
فاسدة معدودة ( و هي طوق العائلة
الأسدية المقدسة !! ) التي أحكمت
الطوق بقوة حول الرئيس الشاب
المصادر ؟؟!!.
مهما كان السبب في
تأخر تنفيذ الوعود الإصلاحية
للرئيس الدكتور ، فإنه يتحمل
المسؤولية الكاملة أمام الشعب و
التاريخ ، و التاريخ لم يكذب و
لن يكذب ، و لسنا بحاجة إلى كلام
أكثر مما سمعنا ( و الفص على
المضطجع سهل ) ، بعد أن تأخرنا عن
كل الأمم و حتى عن دول الجوار
التي تعيش نفس ظروفنا و التي كنا
نسبقها تاريخياً و حضارياً
فأصبحنا خلفها بعقود ، و ما
نحتاجه هو أمام فعّال لا قوّال ،
لأن المشاكل كلما تراكمت علينا
كلما صعب حلها ، فالرطل من
المشكلات يحتاج إلى رطلين من
الحلول ، و لسنا بحاجة لتجريبكم
أكثر مما جربنا ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|