الجرائم
الأمريكية والصهيونية ..
مجرد
أخطاء !!
أ.د.
محمد اسحق الريفي
أصبح
من المألوف رؤية مشاهد الجرائم
البشعة التي يرتكبها جيش
الاحتلال الأمريكي ضد الشعب
العراقي، وذلك بعد قيام
مرتكبيها بتصويرها بتفاصيلها
الدقيقة وتولي الصحافة
الأمريكية مهمة نقلها إلى
العالم. وقد
اعتادت الحكومة الأمريكية
تبرير تلك الجرائم والادعاء
بأنها مجرد أخطاء عابرة،
واختزالها في تصرفات طائشة لعدد
قليل من الجنود الأمريكيين،
ليتم تقديمهم إلى محاكم
لمعاقبتهم على تشويه سمعة
بلادهم، وتعريضهم مهمة جيشهم
المحتل للتشكيك.
وبالتوازي
مع الإجرام الأمريكي وبالتكامل
معه، يأتي الإجرام الصهيوني ضد
شعبنا الفلسطيني، فمسلسل
العدوان الإجرامي مستمر، وكل
يوم يسجل الاحتلال الصهيوني
رقما قياسيا جديدا في الوحشية
والهمجية والإرهاب والدموية،
ليُشهد العالم على حب الصهاينة
للقتل، لمجرد القتل، والتلذذ
بمنظر الأشلاء الممزقة والدم
المتناثر من أطفال ونساء ورجال
شعبنا المظلوم المقهور، ولسان
حالهم يقول: "أنا أقتُل .. إذن
أنا موجود".
وهذا
المسلسل الإجرامي المتواصل، من
ارتكاب جرائم التعذيب والقتل
والتدمير، والتلذذ بارتكابها
ونشر صورها، ليس عملا فرديا أو
اعتباطيا، وإنما يأتي في سياق
التدمير النفسي المنهجي
والمنظم للإنسان العربي
والمسلم، وامتهان كرامته
الإنسانية، بل هي رسالة موجهة
إلى كل الشعوب العربية
والإسلامية، بأن تلك الجرائم
ستحل بكل من يقف في وجه المشروع
الأمريكي الصهيوني، الذي يهدف
إلى الهيمنة على منطقتنا وتغيير
هوية شعوبها الثقافية ومحاربة
الإسلام والصد عن سبيل الله.
إن
ارتكاب جيش الاحتلال الصهيوني
في فلسطين، والعدوان الأنجلو
أمريكي في العراق وأفغانستان،
تلك الجرائم البشعة ضد شعوبنا
هي سياسة رسمية منهجية وعمل
متأصل في الثقافتين الأمريكية
والصهيونية، وهي ثقافات مجبولة
على كثير من العنف والإجرام
وجوهرها ينطوي على الكثير من
الشر والعنصرية، إنها الثقافة
التي تجعلهم يتلذذون بالقتل
والتعذيب، وتبيح لهم المتاجرة
بأعضاء المصابين والقتلى،
وتسمح لهم باستخدام صور الأشلاء
الممزقة لجني الربح وجلب
الشهرة، فأي ثقافة وحشية هذه
التي يسعون لفرضها على البشر؟!!
لقد
أقام الأمريكيون دولتهم
الشريرة على جثث نحو خمسة وستين
مليونا من الهنود الحمر، ولهم
تاريخ مليء بالجرائم القذرة في
اليابان وفيتنام. أما
الصهاينة واليهود المحتلون
لفلسطين فهم يرتكبون
الاعتداءات الوحشية ويمارسون
جريمة التطهير العرقي ضد شعبنا
الفلسطيني، لإقامة دولتهم
المسخ على أنقاضه، بعد طرد من
يتبقى من شعب فلسطين إلى خارجها.
والمصيبة
الكبرى أن الصهاينة
والأمريكيين يستخدمون كل مكرهم
ودهائهم وخبثهم لإقناع شعوبنا
بأن تلك الجرائم هي مجرد أخطاء
لها ما يبررها، بل إنهم يوظفون
أدواتهم، من أبناء الجلدة، في
الدفاع عن تلك الجرائم وتزيينها
بطريقة مضللة تخدع شعوبنا، في
حين يفرض علينا أعداء شعوبنا
والإنسانية نبذ المقاومة
ويصفونها بالإرهاب، إمعانا في
جرائمهم وعنصريتهم.
لقد ارتكبت القوات
الأمريكية آلاف الجرائم في
العراق، وقد اعترفت كوندوليزا
رايس بذلك لكنها كذبت وأخفت تلك
الحقيقة حينما زعمت أن تلك
الجرائم هي أخطاء تكتيكية.
إنهم
يعتبرون جرائمهم ضد شعوبنا
أخطاء ليس مراعاة لشعورنا أو
شعورا بالأسى والأسف لارتكابها
ولكن حرصا على مهمتهم
الشيطانية، وهذا ما عبر عنه
الرئيس الأمريكي جورج بوش
الصغير بالإعلان عن "انزعاجه"
من نشر حقائق حول "مجزرة
حديثة" التي ارتكبها جيشه
المجرم ضد المدنيين العراقيين
والتي راح ضحيتها عشرات الأطفال
والنساء والرجال، متوعداً
الفاعلين بالعقاب، ليس لفظاعة
ما ارتكبوه من جرائم، ولكن لما
قد تجره تلك الجرائم من عواقب
وخيمة على جيشه المجرم.
ليس
لدى الإدارة الأمريكية، التي
يقودها اليمين الأمريكي
المتصهين، أي تحفظ على تلك
الجرائم التي ترتكبها قواته
المجرمة، وإنما تخشى، تلك
الإدارة المجرمة، أن يؤدي الكشف
عن جرائم جيشها المجرم بحق
شعوبنا إلى إشعال المقاومة
وتصاعدها، وتشجيع شعوبنا على
الانخراط في أعمال المقاومة
ودعمها، انتقاما من مرتكبيها
المجرمين. وتخشى
الإدارة الأمريكية أن يؤدي
الكشف عن تلك الجرائم إلى فضح
نوايا الولايات المتحدة
الأمريكية التي تدعي، زورا
وكذبا، رعايتها لحقوق الإنسان
وحرصها على حريته وكرامته.
وبحسب
منطق بوش، عبر العديد من النواب
الأمريكيين عن قلقهم من تأثير
هذه الحادثة على ما أسموه "المهمة
الأمريكية في العراق"، وقد
غضبت الطبقة السياسية
الأمريكية لما يمكن أن يؤدي
إليه كشف تفاصيل تلك الجرائم
وحقائقها من تعرية للصورة
المقززة للولايات المتحدة
الأمريكية، ومن المؤكد أن محاكم
هزلية لبعض الجنود المتورطين في
تلك الجرائم ستمنحهم إجازة
وتحقق لهم ما يشتهونه من شهرة
بظهورهم على شاشات التلفزة
وصفحات الصحف المحلية
والعالمية، وكأنهم أبطال
يخدمون الإنسانية وينشرون
العدل والسلام في ربوع العالم !!
وهذا
هو نفس منطق الصهاينة في
تبريرهم لجرائمهم التي
يرتكبونها ضد الشعب الفلسطيني،
فقد اعتبرت الحكومة الصهيونية
المذبحة الهمجية التي ارتكبها
جنودها المجرمون على شاطئ بحر
غزة مجرد خطأ عابر، ووعدت،
كعادتها في الكذب والتلفيق
والتضليل، بالتحقيق في تلك
المذبحة، بينما راح جيش
الاحتلال الصهيوني يرتكب مزيدا
من الجرائم والمذابح ضد أطفال
شعبنا ورجاله ونسائه، تحقيقا
للوعد الذي قطعه المجرم إيهود
أولمرت على نفسه حينما هدد بجعل
الفلسطينيين يشطبون من ذاكرتهم
اسم "هدى غالية" التي فقدت
معظم أفراد عائلتها في مذبحة
غزة.
أما
بالنسبة لمجزرة "حديثة"
التي ارتكبتها القوات
الأمريكية المحتلة للعراق،
والتي راح ضحيتها العديد من
المدنيين العراقيين، فقد وعد
جنرالات الاحتلال الغاشم
بالتحقيق فيها، بينما تقوم تلك
القوات الغاشمة في هذا الوقت
بحصار العديد من القرى والمدن
العراقية استعدادا لارتكاب
المزيد من الجرائم والمجازر،
وبعدها لن يصعب على الإدارة
الأمريكية خلق المبررات
والخروج بالنتيجة المعهودة أن
تلك المجازر هي أخطاء اضطر جنود
الاحتلال الأمريكي إلى القيام
بها لتفادي الأخطار أو الدفاع
عن النفس.
وترتكب
الولايات المتحدة الأمريكية
والكيان الصهيوني وحلفاؤهما
جرائم كبرى تستدعي تقديم زعماء
تلك البلاد وقادتها إلى المحاكم
الدولية بوصفهم مجرمي حرب،
لمعاقبتهم بما يتناسب مع هول
جرائمهم وبشاعتها.
فبالإضافة إلى المذابح التي
يرتكبونها في العراق
وأفغانستان وفلسطين، يقوم
هؤلاء بمحاصرة الشعب الفلسطيني
وتجويعه، ولا يقف الأمر عند هذا
الحد من الظلم والطغيان، بل يصل
بهم الإجرام إلى إنشاء أجهزة
أمنية عميلة لهم، ومدها بالمال
والسلاح والتكنولوجيا الحديثة،
لترتكب الجرائم وتنشر الخراب
والدمار وتغتال المدنيين
وتفجرهم. إن
الصهاينة والأمريكيين يرتكبون
جرائم كبيرة بنشر الدسائس وزرع
الفتن وإشعال نار الحرب الأهلية
وتغذيتها في فلسطين والعراق
وغيرهما من البلاد العربية، إن
الاحتلال هو أفظع جريمة يرتكبها
هؤلاء ضد شعوبنا.
إن
من حق شعوبنا العربية
والإسلامية أن تتساءل حول سبب
عدم ملاحقة الأمم المتحدة
لمرتكبي تلك الجرائم وعدم
تقديمهم للمحاكم ومحاسبتهم على
جرائمهم، أم أن الأمم المتحدة
ومؤسساتها لم تعد سوى حذاء
للولايات المتحدة الأمريكية
تلبسه حينما تشاء لتخوض به وحل
المستنقعات القذرة التي أصبحت
مرتعا لها ومكانها المفضل
لارتكاب الجرائم ضد شعوبنا
وزعزعة الاستقرار في منطقتنا !! لقد
بات معروفا لشعوبنا أن الأمم
المتحدة تتعامل مع الجرائم بشكل
انتقائي وتكيل بمكيالين، فهي لا
تتحرك إلا بإيعاز من الولايات
المتحدة الأمريكية، لتنفيذ
مخططاتها، وإتاحة الفرصة لها
للتدخل في أمور شعوبنا، وزعزعة
استقرار منطقتنا.
ومن
حق شعوبنا أن تسأل كذلك عن دور
الليبراليين والديمقراطيين
والعلمانيين، الذين يتشدقون
بالحريات الإنسانية، من تلك
الجرائم !! أم أنهم لا هم لهم إلا
الهجوم على ثقافة شعوبنا ودينها
الحنيف ومعاداته وأهله ودعاته،
وترويج الأمركة وتضليل شعوبنا
وتحطيم معنوياتها ؟! لقد
أصبح هؤلاء أدوات رخيصة لتلميع
صورة الولايات المتحدة
الأمريكية المخزية، إنهم مجرد
أدوات لصيانة القناع الذي
ترتديه الولايات المتحدة
الأمريكية، وتخفي خلفه صورتها
الحقيقية المقززة، مما يصيبه من
اهتراء وتمزق بسبب هول الجرائم
الأمريكية ضد شعوبنا العربية
والإسلامية.
أما
المحطات الفضائية العربية،
التي أخذت على عاتقها أمركة
شعوبنا وتعمل ضمن إطار المشروع
الأمريكي الصهيوني، فهي تتجنب
تسمية الأشياء بأسمائها
الحقيقية، وتتحفظ على استخدام
كل ما يمكن أن يسيء إلى سمعة
الولايات المتحدة الأمريكية،
وتستخدم كلمات رقيقة لا تخدش
شعور المجرمين الصهاينة
والأمريكيين والبريطانيين،
فتراها تتجنب استخدام تعبير "الاحتلال"
وتستبدله بما تزامن معه من
أحداث مثل سقوط نظام صدام حسين
أو طالبان. لقد
استخدموا تعبير الإرهاب بدلا من
المقاومة، والانتحار بدلا من
الاستشهاد، والعملية بدلا من
المجزرة، وسوء التصرف بدلا من
السرقة، والأخطاء بدلا من
الجرائم، والإعمار بدلا من
الخراب، والحكومة الشرعية بدلا
من الحكومة الخائنة والعميلة،
...
ولا
تجرؤ تلك الفضائيات على نقل
الجرائم إلا بعد أن تقوم
الصحافة الغربية بتسريب
أخبارها، ولا تنقل إلينا إلا
الرواية الأمريكية للأحداث،
ولا تسلط الضوء إلا على ما
أرادته الدعاية الحربية
الأمريكية.
لقد طمسوا دور المقاومة ولم
يكلفوا أنفسهم إبرازها
للجماهير وسماع وجهة نظر
المقاومين وروايتهم، ولم
ينقلوا إلينا تفاصيل أي عملية
فدائية ضد الاحتلال، رغم
ادعائهم السبق الصحفي
والحيادية والتغطية الشاملة
والنقل من قلب الحدث، ولا يهمهم
إلا نقل صور قتلى العرب
والمسلمين وأشلائهم المبعثرة
بين ركام الخراب والدمار ولون
الدم المسال في الطرقات
ولزوجته، والتي لا شأن مباشر
للاحتلال بها، وكأنهم يقولون
لنا هذا مصيركم المشئوم، وهذا
ما تؤدي إليه المقاومة، وهذا ما
يجنيه كل من يعارض الاحتلال،
وهكذا ... فلعنة الله على
الظالمين.
إن
الاحتلال هو أفظع جريمة، وإن
تضليل الشعوب وخداعها هو جريمة
كبرى، وإن الصمت حيال تلك
الجرائم هو جريمة كبرى كذلك.
كل هذه الجرائم لن تغفرها
شعوبنا، ولن تنساها، وسيأتي
اليوم الذي تنتقم شعوبنا من
مرتكبيها، وتنتصر للحق، قصر
الزمن أو طال، وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|