حكام
سورية :
بين
القول المضحك .. والفعل المبكي!
عبدالله
القحطاني
حين يكون لحاكم ما ، رابط
وحيد بين
قوله وفعله ، هو الكذب ، فلا بدّ
أن تكون بلاده في شرّ مستطير ،
وشعبه في كرب عظيم ..!
وهذا ما هو حاصل في سورية ،
منذ ثلاثة وأربعين عاماً ، منها
ستة وثلاثون في عهد الأسدين
الأب والابن ..!
فقد سبق هذان الاثنان (
الميت في قبره ، والحيّ في قصره)
كلّ كذّاب عرفته البشرية حتى
اليوم ، فيما نعلم ..!
1- مسيلمة
الكذاب ادّعى النبوة ، وكان
كاذبا في دعواه هذه ..! لكن لم
ينقل المؤرخون من أخباره ، أنه
كان يكذب حتى في درجات الحرارة ،
كما وصف ممدوح عدوان نظام حافظ
أسد عام / 1980/ ..! كما لم يسنّ ـ
لنفسه ولخليفته ـ قوانين تلزِم
الناس الذين يحكمهم ، في حياته
وبعد موته ، بأنه إله (فعّال لما
يريد !) في بلاده ، لأنه جمَع في
يديه السلطات كلها ، والصلاحيات
كلها..! وبأنه( لا يُسأل عمّا
يَفعل!)،لأنه فوق المحاسبة
والمساءلة ..! وقد ورّث هذه
الألوهية لابنه الهمام مِن بعده
..!
2- عرقوب
ـ مضرب الأمثال في إخلاف
المواعيد ـ لم يُعرف عنه الكذب
على (الطالع والنازل!) ، في كل
قول يقوله..! كل ماعرِف عنه ،أنه
وعَد أخاه بثمَر نخلة ، وظلّ
يماطل في الوفاء بوعده ، كلما
زاره أخوه مذكّراً بهذا الوعد..!
ثم بادر إلى النخلة فأكل ثمرها ،
وانتهت حكايته التي صارت مضرب
الأمثال ، حتى قال عنها كعب بن
زهير، حين شبّه مواعيد صاحبته
بمواعيد عرقوب :
صارت مَواعيد عرقوبٍ لها
مَثلاً
وما مَواعيدها
إلاّ الأباطيلُ
3- أمّا
الأسدان فالأمر فيهما مختلف !
وسنكتفي بالحديث عن الابن ، لأن
الحديث عنه يشمل الحديث عن أبيه
، بناء على إصراره هو، على أن
يكون عهد أبيه عهداً له،
انطلاقاً من فلسفة (الاستمرار
مع التطوير!).. ولنبدأ بالحديث عن
الشعارات :
• وحدة
حرية اشتراكية :
- الوحدة
: يقصَد بها وحدة الأمة العربية
من المحيط إلى الخليج ! ومَن لا
يَعرف حافظ أسد ، وابنه مِن بعده
، لن يستطيع أن يعرف الكمية
الهائلة من السخرية المضحكة،
الكامنة في هذا الشعار، حين
يخرج من فم حافظ ، وفم ابنه
الهمام ..!
فقد مزّق حافظ حزب البعث
نفسَه ، صانعَ الشعار ، وشتّت
مؤسسي الحزب ، بين السجون
والقبور والمنافي ..! ولو أردنا
أن نعدّد أسماء هؤلاء ، لضاق بنا
المجال.. ونحسب رفاق حافظ قد
أعطوا هذا الموضوع مايستحقّ من
دراسة..!
أما
وحدة القطرين ، اللذَين حكمهما
البعث في وقت واحد ، فما تزال
موضع تساؤل السذج والحمقى
والمغفلين : لمَ لمْ يتّحد
القطران الشقيقان الجاران ،
اللذان حكمهما البعث في وقت
واحد ، أكثر من خمسة وثلاثين
عاماً ..! أمّا العقلاء الذين
يعرفون حافظ أسد، فلا يطرحون
هذا السؤال ، حتى قبل أن ينحاز
حافظ إلى الدولة الفارسية ، في
حربها ضدّ شقيقته العربية
العراق ، التي يحكمها الشطر
الثاني من البعث العربي
الاشتراكي..! لماذا ؟
لأنهم يعلمون جيداً مافعله
حافظ بالوحدة الوطنية ، داخل
سورية ، الدولة الواحدة
الموحّدة ، من عبث وتمزيق..! فهو
لم يكتف بما فعله رفاقه، من
تمزيق المجتمع طبقياً ، بين
عمال وفلاحين ، وبورجوازية ،
وإقطاعية ، ورأسمالية ..! بل أضاف
إلى ذلك كله ، التمزيقَ الأخبثَ
والأخطر، وهو التمزيق الطائفي ،
حين أسند مقاليد الحكم والسلطة
، إلى طائفة واحدة ، وهمّش
الطوائف الأخرى ، متّخذاً من
بعض الإمّعات المحسوبين عليها ،
واجهات لتغطية الوجه الحقيقي ،
للحكم الطائفي الصارخ ..! حتى
صارت العلاقة بين الطوائف
المهمّشة والطائفة الحاكمة ،
تقوم على الريبة والشك والخوف ..!
والأنكى
من ذلك ، أن مجموعات كثيرة جداً
من الطائفة الحاكمة ، أو التي
ينسَب الحكم إليها ، وتوظَّف
لدعمه وحمايته .. تحسّ بالغبن
والتهميش ، بل بالعداء ، تجاه
المجموعة الحاكمة ، التي انحصرت
في أسرة ، بعد أن كانت زمرة
مكونة من أسَر شتّى ..! أمّا
الرفاق الذين قتِلوا من أبناء
الطائفة ، في السجون والمنافي ،
على أيدي أجهزة حافظ وبشار،
فحدّث عنهم ولاحرج..! وأسماؤهم
محفورة في عقول أبناء الطائفة
وقلوبهم .. أو ـ في أقلّ تقديرـ
في قلوب أسَرهم وعقولها ..!
فأيّة وحدة هذه ، التي تمزّق
الشعب الواحد إلى طبقات ، ثم إلى
طوائف ، ثم إلى أسر داخل الطائفة
، ثم تنفرد أسرة واحدة بالسلطة ،
وتستأثر بقرارات البلاد
ومقدراتها وثرواتها ..!؟ وهل
الشعار وتطبيقاته على الأرض
السورية ، من المضحكات أم من
المبكيات ..!؟ أم هو من النوع
الذي قال عنه المتنبي :
وكمْ
ذا بمصرَ مِن المضحكاتِ
ولكنّه ضَحِكٌ كالبكا!
- الحرية : والمقصود الظاهر
من شعار الحرية هنا ، هو تحرر
الوطن العربي من الاستعمار
الخارجي ..! مع التذكيير بأن حزب
البعث ، ولِد بعد انسحاب آخر
جندي فرنسي
عن سورية بعام كامل ، في بداية
النصف الثاني من أربعينات القرن
الماضي..! ومهما يكن من شأن هذا
الشعار، فقد عرف الشعب السوري
مضمونه الفعلي ، على أرض الواقع
داخل سورية ..! وليس ثمّة سوري
مخنوق ، تحت حكم الأسرة الأسدية
المبجلة ، يجهل بركات هذا
الشعار،على حريته الشخصية ،
وحرية أهله وأصدقائه، ومعارفه
وزملائه..! وقائمة الحِرَف
والمِهَن ، وتجمّعات الأفراح
والأتراح ، التي أعلنت أجهزة
المخابرات السورية ـ من شهور
قليلة ـ أنها تسمح بها دون إذن
منها ( وهي تشمل تسعة وستين
بنداً ) .. هذه القائمة الرائعة
تدلّ ، بشكل صارخ ـ يستحيي منه
كل من يملك ذرّة حياء ـ على مدى
الحرية التي يتمتّع بها شعب
سورية الصابر الأبيّ ، في ظلّ
هذا الحكم الميمون ..! ولن نتحدث
هنا عن المعتقلات والسجون ،
الملأى بالمفكرين وأصحاب
الكلمة الصادقة والرأي الحرّ ،
فمنظمات حقوق الإنسان لديها
سجلات حافلة بهذه المآسي
اليومية ، المستمرة ليلاً
ونهاراً ، دون انقطاع ..!
ونحن
لانلوم الأسرة الأسدية (
الموقّرة !) على سرقتها لحريات
الناس .. فقد سرقت الوطن بأسره ،
في اليوم الذي سرقَت فيه السلطة
من صاحبها الشرعي ( الشعب )،
وسَرقت كل شيء في الوطن ، بدءاً
بثرواته ، وانتهاء ببسمة أطفاله
..! لكن نسأل : هل بقي لدى شعب
سورية قدرة على القهقهة ـ سوى
القهقهة الممزوجة بالبكاء ـ
ليستخدمها إزاء كل مايرى ويسمع
، من مساخر الأسرة الأسدية
المحترمة النبيلة ..!
- الاشتراكية : أمّا هذه ،
فالحديث عنها هيّن ليّن ! لأنها
تعني ببساطة ووضوح ، معنى
واحداً محدّداً ، يعرفه شعب
سورية كله ، وهو أن أفراد الأسرة
الحاكمة شركاء في ثروة سورية ،
التي هي ملك خاص لهم ، وكل منهم
يختطف منها بحسب قوّة مخالبه
وأنيابه..! وأبناء الشعب السوري
شركاء في الفقر، الذي لايزداد
إلاّ قسوة عليهم ، عاماً بعد عام
، كلما ازدادت ثروات البلاد
التي يتشارك فيها أفراد الأسرة
الحاكمة! ( ويدخل في الأسرة ،
بالطبع ، من حيث تقاسم الثروة ،
الأعمام والأخوال ، وأبناؤهم
وبناتهم وأصهارهم ..!) أفلم تتفوق
هذه الاشتراكية بشقّيها (
اشتراكية الثروة للأسرة ..
واشتراكية الفقر للشعب !) على كل
اشتراكية عرفتها قواميس
المصطلحات الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية ،
ولاسيما الكوميديّة منها ،
والكوميديا السوداء على وجه
التحديد ..!؟
ولابدّ
لنا من العودة إلى المتنبي ، مرة
أخرى ، لنستعير من قصيدته
المشهورة ، التي يفتتحها
بالحديث عن العيد ، بيتين
متباعدين ، نحسب السياق بحاجة
ماسّة إليهما، وهما :
نامت
نواطيرُ مصرٍ عن ثعالِبها فقد
بَشِمْنَ وما تَـفنَى العناقيد
ويلمّها
خطّـةً ويلـمّ قـابِلِـها
لِمثـلِها
خلِقَ المَـهْريّة القُود
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|